وهو لأربابها) أي أصحابها، وهم التجار فهو من المجاز اللاغلي وأصله ربحوا في تجارتهم وأورد عليه أنّ الربح الفضل على رأس المال، وهو صفة للتجارة لا للتاجر.
(وأجيب) بأنّ هذا معناه في الأصل، ثم نقل إلى تحصيله إذ هو بذلك المعنى لا يصلح
أن يكون مصدراً لاتجر وهو المقصود بالتفسير وفيه ما لا يخفى إذ لو كان الفضل معنا. الأصلي لم يكن الإسناد مجازياً فالقاهر أن يقال إنهم تسمحوا في تفسيره بالفضل نظرا إلى حاصل المعنى المراد منه هنا وحقيقته الأفضال لا الفضل، قال الأزهريّ: ربح في تجارته إذا أفضل فيها وكذا نقله في المصباح، ثم إنّ المصنف رحمه الله جعل المسند الربح، وفي الكشاف إسناد الخسران إلى التجارة من الإسناد المجازي، وقد قيل عليه أنّ حقه أن يقول كيف أسند الربح كما ذكر. المصنف رحمه الله لأنّ النفي لا مدخل له في الإسناد فالفعل إذا أسند إلى غير فاعله لملايسة بينهما كالنوم إلى الليل كان مجازاً عقليا سواء كان الإسناد مثبتاً أو متقياً فقولك نام ليلي، وما نام ليلي كلاهما مجازان لأنّ النوم قد أسند فيهما إلى غير ما هو له إمّا بطريق الإثبات، أو بطريق النفي، ورد بأنه ليس بشيء لأنّ نسبة الفعل قد تكون ثبوتية، وقد تكون سلبية وكل واحدة منهما تعتبر في نفسها ألا ترى أنك إذا قلت ما ربحت التجارة بل التجار لم يكن هناك مجاز أصلاَ، وعلى هذا فحقه أن يقول كيف أسيند عدم الربح إلا أنه عدل عنه تنبيهاً على أنّ عدم الربح هنا كناية عن الخسران، وإن كان أعئم منه، ثم أسند وأشار بذلك إلى أنه لو اقتصر على عدم الربح كان منسوبا إلى ما هو محله فلا مجاز، نعم إذا كنى به عن الخسران وأسند إلى التجارة كان مجازاً وفائدة هذه الكناية التصريح بانتفاء مقصود التجارة مع حصول ضده بخلاف ما لو قيل فخسرت تجارتهم، وفي االحال فيما إذا قلت ما صام نهاره بمعنى أفطر وما نام ليله بمعنى سهر فإنه يكون من قبيل المجاز، وان قصد بهما نفي الصوم عن النهار والنوم عق الليل فقط كما في قولك ما صام النهار وما نام الليل لم يكن منه قطعاً، والضابط أنّ الفعل إذا نفي عن غير فاعله، وقصد مجرّد نفيه عنه كان حقيقة، وإذا أوّل ذلك النفي بفعل آخر ثابت للفاعل دونه كان مجازاً، ثم إنه قيل هنا إنّ ما ذكره قدّس سرّه من قصد مجرّد النفي إنما يصح إذا لم توجد قرينة صارفة وقد وجدت هنا فانّ قوله {اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ} إلخ، وقوله {وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ} في الدلالة على التجوّز كنار على علم، ثم إنه جعل النسبة السلبية كناية عن الخسران لقوله تمثيلاَ لخسارهم لأنّ عدم الربح وان كان أعمّ من الخسران نظراً لمفهومه فهو مساو له بحسب المادّة، فظهر أنّ المصنف رحمه الله يخالف كلامه ما في الكشاف بناء على الظاهر المتبادر منه من إرجاع ضمير إسناده إلى الربح فإن أرجع إلى الخسار المذكور في قوله تمثيلا لخسارهم وافقه لكن الأوّل هو الأولى، وأن اختار بعضهم الثاني، وفي شرح التأويلات إنّ نفي أحد الضدّين إنما يوجب إثبات الآخر إذا لم يكن بينهما واسطة، وهي موجودة هنا فان
التاجر قد لا يربح ولا يخسر، وأجاب بأته إنما يكون كذلك إذا كان المحل قابلا للكل كما في التجارة الحقيقية أمّا إذا كان لا يقبل إلاً اثنين منها فنفي أحدهما يكون إثباتاً للآخر، والربح والخسران في الدين لا واسطة بينهما، على أنه قد تامت القرينة هنا على الخسران لقوله {وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ} فتدبر. قوله: (لتلبسها بالفاعل أو لمشابهتها لىلاه) قد سبق ما في الكشاف في تحقيق الإسناد المجازي من أنّ للفعل ملابسات شتى تلابس الفاعل والمفعول به، والمصدر والزمان والمكان والسبب فإسناده إلى الفاعل حقيقة، وقد يسند إلى هذه الأشياء على طريق المجاز لمضاهاتها الفاعل في ملابسة الفعل، وقال: هنا الإسناد المجازي أن يسند الفعل إلى شيء يتليس بالذي هو في الحقيقة له كما تلبست التجارة بالمشترين فذهب بعض الشراح إلى أنّ ما هنا أعمّ مما سبق لأنه اشترط هناك مضاهاة الفاعل المجازي للفاعل الحقيقي في ملابسة الفعل، واقتصر هنا على تلبسه به مطلقا سواء كان بينهما مشابهة فيما ذكر أم لا، ومنهم من حمله على التقييد اعتماداً على ما قدمه أوّلاً، والتجارة سبب يفضي إلى كل واحد من الربح والخسران، ورجحوا إجراءه على ظاهره، فإنّ التليس بالذي هو له في الحقيقة مصحح للإسناد كما في قولهم قال الملك: كذ! ورسم كذا، وإنما القائل والراسم بعض خاصتة فمجرّد الملابسة كافية في صحته إلا أنه قيل إنها بمجرّدها وان كفت في ذلك