المعاني لما يلائم المعنى المجازي غير القرينة المعينة، والظاهر أخذه من الأخير لما فيه من تقوية المعنى المجازي وتربيته وتحقيق معناه في إصطلاحهم إنه لفظ يذكر مع المجاز يناسب معناه المراد منه ظاهر المعنى المجازي سواء تقدّم أو تاخر، وسواء كان مستعملا في معناه الحقيقي أم لا وسواء كان المجاز استعارة
كرأيت في الحمام أسدا ذا لبد أو مجازاً مرسلا نحو له في الكرم يد طولى، وقد يصحب التشبيه، والتجريد يد على كلام فيه مفصل في الرسالة الليثية وشرحها ومن أراده فليرجع إلى كتب المعاني.
(وأعلم) أنّ المدقق قال في الكشف هنا أنّ التعقيب بالملائم قد يكون تبعاً لاستعارة
الأصل لأوجه له غير ذلك، كما في قولك رأيت أسدا وافي البراثن عظيم اللبدتين لا يقصد بذلك إلا زيادة تصوير الشجاع بأنه أسد كامل، وهو حقيقة لا يذهب به إلى شيء كالبراثن واللبدة، وقد يكون مستقلا مع الملاءمة كما في قوله: ولما رأيت النسر إلخ وكما في هذه الآية وهذا القسم أعجبها لتقاطر ماء الفصاحة منه وترشحها، وقد يكون بين بين بأن يكون مجازاً مبنيا على الأول ولا يحسن بدونه كقوله:
وما أمّ الردين وإن أدلت بعالمة بأخلاق الكرام
إذا الشيطان قصع في قفاها تنفقنماه بالحبل التوام
فإنّ تقصيع الشيطان تمثيل على سبيل الاستعارة لإساءة الخلق وما يتبعها من تغير الهيثة والخلقة، والتنفق مثل للاجتهاد في إزالة غضبها لكن لولا استعارة التقصع من القاصعاء، أو لا لم يصح استعارة التنفق من النافقاء، والحبل التوأم من تتمة التنفق وفيه لطف آخر فليكن هذا أصلا محفوظا عندك فلقد اشتبه على كثير من الكبراء، اهـ. وحاصله أنّ الترشيح ثلاثة أقسام ما المراد به حقيقتة، ولم يذكر إلأ لأجل الترشح وما هو استعارة في نفسه حسنة مع أنه ترشيح وما هو استعارة تابع لاستعارة أخرى لولاها لم يحسن، وخير الأمور أوسطها وهو كلام حس. قوله: (لما استعمل الاشتراء في معاملتهم إلخ) يعني أنه تجوّز بالإشتراء كما مرّ وعبر بالمعاملة ليشمل الوجوه السابقة مع ما في لفظ المعاملة بمعناها العرفي المعروف من مناسبة البيع والشراء وفيه لطف ظاهر، ويثاكله بمعنى يثابهه ويناسبه وتمثيلا تصويراً وهو تمييز أو مفعول لأجله والخسار بفتح الخاء الخسران الفعروف حقيقته ومجازه أي المقصود الأصلي من الترشيح في الآية تصوير ما فاتهم من نفع الهدى بصورة خسار التجار حتى كأنه هو بعينه مبالغة في تخسيرهم في هذأ الإستبدال، ووقوعهم في أشنع الخسار الذي يتحاشى عنه أولو الأبصار لا تصوير ألاستبدال بصورة التجارة فإنه وسيلة إلى ذلك المقصود، وفي قوله تمثيلا إشارة إلى أنه استعارة مرشحة للاستعارة الأخرى وليس من الترشيح الصرف المتبادر منه عند الإطلاق، وفي لفظ الخسار إشارة إلى أنّ عدم الربح عبارة عن الخسران وان كان أعم والمسند إلى التجارة عدم الربح لا الربح، ثم أدخل عليه النفي فإنه ليس من المجاز في شيء، وتحقيقه ما ذكره المحقق في بحث الرؤية من شرح المقاصد أنّ الكلام المشتمل على نفي وقيد قد يكون لنفي
التقييد، وقد يكون لتقييد النفي فما ضربته تأديباً بل إساءة سلب للتعليل، والعمل للفعل وما ضربته إكراماً له أي تركت ضربه تعليل للسلب، والعمل للنفي وعلى هذا الأصل يتبنى أنّ النكرة في سياق النفي إنما تعم إذا تعلقت بالفعل لا بالنفي، وأنّ إسناد الفعل المنفي إلى غير الفاعل والمفعول يكون حقيقة إذا قصد نفي الإسناد مثل ما نام الليل بل صاحبه ومجازا إذا قصد إسناد المنفيّ مثل ما نام ليلي بمعنى سهرت وما ربحت تجارته بمعنى خسرته، وهذا يجري في المجاز العقلي واللغوي ويجري في غير النفي كالنهي والشرط، والأمر كما فصله وما قيل عليه من أنّ حقيقة الإسناد إسناد الشيء إلى ما هو له فلا يكون نفي الإسناد حقيقة ليس بوارد لما سيأتي وبينهما فرق مقرّر.
(فإن قيل) إسناد النفي لازم لنفي الإسناد وهو المراد فتتحقق الحقيقة إذ المجاز إسناد
النفي الذي بمعنى الإثبات كإسناد نفي الربح بمعنى إسناد الخسران.
(قبل الا فرق حينئذ بين السالبة والمعدولة عندهم إلى آخر ما ذكره هنا، وهذا مما يتراءى بحسب جليل النظر بناء على أنّ السالبة لا حكم فيها أصلا كما صزح به في كتب الميزان قال القطب: في مبحث القضايا من شرح الشمسية لا يقال السوالب