الحملية والمتصلة والمنفصلة على ما ذكرتم يرفع فيها الحمل والإتصال والانفصال فلا تكون حملية أو متصلة أو منفصلة لأنها لم يثبت فيها الحمل والاتصال والانفصال لأنا نقول ليس إجراء هذه الأسامي عليها بحسب مفهوم اللغة بل بحسب الاصطلاح.
(أقول) كذا قرّروه هنا من غير نكير وهو عندي في غاية الخفاء والإشكال فإنهم اتفقوا
على أنّ الحكم إسناد أمر إلى آخر إيجاباً أو سلبا فإذا كان في السوالب حكم بالاتفاق وإلا لم يكن خبراً محتملا للصدق والكذب وهو بديهيّ البطلان والحكم أيضاً مستلزم للحمل أو الاتصال " أو الانفصال بديهة فقولهم اجس فيها شيء من ذلك مناقض لهذا فلا بدّ من التوفيق بينهما ولا يكون ذلك إلا بتسلييم إسناد النفي له أو عنده وهذا غير مستلزم لما توهموه من عدم الفرق بين المعدولة والسالبة فإن المعدولة فيها النفي جزء من أحد الطرفين أو منهما وهذا نفي للنسبة الحكمية مع قطع النظر عنهما والفرق بينهما ظاهر وإنما بسطت الكلام في هذا المقام لأني لم أر له تفصيلاَ شافياً للصدور فعليك بالتأمّل الصادق فإنه المخلص لك من مثل هذه المضايق ثم إنهم قالوا إنّ عدم الربح جعل كناية عن الخسران لأنه وإن كان أعم منه إلا أنّ التجارة تستلزم غالبا عملا واتلافاً فإن لم يربح لم يخل من الخسران لأنّ المال غاد ورائح معد لآفة النقصان فإن قلت إن كان رأس مالهم الهداية وقد استبدلوها بالضلالة فقد فقد رأس المال فضلاَ عن الخسران قلت هذا بناء على أنهم عدوا ما نالوه في الدنيا عوضاً عنه أو أنه اكتفي في توبيخهم بالخسران فكيف ما هم عليه من عدم رأس المال ولله در القائل:
إذا كان رأس المال عمرك فاحترس عليه من الإنفاق في غير وأجب
فوله:
ولما رأيت النسر عز ابن دأية وعشش في وكريه جاش له صدري)
النسر طائر معروف وأقواه الأبيض ولذا شبه به الشيب وإن كان الأحسن الأشهر تشبيهه
باليوم كقوله:
أيا بومة قد عششت فوق رأسه
وابن دأية الغراب وهو علم جن! له ممنوع من الصرف وإنما صرفه الشاعر هنا للضرورة
وقد استعير ههنا للأسود من الشعر الذي في سن الشباب وسمي الغراب ابن دأية لأنه يقع على دأية البعير الدبر والدأية اسم لموضمع الرحل والقتب من ظهره فينقرها فنسب إليها لكثرة ما يرى عليها أو هي الفقار وهي تغذوه كما تغذو الأمّ وقيل سمي به لأن أنثاه إذا طارت عن بيضها حضنها الذكر فيكون كالداية للأنثى والعرب تقول إذا أرادت تكذيب أحد تعريضا غراب ابن دأية وحديث ابن دأية وحدّثه بذلك ابن دأية كما في كتاب المرصع فيجوز أن يراد هنا أيضا أنّ الصبا لسرعة زواله كاضغاث الأحلام وخرافات اكاذيب والأوهام وهو حسن ورشح إحدى الاستعارتين بالأخرى كما رشح بالتعشيش وهو أخذ العش أو اتخاذه وهو الوكر أو بينهما فرق فإنّ الأوّد ما كان من العيدان والثاني ما كان في الجدران ونحوها أو الثاني ما يعد لحفظ البيض والفراخ والتعشيش كناية عن حلوله فيه وعز بمعنى غلب وقهر ومنه العزة لأنّ العزيز من شأنه ذلك وجاس من جاشت القدر إذا غلت وهو هنا كناية أو مجاز عن ارتفاع الأنفاس والاضطراب والترشيح في البيت كالآية ليس من الترشيح المشهور كما أشرنا إليه قبل والنسر يصيد الغراب ويقتنصه كثيرا ووكراه جانبا رأسه أو رأسه ولحيته وقيل طرفا لحيته وزعم بعضهم أنّ الغراب له وكران صيفيّ وشتويّ ولو قيل إنه وصف الكهولة واختلاط الشعر الأبيض بالأسود واحاطته بجانبيه لم يبعد وقوله جاش له صدري خارج عن الاستعارة ولو قال بدله طار له صبري كان أحسن كما قلت:
وافى لوكر غرابه سحرا يوما فطارالصبرمن صدري
قوله: (طلب الريح بالبيع والشراء إلخ) فيه تسامح لأنّ التجارة كما قال الراغب التصرّف
في رأس المال طلبا للربح وفي المصباح ولا يكاد يوجد تاء بعدها جسيم الانتج وتجر والرتج وهو الباب وأرتج في منطقه وأمّا تجاه وتجيب وتجوب فأصلها الواو فلا ترد نقضاً والفضل معناه الزيادة كالشف بالفتح والكسر إلأ أنّ هذا يكون بمعنى النقصان ولذا عده بعض اللغويين من الأضداد ويقال أشف بعض أولاده على بعض إذا زاد عليه ورأس المال بمعنى أصله استعارة
صار فيه حقيقة عرفية. قوله: (وإسناده إلى التجارة