بالسماد وقوله لا من المد إلخ، قد عرفت ما له وعليه، وانه تبع فيه الزمخشريّ. قوله: (والمعتزلة لما تعذر عليهم إلخ) إنما تعذر لأنهم قالوا بقبح إيجاد القبيح وخلقه وبوجوب ما هو الأصلح للعباد على الله تعالى، والآية بظاهرها تنافي ذلك لأنّ الطغيان قبيح كزيادته، ومثله لا يصدر عنه تعالى على زعمهم فأوّلوه بوجوه بناء على زعمهم الفاسد من أنه لا يصدر عته ولو صدر عنه كيف يذمّهم عليه، ولذلك فسره بعضهم بالإمهال لكنيم لم يرتضوه لأنّ اللغة لا تساعده. وقوله: (منعهم الله تعائى ألطافه إلخ) إشارة إلى أوّل وجوه التأويل، وهو أنه تعالى منعهم ألطافه التي منحها غيرهم وخذلهم لكفرهم وما هم عليه فتزايد رين قلوبهم وظلمتها فسمي ذلك الزإئد مددا في الطغيان وأسند إليه تعالى ففيه مجاز لغوي في المسند وعقلي في الإسناد باسناد الفعل لمسببه، وفاعله في الحقيقة الكفرة، وألطافه جمع لطف كقفل وأقفال، وهو عند المتكلمين ما يختار عنده المكلف الطاعة تركا واثباتا وينقسم إلى توفيق وعصمة.
وقال القشيري اللطف قدوة الطاعة على الصحيح، ويسمى ما يقرّب العبد إلى الطاعة، وبوصله إلى ا) خير أيضاً لطفاً كما سيأتي، ومنح بمعنى أعطى والخذلان ترك المساعدة، والرين صدأ يعلو الحلي استعير لما يمنع قبول الحق، والاهتداء له كالظلمة يعني أنهم لما أصروا على الكفر لم يساعدهم الله لمنعهم لطفه عنهم فتزايد رين قلوبهم فسمي ذلك التزايد مدداً، وأسند إلى الله لأنه المسبب لسببه فهو السبب إلبعيد ففيه تجوّزالن كما مز، والكفر والرين ومدده من
أفعال الكفرة عندهم، وقوله يسبب كفرهم متعلق بمنعهم أو خذلهم، وهو جواب عن سؤال مقدر أي لم منع بعض عباده، ومنح أخرين والكل عباده، ومثله لا يحسن عقلا عندهم فأجيب بأنهم تسببوا لذلك بالكفر والإصرار، وردّ بأنّ المتبادر من كونه مسببا أنه خالق السبب، ومنع الألطاف عدميّ لا يتعلق به الخلق، فإن قيل يدفعه قوله خذلهم فإنّ الخذلان تيسير أسباب الغواية كما إنّ اللطف تيسير أسباب الهداية، وقعوا فيما فرّوا منه فإنّ تسبيب القبيح قبيح، وأن كان قبحه دون قبح إيجاده، ثم إنه ينقل الكلام إلى ما قبل الكفر والإصرار فإن قالوا بوجود الألطاف عندها كان مكابرة لأنها لو كانت ما كفروا، ولا أصرّوا فالحق ما ذهب إليه أهل الحق فتدبر. قوله: (فتزايدت بسببه قلوبهم) الظاهر أنه ماض معطوف على منعهم لا جواب لما مع الفاء، وان كاد جائزا أيضا فإنّ جوابها يكون ماضيا بلا فاء، وقد يكون معها وبكون مضارعا وجملة اسمية مع إذا الفجائية، والفاء كما فصله شراح التسهيل، وقوله تزايد قلوب المؤمنين مصدر منصوب على إنه مفعول مطلق لقوله تزايدت تشبيهيّ كما تقول وقيته وقى الكتاب، وأمّا كونه ماضيا جواباً للما هربا من اقتران الجواب بالفاء فمع أنه لا حاجة إليه بعيد بحسب المعنى لأنه لا تعرض له في الآية، وان لزم معناها. قوله: (أو مكن الشيطان من إغوائهم) إلخ عطف على منعهم، وأسند جواب لما الثانية كما مرّ، وهو مجهول وهذا هو الوجه الثاني من تأويلات المعتزلة، وحاصلها كما قال قدس سرّه إنه إمّا أن يكون سمي ما تزايد من الرين مدداً في الطغيان، وفيه تجوّز إن كما مرّ أو أريد بالمد في الطغيان ترك القسر والإلجاء إلى الإيمان وهو فعله تعالى واسناده إليه حقيقة والمسند مجاز أو المراد معناه الحقيقي، وهو فعل الشيطان لكنه أسند إليه تعالى مجازا على مذهبه لأنه بتمكيته واقداره، وقد يتوهم أنّ إيقاع المد عليهم تجوّز لازم على كل مدّهب لأنّ حقيقته أن يوقع على الطغيان، ونحوه مما يقع فيه الزيادة، ودفع بأنّ المفهوم من مدّ طغيانهم ومذهم في طغيانهم واحد.
(وههنا مباحث جليلة) :
(الأوّل (أنه أورد على ما في الكشاف، وشروحه كما سمعته آنفا إنه جعل منع الألطاف سبب الإصرار على الكفر، ولا شك أنّ الكفر والإصرار عليه سبب لمنع الألطاف ففيه دور، وقد مرّ إيماء إليه، ثم إنه جعله فعلاَ للشيطان في الوجه الثاني، والشيطان لا يقدر على خلق شيء في العبد باتفاق منا ومنهم، وإنما هر مغو بوسوسته وتزيينه ولا يقدر على غير ذلك كما حكاه الله عنه في قوله {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم} [إبراهيم: 22] فتعين إن محدثه العبد عندهم، وقول المعتزلة كما حكاه الزمخشريّ إنه فعل الشيطان لا يقوله شيطان أصلا كما قيل:
ما أقبح الشيطان لكنه ليس كما قالوا وما صوّروا