وقد أجيب عن هذا بأنّ منع الألطاف سبب الكفر، والإصرار عليه، ثم بعد ذلك يكون

الكفر المستمرّ مانعاً لألطاف أخر فلا دور فيه والمراد بكونه فعل الشيطان إنه حدث من العبد بوسوسته فهو مجاز في الإسناد والأول صحيح، وأمّا الثاني فغير صحيح كما لا يخفى، وقد صرح الشراح بخلافه.

(الثاني) أنه أورد على الأوّل، وكونه مجازا في المسند والإسناد إنه إن كان المدد وإعطاؤه مختصا بالأجسام كما يتبدر من كلام الأساس لا يصح إنه لا تجوّز في الوجه الأخير إلا في الإسناد، لأنّ الشيطان لا يعطي المنافقين حبة يتقوى، ويتكثر بها طغيانهم إذ ليس منه إلا الوسواس وان كان أعمّ يتناول الذوات والصفات كالرين، والظلم لا يكون في المسند تجوز أصلاَ، وأجيب عنه بإختيار الشق الثاني لكنه وإن عئم مخصوص بالمحسوس.

(الثالث) إنه على إرادة تمكين الشيطان قيل إنّ الإسناد إلى الشيطان أيضا مجازي، لأنّ

أصل الطغيان وزيادته من فعل الكفرة عندهم إلا أنه لما صدر منهم بإغواء الشيطان أسند إليه لكونه موجدا لسببه إذ لا قدرة له على غير الوسوسة كما مرّ لكن لما حصل ذلك بإغواء الشيطان، وكان إغواؤه بإقدار الله له عليه، وتمكينه منه فالله سبب بعيد، ولذا أسند إليه لأنه مسبب له بصيغة اسم الفاعل، ولا يخفى ما فيه من الخبط والخلل، وكيف يتوهم إسناده مجازا إلى الشيطان هنا، وهو مسند في النظم إلى الله تعالى فالظاهر أنّ المد تجوّز به عن تزيين الشيطان واغوائه لأنه سبب للزيادة إلا أنه لما شاع ذلك وكثر منه صار كأنه موجد له حقيقة، واسناده إلى الله تعالى مجازي أيضاً فهو كالأوّل في التجوز في المسند، والإسناد إلا أنه يغايره لمغايرة المتجوّز به فيهما، ثم أنّ المصنف رحمه الله خالف الزمخشريّ فطوى التجوّز بالمد في الطغيان عن ترك القسر والإلجاء الذي هو فعل الله وإسناده إليه حقيقة، وإن كان المسند مجازا لقربه من الأوّل لأن منع الألطاف وترك القسر كشيء واحد، ثم إنّ الظاهر أنه اختار أنه مجاز عن منع الألطاف، في الأوّل لا عما تزايد من الرين، ولذا ترك قول الزمخشريّ فسمي ذلك التزايد مددا فهو عنده مجاز في الطرف فقط، وأسناده حقيقيّ عنده فعدل عما في الكشاف لما فيه من تطويل المسافة وزيادة التجوّز، وهذا مما لم يتنبه له شراح هذا الكتاب، وهو من منح الكريم الوهاب، ثم إنّ السمرقندي رحمه الله قال في تفسيره هنا مدهم في الطغيان بمعنى خلق فعل الطغيان لأنّ المدّ متى أضيف إلى الأعيان يراد به الطول والعرض! للعين، والجسم وأن أضيف إلى الفعل يراد به الامتداد، وهو تجذد الفعل بتجدد الزمان، وهذا معنى قول الفقهاء أنّ للفعل الممتد حكم الابتداء نحو السكون والركوب ونحوهما، اهـ. فقد عرفت منه أنه لا يختص بالمحسوس صفة كان أو ذاتا وأنه يختلف باختلاف ما يضاف إليه، ومنه علم ما في

كلام بعض الشراح الذي سمعته آنفا. قوله: (وأضاف الطفيان إلخ) هذا وما بعده كله من كلام المعتزلة، وتأ! د أوهامهم الفارغة.

وقال قدس سرّه- لم ئيردّ الزمخشريّ-: إنّ هذه الإضافة تدل وضعاً على أنّ الطغيالط بإيجاد العبد لا بإيجاده تعالى حتى يرد عليه أنّ الأمور المخلوقة له تعالى إذا قامت بالعباد كالبياض تضاف إليهم إضافة حقيقية لا مجازية لأدنى ملابسة كما توهم فلا دلالة للإضافة على إيجاد العباد لها بل أراد أنّ الطغيان من الأفعال التي اكتسبوها باختيارهم استقلالاً، ولا تعلق لها به تعالى فحقه أن يضاف إليهم لا إله إشعارا بهذا الاختصاص لا بالاختصاص باعتار المحلية والاتصاف فإنه معلوم لا حاجة فيه إلى الإضافة، ولولا قصد هذا عريت عن الفائدة، ومثله معتبر في الخطابيات عند البلغاء، وردّ بأنّ هذه الخطابيات لا تعارض البراهين القاطعة بأنه لا خالق سواه وأنه لا يقع إلا ما أراده، وقيل عليه: إنّ الزمخشرقي عنى أنّ إثبات اللغو في كلام الله تعالى وترك اعتبار الدلالات الخطابية المعتبرة عند البلغاء مما لا يليق بمقام الإعجاز، وإن بنى عليه تأييد مذهبه وردّ مذهب أهل السئة لئلا يلزم هذان الأمران المنافيان لأسلوب الحكيم فلا يكفي في دفعه أنّ الدلالات الخطابية لا تعتبر مع الدليل القاطع الذي ذكره، فالجواب أنّ فائدة الإضافة الإشارة إلى أنّ نسبة الطغيان إلى العباد ليست بمجرّد المحلية بل باعتبار كسبهم إياه، وإن كان بخلق الله تعالى وارادته، وأيضاً يجوز أن تكون الإضافة للعهد على أنّ المراد بطغيانهم الطغيان الكاملى، ولا يخفى أنه فرّ من السحاب، ووقف تحت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015