فهذه العبارة وأمثالها مخالفة لكلام العرب، وكأنه ضمن التجاوز معنى التباعد واليه ذهب كثير من الفضلاء، وقد وقع مثله في شعر من يوثق به ويجعل ما يقوله بمنزلة ما يرويه كقول أبي تمام في بعض قصائده:

فلا ملك فرد المواهب واللها تجاوز لي عنه ولا رشأدفرد

وقد تعرّض له الإمام التبريزي في شرحه، ولم ينتقده عليه وهو من أئمة اللغة وهذا مما

لم يقف عليه المعترضون كما بيناه في حواشي الرضي تجاوز الله عنه. قوله: (والعمه في البصيرة كالعمى في البصر (ظاهره إنهما متباينان لاختصاص أحدهما بالباطن والآخر بالظاهر، وهو مخالف لقول الزمخشريّ العمى عام في البصر والرأي، والعمه في الرأي خاصة لأنه جعل بينهما عموماً وخصوصا مطلقاً وهو المشهور، وقد أيد بقوله تعالى {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46] ولك أن تقول في التوفيق بينهما إن العمه مخصوص بالقلب والعمى بالبصر بل بالعينين إذ لا يقال لفاقد أحدهما أعمى بل أعور، ثم تجوّز به لما في القلب وشاع حتى صار حقيقة عرفية لغوية، ولذا لم يذكره في الأساس في المجاز فإن نظرنا لأصل الوضع كانا متغايرين كما ذكره المصنف وان نظرنا للاستعمال، والحقيقة الثانية كان كما ذكره الزمخشريّ ولذا كان له صفتان أعمى وعم كحذر وتحقيقه كما في المصباح عمه في طغيانه عمها من باب تعب إذا تردد متحيراً، وتعامه مأخوذ من قولهم أرض عمهاء إذا لم يكن فيها إمارات تدل على النجاة فهو عمه، وأعمه وعمى عمى فقد بصره فهو أعمى، والمرأة عمياء والجمع عمى من باب أحمر، وعميان أيضا ويعدى بالهمزة فيقال أعميته ولا يقع العمى إلا على العينين جميعا ويستعار العمى للقلب كناية عن الضلالة والعلاقة عدم الاهتداء فهو عم وأعمى القلب، اهـ. وما قيل في التوفيق إنّ المصنف رحمه الله لم يرد اختصاص العمى بالبصر بل أراد بيان العمه بأنه صفة للبصيرة بمنزلة العمى في البصر لا طائل تحته، والدهر يرضى العمى بالعور. قوله: (وهو التحير إلخ) تحقيقه كما عرفته أنّ أصل العمه عدم الإمارات في الطرق التي تنصب لتدلهم من حجارة وتراب ونحوهما، وهو المنار، ثم تجوّز به عن التردّد والتحير مطلقا وصار هذا حقيقة ثانية واليه أشار ا! شيخان كغيرهما فأشارا بالتحير إلى المعنى المستعمل فيه وأشار بقوله وأرض إلخ إلى وصفه الأصلي فمن قال إنّ هذا من توصيف المحل بوصف من فيه لم يصب، وقوله:

أعمى الهدى بالجاهلين العمه

مصراع أو بيت من الرجز من أرجوزة طويل لرؤبة بن العجاج الراجز المشهور وقبله: ومخفق من أهله ونهله من مهمه أطرافه في مهمه

وهو في وصف مفازة، وفي شرح الكشاف أي رلت مفازة لا تنتهي سعة بل أطرافها من جوانبها في مفازة أخرى أعمى الهدى أي أخفى المنار بالقياس إلى من لا دراية له بالمسالك جعل خفاء العلم عمى له بطريق الاستعارة، وقيل: أعمى صفة من عمى عليه الأمر التب! أي ملتيس الهداية إلى طرقها على من يجهل ويتحير فيها، وقد يقال أعمى فعل ماض أي أخفى طرق الاهتداء، والعمه بضم العين وتشديد الميم جمع عامه، وقال الطيبي رحمه الله: إنه جمع عمه أو عامه أي المهمة طريقه مشتبهة على الغيّ إذ ليس فيه جادّة أو منار يهتدي به، وقوله إنه جمع عمه أي أثبته أهل اللغة على خلاف القياس فيها وإلا فمفرده المطرد فاعل وفاعلة كركع، ولذا تركه غيره من الشراح. قوله: (تعالى أولئك الذبن إلخ) موقع هذا كموقع أولئك على هدى ومقابله لأنه بعد ذكر المنافقين وصفاتهم القبيحة المفصلة كأنه قيل من أين دخل عليهم هذه القبائح، ولم ينفعهم النذر والنصائح فأجيب بأنهم وإن استعدوا لغير ذلك فإنما خسر أولئك على ما مرّ لأنهم أبطلوا استعدادهم الفطري فاستبدلوا الهداية بالضلالة حتى خسرت صفقتهم، وفقدوا الاهتداء للطريق المستقيم ووقعوا في تيه الحيرة والضلال، ثم لا يخفى موقع الضلالة بعد العمه الذي أصله الضلال في القفار التي لا منار لها.

وقال قدّس سرّه: إنّ هذه الآية تعليل لاستحقاقهم الاستهزاء الأبلغ والمد في الطغيان

على سبيل الاستئناف أو هي جملة مقرّرة لقوله ويمدهم فتأمّل. قوله: (اختاروها عليه واستبدلوها إلخ) أدخل الاستبدال على المتروك الذي كأنه كان في يده فتركه وعدى الإشتراء بنفسه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015