رحمه الله لم يذكر الجواب، لأنه أراد أنّ المعتبر في ضسمى الإيمان لغة وبحسب ظاهر الشرع هذا، وأمّا مطابقة ما في القلب فمعتبر في الإيمان المنجي من الخلود في النار عند الله، فما ذكره مذهب الفقهاء وغيرهم فما قيل من أنّ المستدل به على هذا الكرامية، وقد مرّ أنّ الخلاف معهم، فيمن تفوّه بالشهادتين فارغ القلب عما يوافقه أو ينافيه، وأمّا من ادعى الإيمان، وخالف قلبه لسانه كالمنافقين فكافر بالاتفاق، وهو يصير عدم تعرّض المصنف للجواب بمعزل عن الصواب. قوله: (الهمزة فيه للأئكار) الإنكار قسمان إبطاليّ بمعنى لم يقع وتوبيخي بمعنى لم وقع، والمراد الأوّل، ولذا فسر بلا يكون. وقوله: (مشار بها إلى الناس) أي المراد بها ذلك، والإشارة ذهنية لا حسية يعني أنها في السفهاء للعهد، والمراد بهم الناس السابق ذكرهم بوجهيه، والعهد الذكري قد يكون بإعادة المتقدم بعينه، وقد يكون بإعادة لازمه ووصفه وإن لم يجر له صريح ذكر ويسمى العهد التقديري، وذلك بأن يسند إلى الموصوف ما يستدعي تلك الصفة، فتذكر الصفة معرفة كأنها جرى ذكرها، كما إذا قيل لك شتمك زيد فتقول: أفعل السفيه، فإنّ الشتم تنبيه على سفاهتة، حتى كأنه فيل اعترض لك سفيه، أو أن يكون الموصوف علماً في تلك الصفة حقيقة، أو ادّعاء فمتى ذكر علمت صفته والعهد هنا إمّا لأنّ الإيمان بزعمهم مستلزم للسفه، ولأنّ المؤمنين فيما بينهم معروفون به. قوله: (أو الجنس بأسره إلخ) أي للجنس في ضمن جميع الأفراد، وهو والاستغراق بمعنى وبأسره عبارة عن جميعه، والأسر في الأصل ما يشد به الأسير، فإذا سلم بوثاقه فقد سلم بجملته، ثم صار عبارة عن كل ما يراد جميعه، ومندرجون فيه بمعنى داخلين من درجه إذا طواه وضمير فيه للجنس، أو للفظ السفهاء وضميرهم للرسول صلى الله عليه وسلم، " ومن معه الثامل لابن سلام، وأضرابه رضي الله عنهم، وهم كمل الناس وأعقلهم، فجعلهم سفهاء بزعمهم الفاسد، وهو مخالف للواقع والسفهاء، وإن شملهم وغيرهم لكنهم داخلون فيه دخولا أوّلياً عندهم وهو أبلغ لما فيه من الكناية كما قال تعالى {فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: 89] وقد قيل على هذا أنه إنما يصح بادّعاء انحصار مفهوم السفهاء في المؤمنين المذكورين في قوله {كَمَا آمَنَ النَّاسُ} إذ لا يصح إسناد الإيمان إلى جميع السفهاء، فإن من لم يؤمن من السفهاء لا يحصر، لكن يرد على هذا أنّ معنى الاستغراق لا يلائم مقام إنكار موافقة السفهاء، لأنّ اتباع بعض السفهاء أقبح وليس بشيء، فإنه سواء أريد الاستغراق الحقيقيّ الادّعائيّ أو العرفيّ، كما في جمع الأمير الصاغة إذ لم يكن في المدينة حين نجم النفاق إلا مؤمن، أو منافق موافق للمقام على أتمّ الوجوه وأبلغها، كما لا يخفى فتدبر. قوله: (وإنما س! هوها إلخ) أي دعوهم سفهاء، أو
نسبوهم للسفه بناء على اعتقادهم أنهم سفهاء أو تحقيرا لهم، فإنّ قيهم فقراء والموالي بمعنى العبيد، فإنه أحد معانيه وصهيب وبلال الصحابيان رضي الله عنهما كذلك، كما هو معروف في محله، والتجلد والتحمل والتصبر وأصل معناه إظهار الجلد والقوّة، والمبالاة بالشيء الاعتداد والاعتناء به وعدم المبالاة بهم، لأنهم كانوا من أهل الكتاب. قوله: (والسفه إلخ) السفه في اللغة الخفة والتحرّك والاضطراب يقال زمام سفيه أي مضطرب، وسفهت الرياح الرماح والنار إذا حرّكتها بخفة ثم استعمل في عرف اللغة والشرع، وشاع حتى صار حقيقة فيه لنقمى العقل والرأي، وقال الراغب: استعمل في خفة النفس لنقصان العقل، وفي الأمور الدنيوية والأخروية، ومنه أخذ المصنف رحمه الله ما ذك ره، وفي شرح التأويلات حد بعضهم السفه بأنه ترك العمل بمقتضى العقل مع قيام العقل، وقيل العمل بموجب الجهل على علم بأنه مبطل، وسخافة الرأي والعقل خفته وعدم استحكامه، وفي المصباح سخف الثوب سخفاً، وزان قرب قربا وسخافة بالفتح رق لقلة غزله، ومته قيل رجل سخيف وفي عقله سخف أي نقمى وقال الخليل السخف في العقل خاصة والسخافة عامّة في كل شيء اهـ. وقوله: (والحلم) بكسر الحاء، وسكون اللام هو الأناة والوقار، ويقابله أي يقع في مقابلته لأنه ضدّه على عادة اللغويين في الإيضاح بذكر الأضداد كما قيل:
وبضدها تتبين الأشياء
قوله (ردّ ومبالغة في تجهيلهم إلخ) فيه مع النظم لف، ونشر مرتب فالردّ لتسفيههم المؤمنين ناظر لقوله {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء} والمبالغة في التجهيلى من قوله {وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ} كما ستراه