وأتى بالجملة الفعلية الدالة على الحدوث، وأكد مع شياطينهم الذين ليسوا كذلك وأتى بالجملة الاسمية الثبوتية فقيل إنه أجيب عنه بوجهين وقيل بثلاثة.
أحدها أنهم بصدد دعوى إحداث الإيمان فهو كلام ابتدائي متجدد مناسب للفعلية، وترك التأكيد بحسب زعمهم وقصدهم، وهم لم ينظروا الإنكار أحد أو تردّده فيه بخلاف ما خاطبوا به شطارهم، فإن القصد فيه إلى إفادة الثبات على ما كانوا عليه دفعا لما يختلج بخواطرهم من مخالطة المؤمنين، ومخاطبتهم بالإيمان من أنهم وافقوهم ظاهراً وباطناً، وتركوا اليهود رأساً فيناسب الثبوت والاسمية المؤكدة لدفع التردّد الظاهر من حالهم.
والثاني أن ترك التأكيد كما يكون لإزالة الإنكار والشك يكون لصدق الرغبة، ووفور النشاط من المتكلم، كما في قول المؤمنين {رَبَّنَا آمَنَّا} [المؤمنون: 09 ا] فلذا جرّدت الأولى، وأكدت الثانية.
والثالث أنهم لو قالوا: إنا مؤمنون كان ادّعاء لكمال الإيمان وثباته وهو أمر لا يروج عند خلص المؤمنين، وهم ما هم في رزانة العقل وحدة الذكما " ولا كذلك الشطار، وفي شرح الكشاف للعلامة طاب ثراه: التو! يكون لبيان حال المخاطب تارة، وأخرى لبيان حال المتكلم، والخبر إمّا أن يورده المتكلم لنفسه أو لمخاطبه، فإن أورده للمخاطب فلا بدّ من أن يقصد به فائدة الخبر أو لازمها وتأكيده حينئذ لنفي الإنكار أو الشك، وان أورده لنفسه لا يلزمه أح! الفائدتين، فيقصد به معاني أخر كالتحسر والتضرّع وغير ذلك، وبهذا ظهر اندفاع ما أورد على السكاكي، لما حصر فائدة الخبر في الحكم، ولازمه مع وروده كثيراً لغير ذلك، وما قيل عليه فى قوله: إنّ حكم العقل عند إطلاق اللسان أن يفرغ المتكلم ما ينطق به قي قالب الإفادة تحاشيأ عن وصمة اللاغية مع إنه يأتي بخلاف ذلك، ولا يعدّ لغواً لأنّ ذلك كله في الخبر الملقى د لمخاطب لا فيما يورده المتكغ لنفسه، ولذلك قال: ومرجع كون الخبر مفيداً للمخاطب إلى فائدة الخبر أو لازمها فقيده بقوله للمخاطب تنبيهاً على هذا وهذا من نفائس المعاني ". ولذا أوردته برمته فعليك بحفظه، ومن لم يتفطن له قال: ليس المقصود هنا فائدة الخبر، ولا لازمها بل الأمان، أو الاستئمان من المؤمنين والخبر لا ينحصر المقصود منه في الفائدة ولا لازمها، وهذا مما استنبط من الكشاف، وأخذ منه أنّ التكيد يكون للرواج عند المخاطب وصدق الرغبة من المتكلم، وتركه لعدمه كما يكون لإزالة الإنكار والتردّد وقوله توقع رواح معطوف على قوله باعث. وقوله: (على المؤمنين) متعلق برواج لا بادعاء وان جوّزه بعضهم قوله تأكيد لما قبله إلخ توجيه لعدم العطف وذكر له ثلاثة أوجه:
الأوّل أنه مؤكد له فبينهما كمال الاتصال الموجب للقطع، لأنّ معنى قوله: إنا معكم إنا
على دينكم لا على دين أولئك، كما مرّ لا انا معكم بالنصر والمعونة، كما ذهب إليه بعض المفسرين، وان كانا متقاربين، ولما كانا متغايرين لأنّ معنى إنا معكم هو الثبات على اليهودية، وليس {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ} بمعناه حتى يكون بظاهره تقريراً، وتأكيداً لهذا المعنى اعتبر
لسيخان في الثاني لازما يؤكده، وهو أنه ردّ ونفي للإسلام، فيكون مقرّرا للثبات عليها لأنّ دفع لصض الشيء- ثأكيد لثباته، وقد عكنس صاحب المفتاح، فاعتبر لازم الأوّل حيث قال معنى انا معكم انا معكم قلوبا ومعناه إنا نوهم أصحاب محمد الإيمان فوقع مقرّراً لقوله إنا مستهزؤن! مكون الاستخفاف بهم وبدينهم تأكيداً لذلك اللازم، وما ذكره المصنف رحمه الله أولى كما ل! لحفى، كذا قرّره الشريف قدس سرّه تبعا لما في الكشف حيث قال بعد تقريره: وما هنا أولى مما في المفتاح، وان كان حسناً أيضاً فإنه يؤكد الكلام المذكور لا لوازمه وان جاز أن يعدّ كيدا للوازم تأكيداً له أيضا من وجه، مع أنّ التأويل عند الحاجة أعذب، واعترض عليه بأنه ر هما مسلك السكاكي بأنه تأوّل الأوّل فقط، وهو مخالف لقوله في شرح المفتاح: إنه لا بد أخذ اللازم من الأوّل، ومق الثاني حيث قال: إنّ إيهام الإيمان يتضمن نفيه والاستهزاء هله يتضمنه " أيضا، كما إنّ الثاني تقرير للأوّل والظاهر أنه لا حاجة إلى ذلك، فإنّ قول لمنافقين بغير جد، وصدور من القلب استهزاء وسخرية، ويجوز أن يكون ترك العطف في قوله نما نحن مستهزؤن} لكونه علة للأوّل من غير نظر إلى تأكيد أو بدل أو استئناف اهـ.
(أقول) حاصل ما ذهب إليه شرّاج الكشاف والمفتاح على أنه تأكيد سواء قلنا وزانه،
ان جاء زيد زيد، أو وزان جاء زيد نفسه أنهما لما بينهما من