فيه التحصيل بل مجرّد الطمع، وهذا إطلاق على إطلاق والمتبادر منه أنه مجاز على مجاز والتوسع مناسب له وهم قد يستعملونه لمطلق التجوّز، وقد يراد به ما هو قريب من الحقيقة كالتفسح والتمسح، وما قيل من إنه يقال لما لم تقم عليه قرينة ليس بشيء والقرينة هنا معمولاه. قوله: (والمعنى أنهم أخلوا بالهدى إلخ) هذا تحقيق لمعنى النظم بعد بيان معنى الإشتراء على وجه يعلم منه ما في الكشاف حيث قال: فإن قلت كيف (اشنروا الضلالة بالهدى) وما كانوا على هدى قلت جعلوا لتمكنهم منه واعرضه لهم كأنه في أيديهم فإذا تركوه إلى الضلالة فقد عطلوها واستبدلوها به، ولأنّ

الدين القبم هو فطرة الله التي فطر الناس عليها فكل من ضل فهو مستبدل خلاف الفطرة والضلالة الجور عن القصد، وفقد الاهتداء يقال ضل منزله وضل دريص نفقه فأستعير للذهاب عن الصواب في الدين، وقال قدّس سرّه:

الجواب الأوّل أنهم لما كانو! متمكنين منه تمكناً تاما بعد التكليف به، وتيسير أسبابه أستعير ثبوته لهم لتمكنهم منه فإنّ العبارة تدلّ على ثبوت الهدى لهم والمراد تمكنهم، وأمّا الحمل على جعل الهدى مجازا عن تمكنه فمما يأباه ظاهر كلامه.

والجواب الثافي أنّ المراد بالهدى هو الهدى الذي جبلوا عليه، وقد كانوا على هذا الهدى

بلا شبهة، ثم استبدلوا به الضلالة فلا مجاز في ثبوت الهدى لهم بل في لفظ الهدى إن لم تكن الفطرة مندرجة في حقيقته، وهو ردّ على قول الشارح المحقق جعل تمكنهم من الهدى بعد التكليف به بمنزلة تملكهم إياه فيكون التجوز في نفس الهدى حيث أريد به التمكن منه، أو في نسبته إليهم حيث استعير ثبوته لهم لتمكنهم منه وإذا أريد الهدى الذي جبلوا عليه فلا مجاز أصلا أو هو في الهدى فقط إن كان، وقد قيل عليه إنّ أوّل كلامه يشعر بأنّ الإسناد مجازي، وآخره بأنّ التجوّز لغوي وكلاهما غير ظاهر وصحة الكلام مقتضية لإسناد الضلالة والهدى إليه. (أقول) لله در الفاضل المحقق فيما أبداه فإنّ العلامة لما قرّر التجوّز في الإشتراء، وأنه بمعنى الاختيار والاستبدال فورد عليه أنّ استبدال الشيء بشيء يقتضي أن يدخل كل منهما تحت حيازة تصرفه، وهم لم يجوّزوا الهداية في الواقع كما ينادي عليه قوله، وما كانوا مهتدين أجاب عنه بوجهين إمّا جعل التمكن من الشيء بمنزلة حصوله، أو يراد بالهدى الهدى الجبليّ فإنّ كل مولود يولد على الفطرة فأشار المحقق رحمه الله إلى أنه إذا نزل التمكن منزلة التملك يجوز، أن يقال إنّ ما بالقوّة جعل كأنه بالفعل فالتجوّز في الهدى كما يسمى العصير مسكرا، أو في النسبة أي نسبة الفعل إلى مفعوله لأنّ معناه بدّلوا الهدى أي بدلوا تمكنه لهم فتركوه، والتجوّز في الإسناد بناء على الظاهر من لفظ الإشترإء وهو لا ينافي التجوّز اللغوي في الظرف كما مرّ، ول! في التجوّز في النسبة من الخفاء أخره، وقوله إنه إذا أريد ما جبلوا عليه فلا مجاز يعني به أنّ إطلاق الهداية على ما في الجبلة، وهو أمر معنوي غير محسوس يكفي في تحقق حقيقة ثبوته في نفس الأمرظهر أم لا كما سيأتي بيانه، وإن قيل إنه لا بد في تحققه من قيامه بهم بالفعل إذ لا يسمى ال! لم قبل وجوده في الذهن مثلا علما، والهدى ليس كذلك فهو مجاز، وهو الظاهر فإنكاره قدس سرّه التجوّز فيه، وادّعاء أنّ كلام الكشاف يأباه لا يسلم بسلامة الأمير، ثم إنه على التجوّز الظاهر أنه من قبيل ضيق فم الركية وبما قرّرناه لك ظهر اندفاع ما أورده عليه من إضطراب كلامه كما سمعته آنفاً، وأمّ كلام المصنف رحمه الله فتقريره إنه لما جعله مجازاً في المرتبة الثانية عن الرغبة عن الشيء بتركه طمعاً في تحصيل غيره، وهم

قد رغبوا عن الهدى طمعاً في علو أمرهم، ونفاق نفاقهم واختاروه فاشتروا مجاز، وحاصل معناه مع متعلقاته ما ذكره المصنف أي تركوا الهداية مائلين عنها إلى الضلالة، والغواية وجعل الوجهين وجهاً واحدا لأنّ الهدى المركوز في الجبلة، والفطرة إن لم يكن هدى حقيقياً يرجع إلى الهدى المتمكن منه فما قيل من إنّ ملخص كلام المصنف رحمه الله أنّ المراد بالهدى الهدى الذي جبلوا عليه لا الخارج إلى الفعل إمّا أنّ ذلك هدى حقيقة، أو مجازاً ففيه توقف من الفحول، وقوله واختاروا الضلالة إشارة إلى جواب آخر، وهو أنّ الإشتراء ليس عبارة عن الاسنبدال بل عن الإستحباب والأوّل مبنيّ على حمل الإشتراء على مقتضى الإتساع الأوّل، والثاني على حمله على مقتضى الإتساع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015