وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْفِعْلَ كَالصَّلَاةِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْفَرَاغِ مِنْهُ لِانْتِفَائِهِ بِانْتِفَاءِ جُزْءٍ مِنْهُ.
(وَقَالَ قَوْمٌ) مِنْهُمْ الْإِمَامُ الرَّازِيّ (لَا يَتَوَجَّهُ) الْأَمْرُ بِأَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْفِعْلِ إلْزَامًا (إلَّا عِنْدَ الْمُبَاشَرَةِ) لَهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ (، وَهُوَ التَّحْقِيقُ) إذْ لَا قُدْرَةَ عَلَيْهِ إلَّا حِينَئِذٍ وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَدَمُ الْعِصْيَانِ بِتَرْكِهِ فَجَوَابُهُ قَوْلُهُ (فَالْمَلَامُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ أَيْ اللَّوْمُ وَالذَّمُّ (قَبْلَهَا) أَيْ قَبْلَ الْمُبَاشَرَةِ بِأَنَّ تَرْكَ الْفِعْلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَخْ) مِنْ تَتِمَّةِ مَا قَبْلَهُ فَهُوَ مَحْذُورٌ وَاحِدٌ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَحْذُورٌ آخَرُ.
(قَوْلُهُ: وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْفِعْلَ إلَخْ) بَيَانُهُ أَنَّ الْفِعْلَ الْمَطْلُوبَ ذُو أَجْزَاءٍ، وَالْأَمْرَ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَوَّلًا وَبِالذَّاتِ وَبِأَجْزَائِهِ ثَانِيًا وَبِالْعَرَضِ وَالتَّعَلُّقُ بِهِ لَا يَنْقَطِعُ مَا لَمْ يَحْصُلْ الْفِعْلُ وَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِتَمَامِ حُصُولِ جَمِيعِ أَجْزَائِهِ، وَحِينَئِذٍ فَالْفِعْلُ حَالَ الْمُبَاشَرَةِ لَمْ يَحْصُلْ لِبَقَاءِ بَعْضِ أَجْزَائِهِ فَالْمُلَازَمَةُ فِي قَوْلِهِمْ وَإِلَّا يَلْزَمُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ مَمْنُوعَةٌ هَذَا إذَا نَظَرْنَا لِمَجْمُوعِ الْأَجْزَاءِ، فَإِنْ نَظَرْنَا لِكُلِّ جُزْءٍ جُزْءٍ فَنَقُولُ: إنَّ ذَلِكَ الْجُزْءَ وَإِنْ كَانَ حَصَلَ حِسًّا لَمْ يَحْصُلْ شَرْعًا؛ لِأَنَّ حُصُولَهُ الشَّرْعِيَّ الْمُعْتَبَرَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِتَمَامِ الْأَجْزَاءِ كُلِّهَا.
وَأُجِيبَ أَيْضًا بِالتَّرْدِيدِ بَيْنَ مَنْعِ الْمُلَازَمَةِ عَلَى تَقْدِيرٍ وَبُطْلَانِ اللَّازِمِ عَلَى تَقْدِيرٍ آخَرَ؛ لِأَنَّكُمْ إنْ أَرَدْتُمْ تَحْصِيلَ حَاصِلٍ بِحُصُولٍ سَابِقٍ عَلَى الطَّلَبِ فَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ، وَإِنْ أَرَدْتُمْ تَحْصِيلَهُ بِحُصُولٍ مُقَارِنٍ لِلطَّلَبِ فَهُوَ غَيْرُ مُحَالٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ التَّحْصِيلَ الَّذِي حَصَلَ بِهِ الْحَاصِلُ مَازَالَ مَطْلُوبًا وَالْفَائِدَةُ وَصْفُ ذَلِكَ التَّحْصِيلِ بِالْوُجُوبِ فَعُلِمَ أَنَّهُ فِي هَذَا الْجَوَابِ أَيْضًا تَعَرَّضَ لِإِثْبَاتِ الْفَائِدَةِ الَّتِي نَفَوْهَا وَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَيَّنِ كَافٍ فِي الرَّدِّ فَسُلُوكُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ لَا يَحْتَاجُ لِطَلَبٍ مُرَجَّحٍ؛ لِأَنَّ إرَادَةَ الْفَاعِلِ مُرَجَّحَةٌ كَمَا بَيَّنَ فِي مَحَلِّهِ فَسَقَطَ مَا أَطَالَ بِهِ سم.
(قَوْلُهُ: وَقَالَ قَوْمٌ إلَخْ) مُقَابِلُ الْجُمْهُورِ.
(قَوْلُهُ: بِأَنْ يَتَعَلَّقَ) تَصْوِيرٌ لِلتَّوْجِيهِ.
(قَوْلُهُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ) إنَّمَا تَبَرَّأَ مِنْهُ لِلْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَتِهِ لِمَا يَأْتِي أَوْ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَقُولِ الْقَوْلِ.
(قَوْلُهُ: إذْ لَا قُدْرَةَ) ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ هِيَ الْعَرَضُ الْمُقَارِنُ لِلْفِعْلِ فَقَبْلُهُ لَا قُدْرَةَ؛ لِأَنَّ الْعَرَضَ عِنْدَهُمْ لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ فَلَا يَصِحُّ التَّكْلِيفُ بِهِ قَبْلَهَا وَقَالَ الْجُمْهُورُ الَّذِي يَعْتَرِضُهُ التَّكْلِيفُ هُوَ الِاسْتِطَاعَةُ بِمَعْنَى سَلَامَةِ الْأَسْبَابِ وَالْآلَاتِ لَا الْقُدْرَةِ بِمَعْنَى الْعَرَضِ الْمُقَارِنِ.
(قَوْلُهُ: وَمَا قِيلَ) اعْتِرَاضًا عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: إنَّهُ يَلْزَمُ إلَخْ) لِعَدَمِ تَوَجُّهِ الْإِلْزَامِ إلَيْهِ، وَأَيْضًا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ الْقُدْرَةُ مُقَارِنَةً لِلْفِعْلِ عَلَى مَا هُوَ رَأْيُ الشَّيْخِ الْأَشْعَرِيِّ وَمُتَابِعِيهِ يَلْزَمُ أَنَّ الْقَاعِدَ بَعْدَ دُخُولِ الْقُوتِ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِالصَّلَاةِ مَعَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهَا اتِّفَاقًا وَلِأَنَّ مَفْهُومَ الْأَمْرِ وَهُوَ الطَّلَبُ يَسْتَدْعِي تَحْصِيلَ الْمَطْلُوبِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَالتَّكْلِيفُ الَّذِي هُوَ الطَّلَبُ سَابِقٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ الْمَقْدُورِ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لُزُومُ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَاعْلَمْ أَنَّ مَبْنَى هَذَا الْخِلَافِ مَسْأَلَةٌ كَلَامِيَّةٌ وَهِيَ أَنَّ الْعَرَضَ هَلْ يَبْقَى زَمَانَيْنِ أَمْ لَا فَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ جَوَازُ اسْتِمْرَارِ تَعَلُّقِ الْقُدْرَةِ وَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي نَفَاهُ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ بَقَاءِ الْأَعْرَاضِ، وَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ سَفْسَطَةٌ احْتَاجَ إلَى الْقَوْلِ بِهِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ عِلَّةَ احْتِيَاجِ الْعَالِمِ إلَى الصَّانِعِ الْحُدُوثُ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْحُدُوثِ عَلَى هَذَا الرَّأْيِ يَلْزَمُ اسْتِغْنَاءُ الْعَالَمِ عَنْ الصَّانِعِ فَاضْطَرَّ إلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ بَقَاءِ الْأَعْرَاضِ لِتَسْتَمِرَّ الْحَاجَةُ، وَمَنْ قَالَ: إنَّهُ الْإِمْكَانُ كَمَا عَلَيْهِ الْحُكَمَاءُ وَطَائِفَةٌ مِنْ مُحَقِّقِي الْمُتَكَلِّمِينَ لَمْ يَضْطَرُّوا إلَى ذَلِكَ الْإِمْكَانِ وَصْفٌ قَائِمٌ بِهِ أَزَلًا وَأَبَدًا نَبَّهَ عَلَيْهِ السَّيِّدُ فِي حَوَاشِي شَرْحِ التَّجْرِيدِ وَالْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةٌ فِي حَوَاشِينَا الْكُبْرَى عَلَى الْمَقُولَاتِ.
(قَوْلُهُ: فَالْمَلَامُ) أَيْ فَالْعِصْيَانُ إنَّمَا هُوَ بِارْتِكَابِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَا بِمُخَالَفَةِ الْأَمْرِ، وَإِنْ حَصَلَ النَّهْيُ بِالْأَمْرِ كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ إلَخْ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبِرْمَاوِيُّ: وَهُوَ عَجِيبٌ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ النَّهْيِ عَنْ تَرْكِ الْفِعْلِ تَعَلُّقُ الْأَمْرِ بِهِ، فَمَا لَمْ