لكن ملاحظة مشابهته لما هو له أدخل فيه، وأتم فإنّ الإسناد إنما هو حق ما هو له فناسب أن يكون صرفه إلى غيره لمناسبة، ومشابهة بينهما كما اعتبره صاحب الإيضاح، وكثير من علماء المعاني فقول المصنف لتلبسها بالفاعل أو لمشابهتها إياه إشارة إلى الطريقين، وقوله من حيث إلخ بيان لمشابهة الفاعل.
(أقول) لم يوضحوا الخلاف بين الطريقين، وقد قال قدس سرّه في شرح المفتاح نقلاَ
عن عبد القاهر: إنه ليس المراد بالمشابهة بين الفاعلين المشابهة التي تبتني عليها الإشتعارة بل الجهة التي راعاها المتكلم حين أعطى أحدهما حكم الآخر، والظاهر أنها هي الملابسة بعينها، ثم إنه قال إذا أسند فعل الأمير إلى بعض خواصه لم يبعد أن يقصد هناك المبالغة في تشبيهه بالأمير حتى كأنه هو، وهذا مناف لما ذكره هنا وان أمكن التوفيق بينهما فتدبر. قوله: (من حيث أنها) أي التجارة المسند إليها الربح المنفي الذي هو هنا كناية عن الخسران فيصح إسنادهما إليها لأنها سبب لهما باعتبار وقوعهما فيها إذ لولاها لم يتحققا فعلى هذا لو كان مال التجارة مشترى به رقيق جاز إسناد الربح له مع القرينة فيصح أن يقال ربح عبدك، وخسرت جاريتك على الإسناد المجازي واحتمال كون العبد والجارية بنفسهما ربحا أو خسراً للإذن لهما في التجارة لا يضرّ مع وجود القرينة الصارفة فلا وجه لإنكاره إلأ أن يقال إنه أنكر حسنه فهو ممتنع في عرف البلغاء، والبلاغة فله وجه وجيه. قوله: الطرق التجاوة فإنّ المقصود إلخ) هذا ما في الكشاف بعينه، وقال الشارح المحقق: إنه بيان لوجه الجمع بين عدم ربح تجارتهم، وعدم اهتدائهم بالواو وترتيبها على اشتراء الضلالة بالهدى بالفاء مع أنّ عدم الإهتداء تكرار
وملائم للمستعار له على ما هو شأن التجريد لا للمستعار منه كالترشيح، والجواب أنهم لما أضاعوا رأس المال الذي هو الهدى حيث أخذوا الضلالة التي هي عدم له لا بدل منه تسد مسدّه، وتقوم مقامه فرع على ذلك عدم إتصافهم بإصابة الربح، وعدم إهتدائهم لطرق التجارة فيعود هذا أيضاً إلى الترشيح، ونحوه ما في حواشي الشريف إلا أنه قال: بعده لكن عطفه على إشتروا الضلالة بالهدى أولى كما يرشدك إليه تأملك، يعني أنّ ما ذكر يقتضي عطف ما كانوا مهتدين على قوله (ربحت تجارتهم) مع أنّ عطفه على اشتروا الضلالة أولى بل هو الصواب كما قيل لأنّ عطفه على ما ربحت يوجب ترتبه على ما قبله بالفاء فيلزمه تأخره عنه، والأمر بالعكس إلا أن يقال إنّ ترتيب قوله {وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ} باعتبار الحكم والإخبار، وهذا وجه قوله أولى فلا يرد عليه شيء كما قيل، ولو جعل قوله وما كانوا مهتدين حالا كان وجها وجيهاً، ففي هذه الجملة ثلاثة أوجه، ثم إن تصريح الشراح بأنه على هذا التفسير ترشيح ردّ على الفاضل الطيبي حيث قال إنّ المصنف يعني أنه إن لم يصلح لأن يكون ترشيحا يصلح أن يكون تجريداً لأنه يحسن أن يوصف التاجر الحقيقيّ بأنه ليس مهتديا لطرق التجارة فكما أنّ مطلوب التجار في متصرّفاتهم الربح كذلك مطلوبهم سلامة رأس المال، ولا يسلم رأس المال إلا بمعرفة طرق التجارة، ورأس مالهم الثبات على الهدى والربح حصول الفلاح في الآجل إلى آخر ما ذكره، وهو مع أنه غير صواب لأنه لا يناسب تقريرهم، فيه إن أوّل كلامه مناقض لما بعده، ولذا قيل إنه سهو منه ونبه عليه الفاضك اليمني، وإنما تركه الشارح لظهوره.
(وأقول) إنه لو كان معطوفاً على اشتروا كان الظاهر تقديمه لما في تأخيره من إيهامه عطفه على ما يليه وحيئمذ يكون الأحسن ترك العطف فيقطع احتياطاً كما ذكره أهل المعاني في نحو قوله:
، وتظن سلمى أنني أبغي بها بدلا أراها في الضلال تهيم
وما ذكروه من عدم تعقبه على الإشتراء فيه أنه لو عطف عليه، ومعناه أخلوا بالهدى الذي فطروا عليه ومعنى ما كانوا مهتدين أيضاً تضييع رأس مالهم من الفطرة السليمة، وهما متقاربان فلا وجه للعطف فيه على أنه قد يقال المعطوف بالفاء مجموعهما والخسران كما يعقب الاشتراء فكذلك جهلهم الفطري مستمرّ فيتعقب باعتبار أجزائه الأخيرة وإنما ذكر احتراسا لأنّ الخسران قد يكون لآفة نادراً لا لعدم اهتدائهم لطرقه فتدبر. قوله: (قد أضأعوا الطلبتين إلخ) هو تثنية طلبة بفتح فكسر بزنة كلمة ويجوز تسكين ثانيه بمعنى المطلوب، والاستعداد أصل معناه طلب العذة بالضمّ، وهو بمعنى التهيؤ والقابلية، ويكون بمعنى