(الذِّهْنِيِّ) سَوَاءٌ لَزِمَهُ فِي الْخَارِجِ أَيْضًا أَمْ لَا (الْتِزَامٌ) وَتُسَمَّى دَلَالَةَ الِالْتِزَامِ أَيْضًا لِالْتِزَامِ الْمَعْنَى أَيْ اسْتِلْزَامِهِ لِلْمَدْلُولِ كَدَلَالَةِ الْإِنْسَانِ عَلَى الْحَيَوَانِ النَّاطِقِ فِي الْأَوَّلِ وَعَلَى الْحَيَوَانِ فِي الثَّانِي وَعَلَى قَابِلِ الْعِلْمِ فِي الثَّالِثِ اللَّازِمِ خَارِجًا أَيْضًا وَكَدَلَالَةِ الْعَمَى أَيْ عَدَمِ الْبَصَرِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ الْبَصَرُ عَلَى الْبَصَرِ اللَّازِمِ لِلْعَمَى ذِهْنًا الْمُنَافِي لَهُ خَارِجًا (وَالْأُولَى) أَيْ دَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ (لَفْظِيَّةٌ) لِأَنَّهَا بِمَحْضِ اللَّفْظِ (وَالثِّنْتَانِ) أَيْ دَلَالَتَا التَّضَمُّنِ وَالِالْتِزَامِ (عَقْلِيَّتَانِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQيَمْتَنِعُ الِانْفِكَاكُ فَهِيَ مُطَابَقَةٌ وَإِلَّا فَلَا دَلَالَةَ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ قُدِّسَ سِرُّهُ فِي حَوَاشِي الْمَطَالِعِ فِي دَلَالَةِ الْمُعَمَّيَاتِ عَلَى مَعَانِيهَا
(قَوْلُهُ: الذِّهْنِيِّ) بَحَثَ فِيهِ النَّاصِرُ بِأَنَّ تَقْيِيدَ اللَّازِمِ بِالذِّهْنِيِّ خُرُوجٌ عَنْ الْأُصُولِ إلَى فَنِّ الْمَنْطِقِ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالدَّلَالَةِ الَّتِي هِيَ الْمَقْسَمُ كَوْنُ اللَّفْظِ بِحَيْثُ مَهْمَا أُطْلِقَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْوَضْعِ فُهِمَ مِنْهُ الْمَعْنَى كَمَا تَقُولُ الْمُنَاطِقَةُ لَا كَوْنُهُ إذَا أُطْلِقَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْوَضْعِ فُهِمَ مِنْهُ الْمَعْنَى كَمَا تَقُولُ الْأُصُولِيُّونَ وَالْبَيَانِيُّونَ وَمِنْ ثَمَّ تَرَكَ ابْنُ الْحَاجِبِ التَّقْيِيدَ بِذَلِكَ وَضَعَّفَ الْقَوْلَ بِهِ فَقَالَ: وَغَيْرُ اللَّفْظِيِّ الْتِزَامٌ وَقِيلَ إذَا كَانَ ذِهْنِيًّا وَأَجَابَ بِأَنَّ اللَّازِمَ الذِّهْنِيَّ لَهُ مَعْنَيَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَا يَمْتَنِعُ انْفِكَاكُ تَعَقُّلِهِ عَنْ تَعَقُّلِ الْمُسَمَّى وَهُوَ اللَّازِمُ الْبَيِّنُ عِنْدَ الْمُطَابَقَةِ وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَلِفُ فِي اشْتِرَاطِهِ بَيْنَ الْمَنَاطِقَةِ وَغَيْرِهِمْ.
وَالثَّانِي: مَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لَهُ فِي الذِّهْنِيِّ حُصُولُهُ فِيهِ إمَّا عَلَى الْفَوْرِ أَوْ بَعْدَ التَّأَمُّلِ فِي الْقَرَائِنِ وَهَذَا مُرَادُ مَنْ قَيَّدَ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ وَالْبَيَانِ لَا الْأَوَّلُ وَإِلَّا لَخَرَجَتْ مَعَانٍ كَثِيرَةٌ فِي الْمَجَازَاتِ وَالْكِنَايَاتِ عَنْ الْمَدْلُولَاتِ الِالْتِزَامِيَّةِ اهـ.
أَقُولُ: اخْتَارَ التَّفْتَازَانِيُّ فِي مَتْنِ التَّهْذِيبِ مَذْهَبَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فَقَالَ: وَلَا بُدَّ مِنْ اللُّزُومِ عَقْلًا أَوْ عُرْفًا وَوَجَّهَهُ الْجَلَالُ الدَّوَانِيُّ بِأَنَّهُ لَا رِيبَةَ فِي فَهْمِ هَذَا الْمَعْنَى فَإِسْقَاطُهُ عَنْ دَرَجَةِ الِاعْتِبَارِ غَيْرُ مُسْتَحْسَنٍ اهـ.
وَقَالَ الْحَفِيدُ فِي شَرْحِ الْمَتْنِ لَوْ اُعْتُبِرَ اللُّزُومُ الْعَقْلِيُّ فَقَطْ لَخَرَجَ الْمَجَازَاتُ وَالْكِنَايَاتُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْمُحَاوَرَاتِ وَالْمُخَاطَبَاتِ وَلَا شَكَّ أَنَّ نَظَرَ الْمَنْطِقِيِّ فِي الْأَلْفَاظِ لَيْسَ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْإِفَادَةِ وَالِاسْتِفَادَةِ فَلَا وَجْهَ لِتَحْدِيدِ اصْطِلَاحٍ بِلَا ضَرُورَةٍ مَعَ إفْضَائِهِ إلَى ضِيقٍ فِي أَمْرِ الدَّلَالَةِ لِإِخْرَاجِ تِلْكَ الدَّلَالَاتِ السَّابِقَةِ فِي الِاعْتِبَارِ عَنْ الِاعْتِبَارِ اهـ.
وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ فَلَا وَجْهَ لِتَحْدِيدِ اصْطِلَاحٍ إلَخْ أَيْ مُخَالِفٍ لِمَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ: لِالْتِزَامِ الْمَعْنَى) أَيْ الْمُطَابِقِيِّ وَقَوْلُهُ لِلْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ الْتِزَامًا
(قَوْلُهُ: أَيْ عَدَمَ الْبَصَرِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْعَمَى هُوَ الْعَدَمُ الْمُقَيَّدُ بِالْبَصَرِ وَالْقَيْدُ خَارِجٌ وَلَيْسَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسَمَّى وَإِلَّا كَانَتْ دَلَالَتُهُ عَلَيْهِ تَضَمُّنًا فَالتَّقَابُلُ بَيْنَ الْعَمَى وَالْبَصَرِ تَقَابُلُ الْعَدَمِ وَالْمَلَكَةِ.
وَقَدْ اسْتَدَلَّ الدَّوَانِيُّ فِي حَاشِيَةِ التَّهْذِيبِ عَلَى خُرُوجِ الْبَصَرِ عَنْ مُسَمَّى الْعَمَى بِأَنَّ إسْنَادَهُ إلَى الْبَصَرِ شَائِعٌ بِدُونِ قَرِينَةٍ مَجَازِيَّةٍ قَالَ تَعَالَى: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ} [الحج: 46] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النَّظَائِرِ وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ اهـ.
يُرِيدُ أَنَّهُ قَدْ أَسْنَدَ الْبَصَرَ بِدُونِ قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنًى مَجَازِيٍّ بِأَنْ ذَكَرَ لَفْظَ الْعَمَى الْمَوْضُوعَ لِلْعَدَمِ مَعَ التَّقْيِيدِ بِالْبَصَرِ وَيُرَادُ مُطْلَقُ الْعَدَمِ.
وَقَالَ مِيرْ زَاهِدْ الْهِنْدِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَنْ الدَّوَانِيِّ الْعَمَى صِفَةٌ بَسِيطَةٌ قَائِمَةٌ بِالْأَعْمَى، وَحَقِيقَتُهُ عَدَمٌ خَاصٌّ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِعَدَمِ الْبَصَرِ، وَقَدْ اُشْتُهِرَ الْفَرْقُ بَيْنَ جُزْءِ الشَّيْءِ وَجُزْءِ مَفْهُومِهِ فَالتَّقْيِيدُ بِالْبَصَرِ دَاخِلٌ فِي مَفْهُومِ الْعَمَى الْعَيْنَوَانِيِّ، وَخَارِجُ عَنْ حَقِيقَتِهِ الْبَسِيطَةِ وَلَمَّا كَانَتْ الْأَلْفَاظُ مَوْضُوعَةً لِلْمَعَانِي دُونَ عِنْوَانِهَا كَانَتْ دَلَالَةُ الْعَمَى عَلَى الْبَصَرِ دَلَالَةً عَلَى خَارِجٍ عَنْ الْمَوْضُوعِ لَهُ وَكَانَ إسْنَادُهُ إلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ غَيْرَ تَجْرِيدٍ أَوْ مَجَازٍ اهـ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا بِمَحْضِ اللَّفْظِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى انْتِقَالٍ إلَى جُزْءٍ أَوْ لَازِمٍ كَمَا فِي اللَّتَيْنِ بَعْدَهَا فَهُوَ كَالْحَصْرِ الْإِضَافِيِّ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْعَقْلِ؛ لِأَنَّ الْفَهْمَ بِهِ وَالْعِلْمَ بِالْوَضْعِ
(قَوْلُهُ: عَقْلِيَّتَانِ) تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ الْمَحْصُولِ وَغَيْرَهُ وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ ثَانِيهَا أَنَّهُمَا لَفْظِيَّتَانِ كَالْأُولَى اعْتِبَارًا بِفَهْمِ الْمَعْنَى مِنْ اللَّفْظِ وَلَوْ بِوَاسِطَةٍ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَنَاطِقَةِ.
وَقَدْ يُقَالُ هُوَ لَازِمٌ لِلْمُصَنِّفِ، وَإِنْ صَرَّحَ بِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْقَسْمَ دَلَالَةَ اللَّفْظِ فَأَقْسَامُهُ لَفْظِيَّةٌ وَكَوْنُ بَعْضِهَا بِوَاسِطَةٍ، وَبَعْضِهَا بِلَا وَاسِطَةٍ لَا يُخْرِجُهَا عَنْ ذَلِكَ