قال المدقق في الكشف أصله فإن الناس مقل ومكثر على التقسيم فزيدت بين تصويراً للإحاطة وعدم التجاوز ليصير من باب الكناية التي هي أبلغ ثم زيدت من الاتصالية مبالغة كقول الشاعر:

والناس من بين مرحوب ومحجوب

كأنهم ناشئون من البين يبتدئ تقسيمهم منه البتة فجعل ابتداؤهم منه بمنزلة ابتداء التقسيم وجاز أن تجعل من بيانية نظراً إلى إقحام بين والأوّل أبلغ اهـ فإن قلت الأقسام لا تنحصر فيما ذكر فإنّ من الناس من لا يطلب إلا الآخرة قلت ليس المقصود حصر أقسام الناس مطلقا بل لما ذكر قوله: {أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ} قسم أهل الطلب إلى مقل ومكثروهم لا يخلون عنهما ولو سلم فإنّ من لا يطلب إلا الآخرة سيذكره بقوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللهِ} [سورة البقرة، الآية: 207] فإنّ من باع نفسه لله صار كلا على مولاه، وقيل حصر المقل في طالب الدنيا لأنّ طالب الآخرة فقط بحيث لا يحتاج إلى طلب حسنة من الدنيا لا يوجد في الدنيا، وقيل: لأنّ ذلك ليس بمشروع لأنّ المرء مبتلي بآفات الدنيا فلا بد له منها، ورد بأنّ عدم المشروعية في طالب الدنيا فقط أشد، وأيضاً التقسيم بمنهم ومنهم لا يفيد الحصر وفيه نظر، وقيل: قسم الله الناس هنا إلى أربع فرق الكافرون الذين لا هتم لهم إلا الدنيا وهم

الذين ليس لهم في الاخرة من خلاق والمقتصدون الذين يقولون ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، والمنافقون الذين حلت ألسنتهم ومرّت عقائدهم وضمائرهم وهم الذين قيل فيهم {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ} [سورة البقرة، الآية: 204] الخ والسابقون البائعون أنفسهم الرابحون رضا الله وهم المرادون بقوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ} الخ والمراد بالإكثار الإكثار من ذكر الله وطلب ما عنده. قوله: (اجعل إيتاءنا الخ (إشارة إلى أنه منزل منزلة اللازم، والخلاق النصيب الذي خلق وقدر له وقوله: أو من طلب خلاق قيل: المراد حينئذ ما له في شأن الآخرة من طلب خلاق ليدفع به أنه لا طلب في الآخرة لأحد وإنما فيها الحظ أو الحرمان وقيل: إنّ كون الآخرة لا طلب فيها ممنوع فإنّ المؤمنين يطلبون زيادة الدرجات وكذا الكافرون يطلبون الخلاص لكن ما طلبوه ليس نصيبا مقدراً لهم وكون ما نقل تمثيلاظاهر إذ لا ينبغي الحصر وامرأة السوء بالإضافة ويصح فيه فتح السين وضمها. قوله: (1 شارة إلى الفريق) قذمه لأنه هو الجزل ولأن الفريق الأوّل قد بين حالهم بقوله ومالهم في الآخرة من خلاق فالمناسب تخصيص هذا بالثاني وعلى هذا ينبغي حمل قوله: {وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [سورة البقرة، الآية: 202] على أنه لا يناقشهم ليسرع وصولهم إلى الفوز بالسعادة الأبدية. قوله: (أي من جنسه وهو جزاؤه) فمن بيانية والجنسية باعتبار كونه حسنة أو ابتدائية أو تبعيضية أو تعليلية، والمراد بما كسبوه الدعاء لأنه عمل لهم والأعمال توصف بالكسب، وكني بسرعة الحساب عن القدرة التامّة لأنه يحاسب الأوّلين والآخرين في مقدار لمحة طرف وقوله: أو يوشك الخ يعني أنه أطلق ما يقع في يوم الجزاء عليه كما قيل في رحمة بمعنى في الجنة وقوله: فبادروا الخ إشارة إلى أنّ المقصود التحريض على إكثار الدعاء وطلب الآخرة وانتهاز الفرصة وهو وعيد للفريق الأوّل ووعد للثاني والله أعلم. قوله: (كبروه أدبار الصلوات وعند ذبح القرابين الخ) أدبار جمع

دبر بمعنى عقب، والقرابين جمع قربان وهو الذبيحة المتقرّب بها وقوله: في أيام التشريق قيل: ينبغي أن لا يخص بها ليشمل يوم النحر وليس بشيء قال الجصاص لا خلاف بين أهل العلم أنّ المراد بالأيام المعدودات أيام التشريق وهو مروفي عن عمر وعليئ وابن عباس رضي الله عنهم وغيرهم إلا في رواية عن ابن أبي ليلى: أنها يوم النحر ويومان بعده وقيل: إنه وهم اص. فإن قلت الأيام واحدها يوم وهو مذكر والمعدودات واحدها معدودة وهو مؤنث فكيف يقع صفة له فالظاهر معدودة وصفا للجمع بالمؤنث المفرد وهو جائز، قلت: قيل: ليس هو جمع معدودة بل جمع معدود وجمع جمع مؤنث فيما لا يعقل كما قيل: حمامات وسجلات، وقيل: إنه قدر اليوم مؤنثا باعتبار ساعاته ولك أن تقول إنّ المعنى أنها في كل سنة معدودة وفي السنين معدودات فهي جمع معدودة حقيقة فتأفل. قوله: (استعجل النفر) تعجل واستعجل يكون متعديا ومطاوعا ولازما ورجح الزمخشرفي الثاني لمقابل تأخر اللازم كما رجحه في قوله:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015