عن قريب ويحتمل أنه راجع لقوله {إِلاَّ أَنَّهُمْ} إلخ من غير لف فيه واليه ذهب بعض أرباب الحواشي أو أنه من قوله {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء} لأنه المقصود بالذات فلذا أتى فيه بألا وإن، ووسط ضمير الفصلى، وعرف الخبر وذيل بالاستدراك المؤكد له لاستلزام السفه للجهل، أو دلالته عليه لأنه خفة العقل، ونقصه وفي الدرّ المصون السفه خفة العقل والجهل بالأمور قال السموأل:

نخاف أن تسفه أحلامنا فنجهل الجهل مع الجاهل

وقوله (فإنّ الجاهل إلخ) تفسير للمبالغة في التجهيل، وتعليل له بناء على أحد الوجهين

في تفسير قوله {لاَّ يَعْلَمُونَ} وهو أنّ معناه لا يعلمون أنهم هم السفهاء حقيقة لقلة تأمّلهم في الدلائل القائمة على أنّ الكفر سفه لا ما قيل من أنّ معناه لا يعلمون ما يحل بهم من العذاب، لأجل السفه في الآخرة، وعلى هذا جهلهم بالسفه الذي هو جهل جهل بالجهل، فهو جهل

مركب، فكأنه قيل: إنهم جهلاء، ولكن لا يعلمون أنهم جهلاء. وقوله: (بجهله) صفة الجاهل والجازم صفته، ويصح كونه صفة الجهل، وبما قرّرناه علم أنه لا يرد على المصنف رحمه الله ما قيل من أنه لا يفهم من قوله {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء} لاعتقاد الباطل، لأنّ السفه وخفة العقل قد يكون سبباً للشك، وكذا عدم العلم لا يستلزم الجهل المركب، ولا حاجة إلى الجواب بأن المراد بالسفه هنا اعتقاد الباطل، وبعدم العلم الجهل المركب بقرينة المقام، لأنه ناشىء من عدم الوقوف على المرام، وتعدّي الجازم بعلى وهو متعد بالباء لتضمنه معنى المصرّ، فإن قلت إنما يفهم من السفاهة، ونفي العلم الجهل وأمّا الجزم بخلاف الواقع فليس هنا ما يدلّ عليه، لأنّ عدم العلم بالجهل محتمل للتحقيق في ضمن عدم العلم بشيء من النقيضين، وفي ضمن الجزم بمقتضى الجهل، قلت: هو كما ذكرت إلا أنّ مقام المبالغة يعين الاحتمال الثاني مع أنّ حالهم يقتضيه لأنّ الجراءة على تسفيه المؤمنين، والسعي في أذيتهم لا يصدر من العاقل إلا إذا جزم بذلك فتأمل. قوله: (وأتئم جهالة من المتوقف إلخ) قيل عليه مراتب الجهل أربع: أحدها ما وصفه المصنف رحمه الله بالأتمية، وبعدها الظان لخلاف الواقع، وبعدها المتوقف عن التصديق بأحد الطرفين المتردّد بينهما من غير اعتراف بجهله، ورابعها المتوقف المعترف، فكان ينبغي أن يقول أتم جهالة من غير الجازم، ليشمل الصور الثلاث أو يكتفي بالثاني لتلزم الأتمية بالنسبة إلى الثالث والرابع بطريق الأولى غير أنه ذكر المعترف ليتصل به قوله: فإنه ربما يعذر كمن أسلم في دار الحرب، أو نشأ في بادية، أو على رأس جبل لاعترافه بجهله، واستعداده لقبولا لىلحق، فينتفع بالآيات والنذر، كما يعذر المؤمن المعترف بذنبه بخلاف الجاهل الجازم بجهله الآبي عن الحق والنذر جمع نذير. قوله: (وإنما صلت الآية إلخ) فصلت مجهول من ال! كصيل، فهو مثدد الصاد أي أتى بفاصلة كقفي إذا أتى بقافية والفاصلة في النثر بمنزلة القافية في الشعر، وهذا بناء على أنه يجوز أن يقال في القرآن سجع وفواصل، وفيه تفصيل ذكرناه في غير هذا المحل، وفي بعض شروح الكشاف فصلت بتشديد الصاد المهملة من التفصيل، وفي بعض النسخ بتخفيفها من الفصل، فجوّز فيه وجهين أي ختمت هذه الآية بلا يعلمون دون لا يشعرون لما ذكر. وقوله: (كثر طباقاً (الطباق كالمطابقة من الأسماء المتضايفة، وهو أن يجعل شيء فوق آخر هو بقدره، ومنه طابق النعل النعل لكونه فوقه يقابله، ولكونه بقدره يوافقه فلذا أطلق الطباق في اللغة على الموافقة، والمناسبة وأطلق في الإصطلاج البديعي على الجمع بين المتضادّين لتقابلهما في الجملة، ولذا ذهب الأكثر هنا إلى أنّ المراد الثاني لأنّ في السفه جهلاً، كما مرّ فذكر العلم معه جمع بين متضادّين في الجملة فالطباق بديعي، وقيل: المراد

لمناسب عدم العلم والسفاهة فهو لغوفي يرجع إلى مراعاة النظير قال الطيبي: هو من باب المعنوية إذ لو كانت لفظية لقيل: لا يرشدون فإنّ الرشد مقابل للسفه، أو قيل ألا إنهم ليقابل لا يعلمون اهـ. وفيه نظر لأنه لا منافاة بينهما، فإنه إن نظر للعلم والجهل من لطر لغيره فهو بديعيّ، وان نظر له منفيا فلغويّ ولكل وجهة وإنما قال أكثر لأنّ الشعور ونفيه جهل وسفه، أو ذلك مما يستلزمه، ويؤل إليه إن فسر الشعور بإدراك الحواس ففيه مطابقة للسفه أيضا إلا أنّ ما ذكر أظهر وأقوى، ثم بين له نكتة أخرى، وهي أنّ لدينية غير

طور بواسطة نورين ميديا © 2015