أَيْ اللَّوْمِ حَالَ التَّرْكِ (عَلَى التَّلَبُّسِ بِالْكَفِّ) عَنْ الْفِعْلِ (الْمَنْهِيِّ) ذَلِكَ الْكَفِّ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ يُفِيدُ النَّهْيَ عَنْ تَرْكِهِ.
أَيْ عَقِبَ الْأَمْرِ الْمَسْمُوعِ الدَّالِّ عَلَى التَّكْلِيفِ (مَعَ عِلْمِ الْأَمْرِ وَكَذَا الْمَأْمُورُ) أَيْضًا (فِي الْأَظْهَرِ انْتِفَاءُ شَرْطِ وُقُوعِهِ) أَيْ شَرْطِ وُقُوعِ الْمَأْمُورِ بِهِ (عِنْدَ وَقْتِهِ كَأَمْرِ رَجُلٍ بِصَوْمِ يَوْمٍ عَلِمَ مَوْتَهُ قَبْلَهُ) لِلْآخَرِ فَقَطْ أَوَّلُهُ وَلِلْمَأْمُورِ بِهِ بِتَوْقِيفٍ مِنْ الْآمِرِ فَإِنَّهُ عَلِمَ فِي ذَلِكَ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُقُوعِ الصَّوْمِ الْمَأْمُورِ مِنْ الْحَيَاةِ وَالتَّمْيِيزِ عِنْدَ وَقْتِهِ (خِلَافًا لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُعْتَزِلَةِ) فِي قَوْلِهِمْ لَا يَصِحُّ التَّكْلِيفُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQيَتَعَلَّقْ الْأَمْرُ لَمْ يَتَعَلَّقْ النَّهْيُ فَلَا يَلْزَمُ قَبْلَ فِعْلِهِ اهـ.
وَهُوَ اعْتِرَاضٌ قَوِيٌّ وَحَاوَلَ سم الْجَوَابَ عَنْهُ بِمَا لَا يَدْفَعُهُ كَمَا يَظْهَرُ لِلْمُتَأَمِّلِ فِي كَلَامِهِ، فَإِنْ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ وُجُودِ النَّهْيِ بِدُونِ الْأَمْرِ وَلَوْ أَنَّهُ لَازِمٌ لَهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَازِمًا أَعَمُّ مَنَعْنَاهُ، فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي النَّهْيِ الْحَاصِلِ مِنْ ذَلِكَ الْأَمْرِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ.
(قَوْلُهُ: أَيْ اللَّوْمُ حَالَ التَّرْكِ) دَفْعٌ لِمَا تُوهِمُهُ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ مِنْ تَحَقُّقِ اللَّوْمِ أَوَّلًا وَالْمُبَاشَرَةِ ثَانِيًا وَهُوَ فَاسِدٌ إذْ اللَّوْمُ إنَّمَا هُوَ مَعَ التَّرْكِ فِي جَمِيعِ الْوَقْتِ قَالَهُ سم، وَقَدْ يُتَصَوَّرُ اللَّوْمُ أَوَّلًا وَالْمُبَاشَرَةُ ثَانِيًا فِيمَا إذَا وَقَعَتْ الْمُبَاشَرَةُ بَعْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ.
(قَوْلُهُ: ذَلِكَ الْكَفُّ) هُوَ بَيَانٌ لِمَرْجِعِ الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي الْمَنْهِيِّ الَّذِي هُوَ نَائِبُ فَاعِلِهِ لِمُعَامَلَتِهِ مُعَامَلَةَ الْمُتَعَدِّي بِنَفْسِهِ تَوَسُّعًا وَالْأَصْلُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ فَحُذِفَ الْجَارُ وَاتَّصَلَ الضَّمِيرُ وَاسْتَتَرَ وَقَوْلُ الشَّارِحِ عَنْهُ صِلَةُ الْكَفِّ وَالضَّمِيرُ لِلْفِعْلِ.
[مَسْأَلَةٌ يَصِحُّ التَّكْلِيفُ وَيُوجَدُ مَعْلُومًا لِلْمَأْمُورِ آثَرَهُ]
(قَوْلُهُ: مَسْأَلَةٌ يَصِحُّ إلَخْ) :
تَضَمَّنَ كَلَامُهُ مَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَى يَصِحُّ التَّكْلِيفُ مَعَ عِلْمِ الْآمِرِ وَالْمَأْمُورِ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُقُوعِهِ الثَّانِيَةُ عِلْمُ الْمُكَلَّفِ عِنْدَ وُجُودِ الْأَمْرِ وَسَمَاعِهِ بِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِهِ وَالثَّانِيَةُ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى الْأُولَى فَقَوْلُهُ: مَعَ عِلْمِ الْأَمْرِ إلَخْ قَيْدٌ فِي قَوْلِهِ يَصِحُّ التَّكْلِيفُ لَا فِي قَوْلِهِ وَيُوجَدُ، فَإِنَّ مُتَعَلِّقَهُ قَوْلُهُ: مَعْلُومًا وَلَا يَخْفَى مَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْخَفَاءِ.
(قَوْلُهُ: عَقِبَ الْأَمْرِ) أَيْ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ كَذَا قِيلَ وَهُوَ بَعِيدٌ فَالْأَحْسَنُ أَنَّهُ رَاجِعٌ لِلْأَمْرِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ التَّكْلِيفِ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُهُ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ عَلِمَ) عِلَّةً لِصِحَّةِ التَّمْثِيلِ.
(قَوْلُهُ: مِنْ الْحَيَاةِ) إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرْطِ الْجِنْسُ (قَوْلُهُ: عِنْدَ وَقْتِهِ) ، فَإِنَّهُ مَيِّتٌ لَا حَيَاةَ عِنْدَهُ وَلَا تَمْيِيزَ.
(قَوْلُهُ: خِلَافًا لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ) ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْبُرْهَانِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَسْلَكَيْنِ لِلْقَاضِي:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ قَاطِبَةً قَبْلَ أَنْ تُظْهِرَ الْمُعْتَزِلَةُ هَذَا الرَّأْيَ عَلَى أَنَّ الْمُكَلَّفِينَ عَلَى عِلْمٍ بِأَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ وَمَنْ أَبَى ذَلِكَ وَالْتَزَمَ إطْلَاقَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْبَسِيطَةِ مَنْ يَعْلَمُ كَوْنَهُ مَأْمُورًا فَقَدْ بَاهَتَ الشَّرِيعَةَ وَرَاغَمَ أَهْلَ الْإِجْمَاعِ.
الثَّانِي: يَلْتَفِتُ عَلَى أَصْلِهِ فِي النُّسَخِ، فَإِنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ قَطْعًا، ثُمَّ يُرْفَعُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ بِالنُّسَخِ فَقَالَ بَاقِيًا عَلَى ذَلِكَ إذَا تَوَجَّهَ الْأَمْرُ إلَى الْمُخَاطَبِ، ثُمَّ فُرِضَ مَوْتُهُ أَوَّلَ زَمَانِ إمْكَانِهِ فَقَدْ تَحَقَّقَ حُكْمُ الْخِطَابِ أَوَّلًا قَطْعًا، فَإِنْ انْقَطَعَ الْإِمْكَانُ انْقَطَعَ بِانْقِطَاعِهِ مَا ثَبَتَ قَطْعًا وَبَالَغَ الْإِمَامُ فِي رَدِّهِمَا، ثُمَّ قَالَ: فَقَدْ لَاحَ عَنْ الْمُبَاحَثَةِ أَنَّ الْمُخْتَارَ مَا عُزِيَ إلَى الْمُعْتَزِلَةِ فِي ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: فِي قَوْلِهِمْ لَا يَصِحُّ)