رعاية لبراعة الاستهلال، وتنبيها على فضيلة نعمة البيان.
===
بقى شىء آخر، وهو أن رعاية البراعة وملاحظتها تحصل بمجرد ذكر البيان سواء كان معطوفا أو لا. كان عطفه من قبيل عطف الخاص على العام أو لا، وحينئذ، فلا يصح تعليله العطف المذكور بالبراعة المذكورة فكان الأولى أن يقول: وعلم تخصيص بعد تعميم، وذكر ذلك الخاص؛ رعاية ... إلخ، وأجيب بأنه يلزم من عطف الخاص على العام ذكر ذلك الخاص، فالتعليل بالمعطوف والمعطوف عليه بالنظر لذلك اللازم، ورد هذا الجواب بأنه إنما يتم بالنسبة للعلة الأولى المعطوف عليها، ولا يتم بالنسبة للعلة الثانية المعطوفة، وذلك لأن التنبيه على فضيلة نعمة البيان إنما يحصل بملاحظة العطف لا بمجرد ذكر الخاص، وأجيب بأن ملاحظة العطف إنما هى سبب للتنبيه على زيادة الفضيلة لا للتنبيه على أصل الفضيلة؛ إذ التنبيه على أصلها يحصل بمجرد ذكر ذلك الخاص محمودا عليه. سلمنا أن التنبيه على فضيلة نعمة البيان إنما يحصل بملاحظة العطف؛ فنقول: لا يبعد أن يقال: معنى قوله: " عطف الخاص على العام" ذكره بعد العام بطريق العطف فهنا شيئان: الأول: ذكر الخاص، والثاني: ذكره بعد العام بطريق العطف، فقوله: " رعاية" علة للأمر الأول، وقوله: " وتنبيها" علة للأمر الثاني، والأحسن ما أجاب به العلامة عبد الحكيم عن أصل الإشكال، وهو أن المفعول له قد يكون علة غائية مترتبة، وقد يكون علة باعثة، فالأول: أعنى: قوله: " رعاية ...
إلخ" من الأول، والثاني: وهو قوله: " وتنبيها" من الثاني؛ فإن الرعاية مترتبة على عطف الخاص على العام باشتمال ذلك الخاص على لفظ البيان، والتنبيه باعث على العطف المذكور.
(قوله: وتنبيها على فضيلة نعمة البيان) أى على مزيتها وشرفها؛ لأن البيان هو المنطق الفصيح، كما قال الشارح، والإنسان لا يتوصل إلى أعظم مآربه إلا به، ووجه التنبيه أن ذكر الخاص بعد العام يومىء إلى أن الخاص بلغ فى الشرف والكمال مبلغا بحيث صار كأنه ليس من أفراد العام؛ لأن العطف يقتضى مغايرة المعطوف للمعطوف عليه، والمغايرة تحصل ولو بالعظم على طريقة قوله: