الإشارة. قوله: (أخذت بالجمة رأساً أزعرا إلخ) في شرح الفاضل المحقق الجمة أي بضم الجيم وتشديد الميم مجتمع شعر الرأس، والأزعر افعل من الزعر بزاي معجمة، وعين وراء مهملتين الأصلع، وفي الصحاح الدردر بضمتين مغارز أسنان الصبي، وقيل إنّ المراد هنا الأسنان الساقطة الباقية الأصول من الدرد بالفتح تحات الأسنان إلى الأسناخ أي انهيارها وإنفتاتها إلى الأصول، والعمر عطف بيان للطويل وفي حواشي شيخ الإسلام الحفيد الظاهر أن يقال مغرز لأنّ الدردر واحد جمعه الدرادر على ما في الصحاح ألا ترى أنّ الفاضل اليمني قال الدردر: قيل هو جمع الدردإر فكتب قدس سرّه في الحاشية الصواب هو واحد الدرادر اهـ.

(أقول) الباء في قوله بالجمة إلخ باء البدلية أي استبدلت بالشعر التام الكثير شعر رأس

أصلع وبالثنايا الحسنة الواضحة ثنايا مكسورة أو ساقطة، وبالعمر الطويل عمراً قصيرا وهو كناية -عمن يبدل شبابه بمشيبه، وهذا استبدال لأمر سنيّ حسن بأمر حقير قبيح كاستبدال الرجل المسلم إذا ارتد إسلامه بكفره، وهذه الأبيات لأبي النجم الشاعر المذكور من أرجوزة له رائية والمراد بالمسلم المتنصر جبلة بن الأيهم الغساني، وكان وفد على عمر رضي الله عنه وأسلم وهو ملك فكتب عمر رضي الله عنه إلى أجناد الثام أي نواج لها إنّ جبلة ورد إليّ في سراة قومه وأصبلم فأكرته، ثم سار إلى مكة فطاف فوطيء إزارة رجل من بني فزارة فلطمه جبلة لطمة هشم بها أنفه وكسر ثناياه فشكاه إلى عمر رضي الله عنه فقال له: إمّا العفو وامّا القصاص فقال أتقتص مني وأنا ملك وهو سوقة فقال له قد سوّى بينكما الإسلام فسأله التأخير إلى الغد فأمهله فلما أتى الليل هرب مع قومه إلى الشام، وارتد وكان كما يقال ندم بعد ذلك وقال شعر ابن أمية:

فيا ليت أمي لم تلدني وليتني صبرت على القول الذي قالى عمر

والجيذر كضيغم بجيم وياء مثناة تحتية يليها ذال معجمة أو مهملة، ثم راء مهملة.

وفي القاموس مجذر كمعظم القصير الغليظ الشثن الأطراف كالجيذر أو هذه بالمهملة ووهم الجوهريّ يعني في إعجامه كما في الذيل والصلة من أنه جتذرا وجتدر بمثناة فوقية أو مهملة، وفي حواشي الصحاج لابن بري قال أبو سهل: الهروي الإعجام تصحيف، والصواب

الجيدر بدال مهملة هذا ما رأيته في كتب اللغة بعد كثرة مراجعة الدفاتر من غير اختلاف في المثناة التحتية ثانية وإنما الخلاف في الإعجام والإهمال، وفي حواشي القاضي للجلال السيوطي الجبذر بالجيم والموحدة والذال المعجمة القصير ولولا حسن الظن به قلت إنه تصحف عليه فإنه مما لم يقله أحد من أهل اللغة، وتعريف المسلم كما اتفق عليه الشراح للعهد، ثم إنّ اكتراض الفاضل المذكور على تفسير الجوهريّ الدردر بالمغارز وأنّ صوايه الإفراد لا وجه له فإنه وان كان مفرداً يستعمل بمعنى الجمع كما في البيت المذكور، ومثله كثير في أسماء الأبخناس، ثم إنهم ردّوا على ما ذكره الفاضل اليمني، ولا يرد ما أوردوه عليه أيضاً لأنه ناقل له وهو ثقة ولا مانع من كون الدردار كسلسال مفردا والدردر اسم جمع له، وأيضا قوله إنّ العمر عطف بيان خلاف الظاهر إذ المتبادر أنه مضاف ومضاف إليه كزيد الطويل النجاد، وفي الشعر لطيفة أدبية لم ينبهوا عليها وهي أنه إذا كان المراد بالمسلم جبلة، وسبب ردّته لطمه للبدوي لطمة أسقعمت أسنانه ففيه مناسبة لقوله:

وبالثنايا الواضحات الدردرا

وما ذكروا أن أمل ما فيه من الإسهاب، فهو مغتفر بما أهداه من لطائف الآداب، والحمد

لله الهادي لصواب الصواب، وقوله إذا تنصر أي ارتد ودخل في دين النصارى بدل من المسلم كقوله {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ} [مريم: 16] .

قال ابن الصائغ شبه حال صباه بالإسلام وحال شيخوختة بالكفر ومما يضاهيه قوله:

أورد قلبي الرد لام عذا ربدا

أسود كالفكر في مثل بياض الهدى

قوله: (ثم اتسع فيه إلخ) يعني أنّ أصله في عرف اللغة وحقيقته كان استبدال الأعيان بالأعيان، ثم استعمل مجازا لما يعم العين والمعنى، ثم توسعوا فيه فأرادوا به مطلق الرغبة عن شيء سواء كان عيناً أو لا في يده أو لا طمعاً في غيره سواء حصل ذلك الغير أو لا وضمير فيه للإشتراء المفهوم من السياق، وهذا أعمّ مما قبله إذ لا يعتبر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015