مثل صحيح كما قال:

على المرء أن يسعى لما هو قصده ... وليس عليه أن يساعده الدهر

وعن يعقوب المعنى خلا منك الذم أي لا تذم فأسقط الحرف، وعداه مثل واختار موسى

قومه سبعين رجلا وقال ابن أغلب المرسي: المعنى وخلوت من الذم وجعل الفعل للذم لأنك إن خلوت منه فقد خلا منك، وقال التدفري: هو من المقلوب أي خلوت من الذمّ، ثم قلب وأسقط الجار منه وقال ابن درستويه العامة تقول خلاك ذم والمعنى صحيح لكن العرب لم تستعمله كذا اهـ وعلى ما ذكر أولا إذا انفردوا واجتمعوا بثياطينهم، وقدم هذا لأنه أظهر الوجوه، وعلى الثاني فهو بمعنى مضوا، وهو على هذا متعد بإلى أيضا، والمراد بمضيهم اجتماعهم معهم لأنّ المضيّ، والذهاب يستعمل بهذا المعنى، كما قال تعالى {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ} [كله: 43] إذ ليس المراد به مجرّد الخروج إلا أنّ في ذكرهم خلاك ذم خفاءسواء.

(قلنا) أنه متعد حقيقة كما هو ظاهر سياقهم أولا كما ذكرناه لك عن الرضي وغيره، فالظاهر الاقتصاو على تفسيره بمضى، لأنه مشهور وقيل إنه على هذا المعنى أنهم إذا جاوزوا المؤمنين وذهبوا عنهم إلى شياطينهه، فعلى هذا هو في النظم متعد، ولا يخفى ما فيه وقوله ومنه القرون الخالية أي الذاهبة من منازل الوجود إلى صحراء العدم، فالخلو فيه بصعنى المضيّ والذهاب إلا أنه فرق بين الذهابين، ولذا فصله بقوله ومنه فتدبر. قوله: (أو من خلوت به إذا سخرت منه) في الكشاف وهو من قولك خلا فلان بعرض فلان يعبث به، ومعناه إذا أنهوا السخرية بالمؤمنين إلى شياطينهم وحدثوهم بها، كما تقول أحمد إليك فلانا، وأذمه إليك اهـ. وفي الأساس من المجاز خلا به سخر منه وخدعه، لأنّ الساخر والخاح يخلوان به يريانه النصح والخصوصية اهـ. وقال قدس سرّه تبعاً لغيره من الشراح: إنّ ما في الكشاف إشارة إلى أنّ استعمال خلا بهذا المعنى مع إلى بناء على تضمينه معنى الإنهاء، كما في أحمده إليك أي أنهي حمده وهذا بيان لحاصل المعنى وأمّا تقدير الكلام فهكذا، وإذا خلوا أي سخروا منهين إليهم، وأحمده منهياً إليك كما سلف.

(أقول) يعني أنّ المضمن يقدر حالا لا مفعولا به، كما صنعوه هنا، وليس هذا بمسلم

وقد مرّ الكلام عليه مفصلا في بحث التضمين في قوله تعالى {يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة: 3] وليس هذا مما يهمنا هنا، وإنما المهم هنا أنّ خلا بمعنى سخر وان ذكره الزمخشريّ

وتبعه غيره كصاحب القاموس لم يقع صريحاً في كلام من يوثق به حتى يخرّج عليه كلام رب العزة وما مثلوا به ليس مطابقا للمدعي فإنّ الدال على السخرية فيه قوله يعبث به وخلا إمّا على حمقته فيه، أوبمعنى تمكن منه كما لا يخفى، ثم لايخفى ما فيه من التكلف فعليك بالنظر السديد والترقي عن حضيض التقليد، والتضمين إنما هو على الوجه الأخير لا عليه وعلى الثاني لأنّ مضى يتعدى بإلى، فمن ذهب إليه، وقال: الأنسب تضمين معنى الانتهاء فقد وهم. قوله: (والمراد بثياطينهم إلخ) يعني أنه استعارة تصريحية لتشبيه الكفرة الذين يشيرون إليهم، أو كبار أصحابهم بمردة الشياطين، والقرينة الإضافة على ما نيه كما فصل في بعض شروح الكشاف. وقوله: (والقائلون صنارهم) فيه نبوة عن سبب النزول السابق لأنّ ابن أبيّ من رؤسائهم، ولذا قيل إنه مبنيّ على غير تلك الرواية وذكر في اشتقاقه وجهين، واستدل على الأصالة بقولهم تشيطن، لأنه لو لم تكن النون أصلية سقطت من فعله، واحتمال أخذه من الشيطان لا من أصله على أنّ المعنى فعل فعل الشيطان خلاف الظاهر وأن ارتضاه بعضهم، وشاط بمعنى بطل ورد في كلامهم كقوله:

وقد يشيط على أرماحنا البطل

وقال الراغب: إنه من شاط بمعنى احترق غضباً والشيطان مخلوق من النار فلذا اختص

بفرط الغضب وهو جمع تكسير واجراؤه مجرى جمع التصحيح، كما في بعض القراءات الشاذة تنزلت به الشياطون لغة رديئة، والتمرّد العتوّ والتجبر ومنه مردة الشياطين وقيل: المراد بهم الكهنة لأتباعهم الشياطين فسموا بملا يلإزمهم كما يقال بسمل إذا ذبح اهـ. وقوله من أسمائه الباطل أي من أسماء الشيطان، وهذا يدل على ما ذكر في الجملة وان قيل إنّ تسميته بأسماء كل منها ماخونر من لفظ آخر بمعنى آخر أرجح، لأنه تأسيس. قوله: (في الدين والاعتقاد إلخ) يعني أنّ المعية هنا معنوية، وهي مساواتهم لهم في الاعتقاد لا الصحبة الحسية، لأنها غير مرادة ولا محتاجة للبيان وقوله (خاطبوا المؤمنين إلخ) جواب عما يقال لم ترك التأكيد فيما ألقي إلى المؤمنين المنكرين لما هم عليه أو المتردّدين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015