الاستحقاق والمراد به الاستعداد القريب من الفعل لأنّ الاستعداد الأصلي باق لا يزول بالضلالات والاعتقادات الباطلة وان منعت الوصول إلى المطلوب، ودرلث الحق بفتحتين وسكون الراء لغة اسم من أدركت الشيء
الكلام على المثل
يتوسلون به إلى درك الحق ونيل الكمال فبقوا خاسرين آيسين من الربح فاقدين للأصل {مثلهم كمثل الذي استوقد نارا} لما جاء بحقيقة حالهم عقبها بضرب المثل زيادة ني التوضيح والتقرير، فإنه أوقع في القلب وأقمع للخصم الألدّ لانه يريك المتخيل محققاً، والمعقول محسوساً ولأمر ما كثر الله في كتب الأمثال، وفشت في كلام الأنبياء، والحكماء والمثل في الأصل بمعنى النظير يقال مثل ومثل ومثيل كشبه، وشبه وشبيه، ثم قيل للقول
إذا بلغته ووصلت إليه. قوله: (لما جاء بحقيقة حالهم إلخ) أي لما ذكر صفات المنانقين عقبها بضرب المثل لزيادة إيضاحها فإنه إذ تخيل من المعاني شيء لم يصل إلى التحقيق أبرزه المثلى في معرض المحقق، وكذا إذا توهم ولم يتيقن أخرجه في صورة المتيقن، ولو غاب عن الحس صيره كالمحسوس المشاهد، وربما تكون المعاني التي يراد تفهيمها معقولة صرفة فالوهم ينازع العقل في إدراكها حتى يحجبها عن اللحوق بما في العقل فبضرب الأمثال تبرز في معرض المحسو*سات فيساعد الوهم العقل في إدراكها ولهذا تضرب الأمثال لمن يخاصم لأنّ خصومتة بسبب إنقياده للوهم وعصيان العقل، فإذا اتفقا زالت الخصومة لا محالة وأوقع أفعل تفضيل من الوقع، وهو القرار والثبات أي أشد تمكناً في القلب، وأقمع من القمع وهو الصرف والمنع أو القهر والتذليل، وفي القاموس قمعه قهره وذلله كأقمعه وفلاناً صرفه عما يريده، وأصله ضرب الرأس بالمثقل فكني به عما ذكر وصار حقيقة فيه، والألد أفعل تفضيل من اللدد وهو شدة الخصومة وفسره بعضهم هنا بالخصومة وفسر الخصم الألد بالخصم الأخصم كليل أليل وهو سهو منه، والحال الصفة والقصة والحديث وكل منها صحيح هنا وفي هذا إشارة إلى أنّ ما سبق إلى هنا المقصود منه توبيخهم وبيان حالهم وإن احتوى على استعارات وتجوّزات لأنّ المثل في محاورتهم يضرب بعد تقرير المراد، وما قيل من أنه يفهم من هذا إنّ ما ذكر هنا أوّل مثل ضرب في شأنهم، وأنّ بيان أحوالهم إلى هنا حقيقة، وليس كذلك لأنّ قوله {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ} تمثيل لحالهم بحال التاجر الذي لا يدري أمور التجارة، وكذا قوله {؟ الله يستهزىء بهم ولا محيص عنه} إلا بأن يتكلف فيقال ليس المقصود بما ذكر هنا إفادة أمر زائد على ما سبق بل القصد إلى تقريره، وتوضيحه على وجه بديع ناشىء من قلة التدبر، وعدم الفرق بين المجاز والمثل وسيأتيك عن قريب تحقيقه وقوله (ولأمر مّا إلخ) أي لأمر عظيم بليغ كثر ضمرب الأمثال، وفي الإنجيل سورة تسمى سورة الأمثال والمراد بهذا الأمر ما قرّرناه لك 0 قوله: (والمثل في الأصل بمعنى النظير إلخ) قال الراغب: أصل المثول الانتصاب، والممثل المصوّر على مثال غيره يقال مثل الشيء أي انتصب وتصوّر، ومنه الحديث: " من أحب أن
يتمثل له الناس قياماً فليتبوّأ مقعده من النار " (1) والتمثال المصوّر اهـ فأصله الأوّل ما ذكر، ثم استعمل بمعنى النظير، ويقال مثل بفتحتين ومثل بكسر فسكون ومثيل كقتيل بمعنى، وقال الميداني: سمع فعل وفعلى وفعيل بمعنى في ثلاثة أحرف شبه ومثل وبدل لا غير، وقد يكون بمعنى الصفة كما سيأتي. قوله: (ثم قيل للقول السائر إلخ) المراد بالسائر الشائع المشهور على الألسنة، وهو مجاز مشهور فيه صار كالحقيقة وحقيقته كقطع المسافة فشبه تداول الألسنة بتنقل الأمكنة، وقد أفصح عن هذا المعنى القائل في صفة تنقله في البلدان، وعدم استقراره في الأوطان:
لا استقرّبأرض! قدنزلت بها كأنني بكرمعنى سارفي مثل
والمضرب بفتح الميم وكسر الراء، ويجوز فتحها اسم مكان والمراد به الموضع الذي أستعمل فيه بعد استعمال قائله الأوّل، والمورد بالكسر لا غير الموضع الذي ورد فيه أي أوّل استعمالاته فيه وسيأتي أنّ له معنى آخر وهو المعنى الوضعي، ومعنى قول المصنف رحمه الله قيل أنه نقل من معناه الأصلي اللغويّ إلى هذا المعنى المذكور، وفي قوله هنا الممثل أي المشبه تنبيه على ما ذكره المفسرون وأهل المعاني من أنّ المثل هو المجاز المركب والاستعارة التمثيلية الشائعة في الاستعمال فلا تسمى الاستعارة المركبة أو مطلقاً ولا التشبيه مطلقا ولا معنى اللفظ الأصلي الحقيقي مثلا عندهم على ما قزره شراح التلخيص، والمفتاح وكافة أهل المعاني واتفقت كلمة الشروح هنا عليه أيضاً وهذا إذا سلم وأخذ على ظاهره لا غبار فيه، وان قيل على تفسير المورد بالحالة الأصلية التي ورد فيها الكلام إنه على هذا يكون في الكلام مجاز على مجاز وتشبيهان، مثلاَ الصيف ضيعت اللبن أصله أنّ امرأة شابة كانت تحت شيخ ذي مال قال لها ذلك لما تزوجت بشاب، وأتت تطلب