الميزاب، فإنّ الإضافة لا تدل على الكسب ولا على عدمه، ألا ترى أنك تقول عبد زيد وبلدة فإنّ موضوعها إنما هو الاختصاص التام بايّ طريق كان فالظاهر أن يقال أنه للإشارة إلى أنّ طغيان غيرهم في جنبهم كلا شيء لادّعاء اختصاصهم به، وهذا أنسب بطريق البلاغة، ومصداق الشيء ما يصدقه أي يحققه ويدلّ على إنه أمر واقع وهو بكسر الميم صيغة مبالغة كما يقال فلان منحار ومطعام، وقد يكون مصدراً واسم مكان وزمان كميعاد وميقات، وليس هذا بشيء فإنّ تعريف اللام والإضافة متقاربان وهو تفنن وسيأتي تفسير هذه الآية في سورة الأعرإف. قوله: (أو كان أصله يمد لهم إلخ) عطف على لما منعهم إلخ، وقيل أنه عطف على قوله من مدّ الجيش، ولا يخفى بعده وهو قول الجبائي من المعتزلة، وهو أحد التأويلات لما تعذر عنده إبقاؤه على ظاهره كما مرّ، وإليه ذهب الزجاج وتبعه البغوي، وغيره من المفسرين ورجح كونه بمعنى الإمهال لأنه في حد ذاته إحسان وخير وهو تعالى لا يمدّهم في الشرّ وقد مرّ ما فيه وإنّ الحذف والإيصال خلاف لأصل وإنّ كونه لا يتعدّى إلا بالحرف غير مسلم عند أهل اللغة فتذكره هـ قوله: (كي يتنبهوا ويطيعوا إلخ) هذا أيضاً من تتمة التأويل، وكلام المعتزلة فإنّ المدّ في العمر فعل الله
تعالى حقيقة، وهو عندهم معلل بالإغراض! ، وجار على الوجه الأصلح الواجب عليه ليجري على وفق مصالح العباد فإمهالهم ليس للازدياد في المعاصي القبيحة حتى لا يسند إلى الله، وهذا وما بعده بناء على أنّ في طغيانهم ليس لغواً متعلقا بيمدّهم بل حال من ضميره أو متعلق بيعمهون مقدم عليه والجملة حالية، والمعنى أنه يمهلهم لينتبهوا وهم يزدادون طغيانا وعمى أو بمدهم من المدد أي يمدهم بالمال والبنين لأجل أن يصلحوا والحال أنهم بخلافه، وقد قيل على قوله كي ينتبهوا إلخ أنه لا يدل عليه اللفظ ولا السياق بل يدل على خلافه لأنّ قوله يمدهم معطوف على قوله يستهزىء بهم كالبيان له على أنّ الإمهال يكون للتنبيه والاسندراج والسياق يؤيد هذأ دون ذاك، والله تعالى عالم بعواقب أمورهم وأنهم لا ينتبهون فكيف يقصد خلاف ما يعلمه فإن أراد الاعتراض على المصنف فليس بوارد عليه لأنه ناقل لما قاله المعتزلة وان أراد بيان ما في نفس الأمر فلا ضير فيه، وقوله فيما ازدادوا إلخ الحصر مستفاد من المقام لا من حاق النظم. قوله: (أو التقدير يمدّهم إلخ) هذا جواب رابع للمعتزلة على أن يمدهم من المدد بإرشادهم للأدلة العقلية والنقلية، وافاضة ما يحتاجون إليه ليصلح حالهم واستصلاحا مبنيّ على مذهبهم في التعيل بالإغراض، والإستصلاح إرادة الصلاح، وقد قيل عليه إنه يلزم تخلف مراده تعالى، وهو مذهب المعتزلة وأمّا عندنا فمحال والكلام في تقرير مذهبهم فلا يضرنا، وأمّا أنه وارد على قوله تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [صورة الذاريات: 56] إلا أن يراد البعض منهم، وهم السعداء فهو ساقط ولك أن تفسر الإستصلاح بطلب الصلاح، والطلب غير الإرادة عندنا، وأمّا الآية فلا يرد عليها شيء كما توهم لأنّ ما خلق له الجن! غير ما أريد منهم وسيأتي تفسيرها في محلها فلا حاجة لتلقي الركبان وقوله وهم مع ذلك إلخ قيل إنه إشارة إلى أنّ يعمهون خبر مبتدأ محذوف، وفي طغيانهم متعلق به أو بيمدهم والظاهر أنه بيان لحاصل المعنى من غير تقدير فيه، ويعمهون حال من منصوب يمدهم أو من مجرور طغيانهم أو هما حالان من ضمير يمدهم وان منعه بعضهم وقيل إنه إشارة إلى تقدير مبتدأ، وأنّ الجملة مستأنفة لبيان عدم انتفاعهم بما أمدهم الله تعالى به. قوله: (والطيغان إلخ) المصدر يكون مضموماً كشكران ومكسوراً كحرمان، وقد سمعا في مصدر اللقاء كما أشار إليه المصنف، وقال الراغب: الفرق بين الطغيان والعدوان أنّ العدوان تجاوز المقدار المأمور بالانتهاء إليه، والوقوف عنده، والطغيان تجاوز المكان الذي وقفت فيه، ومن أخل بما عين من المواقف الشرعية والمعارف العقلية فلم يرعها فيما يتعاطاه فقد طغى ومنه طغى الماء أي تجاوز الحد المعروف فيه قيل، وابغي طلب تجاوز قدر الاستحقاق تجاوزه أو لم يتجاوزه وأصله الطلب ويستعمل في التكبر لأنّ المتكبر طالب منزلة ليست له، وقوله عن مكانه عدى التجاوز
بعن، وقد وقع مثله في كلامهم كما في عبارة الرضي والزمخشريّ السكاكيّ وقد اعترض! عليه السيد في حواشي الرضي فقال: جاوزت الشيء وتجاوزته بمعنى، وتجاوز عنه بمعنى عفا يعني أنّ المتعدي بعن، إنما هو بمعنى العفو والمغفرة