بِمَعْنَى إنْعَامٍ وَالتَّنْكِيرُ لِلتَّكْثِيرِ وَالتَّعْظِيمِ أَيْ إنْعَامَاتٌ كَثِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْهَا الْإِلْهَامُ لِتَأْلِيفِ هَذَا الْكِتَابِ وَالْإِقْدَارِ عَلَيْهِ وَعَلَى صِلَةِ نَحْمَدُ.
وَإِنَّمَا حَمِدَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQلِإِلْفِهَا الشَّيْءَ الْمُعَيَّنَ وَقَوْلُهُ مِنْ الثَّنَاءِ بِهِ أَيْ بِذَلِكَ الْبَعْضِ لِعَدَمِ تَعْيِينِهِ بِالْعِبَارَةِ وَإِنْ قُصِدَ بِهِ مُعَيَّنٌ وَقَدْ يُقَالُ الثَّنَاءُ بِهَا وَإِنْ كَانَ أَوْقَعَ مِنْ حَيْثُ التَّعْيِينُ فَالثَّنَاءُ لَهُ أَبْلَغُ لِشُمُولِهِ لَهَا وَلِغَيْرِهَا الْكَثِيرَ، وَمِنْ بَابِ أَوْلَى الثَّنَاءُ بِهِ مَعَ مُرَاعَاةِ جَمِيعِ الصِّفَاتِ قَالَ الْبَعْضُ وَقَدْ يُوجَدُ أَيْضًا اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ الثَّنَاءَ بِالْجُمْلَةِ الْفَعِيلَةِ بِقَصْدِ الْمُوَافَقَةِ بَيْنَ الْحَمْدِ وَالْمَحْمُودِ عَلَيْهِ أَيْ كَمَا أَنَّ نِعَمَهُ تَعَالَى لَا تَزَالُ تَتَجَدَّدُ وَتَتَزَايَدُ وَقْتًا بَعْدَ وَقْتٍ بِحَمْدِهِ بِمَحَامِدَ لَا تَزَالُ تَتَجَدَّدُ.
(قَوْلُهُ: بِمَعْنَى إنْعَامٍ) وَجْهُ الْحَمْلِ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ الْجَمْعِ حَمْلُ النِّعَمِ عَلَى الْمُنْعَمِ بِهِ الَّذِي هُوَ أَثَرُ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ لَا يُجْمَعُ إلَّا إذَا أُرِيدَ بِهِ الْأَنْوَاعُ؛ لِأَنَّ الْحَمْدَ إنْ أُوقِعَ فِي مُقَابَلَةِ الْأَثَرِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ إلَّا الْأَصْلَ إذْ الْمَحْمُودُ عَلَيْهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا اخْتِيَارِيًّا كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ فَالْحَمْدُ عَلَى ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ كُلِّهَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ لَهَا دَخْلًا فِي تَحَقُّقِ أَفْعَالٍ اخْتِيَارِيَّةٍ وَلَوْ بِوَجْهٍ مَا، عَلَى مَا هُوَ الشَّائِعُ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِعْلِ الِاخْتِيَارِيِّ الْمَنْسُوبُ لِلْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ سَوَاءٌ كَانَ مُخْتَارًا فِيهِ أَوْ لَا أَوْ أَنَّ الْحَمْدَ عَلَيْهَا مَجَازٌ عَنْ الْمَدْحِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْفِعْلِ الِاخْتِيَارِيِّ الْمَعْنَى الْعُرْفِيُّ فَيَشْمَلُ الْأَخْلَاقَ النَّفْسَانِيَّةَ كَالْعِلْمِ وَالْحِلْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (فَإِنْ قُلْتَ) قَوْلُ التَّفْتَازَانِيِّ فِي الْمُطَوَّلِ إنَّ الْحَمْدَ عَلَى الْإِنْعَامِ أَمْكَنُ مِنْ الْحَمْدِ عَلَى النِّعْمَةِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَحْمُودُ عَلَيْهِ فِعْلًا (فَالْجَوَابُ) أَنَّ الْأَثَرَ النَّاشِئَ عَنْ الْفِعْلِ قَدْ يُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ الْفِعْلِ وَيُحْمَلُ عَلَيْهِ لَكِنْ لَا لِذَاتِهِ بَلْ مِنْ حَيْثُ حُصُولُهُ وَصُدُورُهُ عَنْهُ وَحِينَئِذٍ فَالْمَحْمُودُ عَلَيْهِ الْفِعْلُ أَوْ مَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْفِعْلِ مِمَّا لُوحِظَ فِيهِ الْفِعْلُ فَلَا مُنَافَاةَ هَذَا الْحَمْلُ تَصْرِيحُهُ فِي حَاشِيَةِ الْكَشَّافِ بِأَنَّ الْمَحْمُودَ عَلَيْهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا اخْتِيَارِيًّا.
(قَوْلُهُ: لِلتَّكْثِيرِ وَالتَّعْظِيمِ) أَيْ لِلْأَمْرَيْنِ مَعًا فَإِنَّ التَّنْوِينَ قَدْ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ وَقَدْ يَكُونُ لَهُمَا مَعًا كَمَا هُنَا وَكَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ} [فاطر: 4] أَيْ ذَوُو عَدَدٍ كَثِيرٍ وَآيَاتٍ عِظَامٍ.
(قَوْلُهُ: أَيْ إنْعَامَاتٌ كَثِيرَةٌ عَظِيمَةٌ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ النِّعَمَ جَمْعٌ كَثْرَةٍ وَالْإِنْعَامَاتِ جَمْعُ قِلَّةٍ؛ لِأَنَّ جُمُوعَ السَّلَامَةِ لِلذُّكُورِ أَوْ الْإِنَاثِ لِلْقِلَّةِ فَكَيْفَ فَسَّرَهَا بِهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْوَصْفَ بِالْكَثْرَةِ وَالْعِظَمِ دَفَعَ إرَادَةَ الْقِلَّةِ وَصَرَفَهُ إلَى الْكَثْرَةِ.
(قَوْلُهُ: مِنْهُ الْإِلْهَامُ إلَخْ) خَصَّ هَاتَيْنِ النِّعْمَتَيْنِ بِالذِّكْرِ لِمُنَاسَبَتِهِمَا لِلْمَقَامِ.
(قَوْلُهُ: وَعَلَى صِلَةِ نَحْمَدُ) أَيْ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ وَلَا يُنَافِيهِ جَعْلُ بَعْضِهِمْ لَهَا تَعْلِيلِيَّةً وَذَكَرَهُ مَعَ كَمَالِ وُضُوحِهِ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّهُ يُحْتَمَلُ تَعَلُّقُ عَلَى بِالْحَمْدِ فِي قَوْلِهِ يُؤْذِنُ الْحَمْدُ أَوْ بِمَحْذُوفٍ فَلِهَذَا اُحْتُرِزَ عَنْهُ اهـ.
وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ جَعْلِي يُؤْذِنُ بِالْحَمْدِ إلَخْ صِفَةً لِنِعَمٍ فَلَوْ جُعِلَ الْجَارُّ مُتَعَلِّقًا بِالْحَمْدِ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْصُوفُ جُزْءًا مِنْ صِفَتِهِ وَامْتِنَاعُهُ بَدِيهِيٌّ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنْ لَا تَكُونَ الْجُمْلَةُ صِفَةً لِنِعَمٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا تَنْتَظِمُ الْجُمْلَتَانِ أَعْنِي جُمْلَةَ نَحْمَدُك اللَّهُمَّ وَجُمْلَةَ يُؤْذِنُ الْحَمْدُ