(وعلم) من عطف الخاص على العام ...
===
تتم النكتة التى أبدوها لترجيح الحذف على الذكر؛ لأنا نقول: الحذف لما كانت دلالته على العموم عقلية كانت قوية؛ فتدفع توهم الخصوص بخلاف الذكر؛ فإن التعويل فى دلالته على الألفاظ، ودلالتها ضعيفة، فلا تدفع توهم الخصوص ثم بعد هذا كله يقال للشارح: إن المصنف قد تعرض للمنعم به إجمالا؛ لأن عموم الإنعام المستفاد من إضافة المصدر إلى الفاعل مستلزم لعموم المنعم به استلزاما عقليا، وحينئذ، فلا يصح قوله: " ولم يتعرض للمنعم به" إلا أن يقال: المراد إنه لم يتعرض له تصريحا إن قلت: إنه قد تعرض لبعض المنعم به صراحة حيث قال: " وعلم من البيان ما لم نعلم"، فلا يصح نفى التعرض بالنظر لهذا القسم، وأجيب بأن المراد: لم يتعرض لذكر المنعم به فى ابتداء الكلام عند ذكر الإنعام.
(قوله: من عطف الخاص على العام) أى: لأن تعليمه- سبحانه وتعالى- إيانا البيان الذى لم نكن نعلمه من جملة إنعامه.
(قوله: رعاية ... إلخ) علة لمحذوف أى:
وعطف هذا الخاص على العام لأجل رعاية أى: ملاحظة براعة الاستهلال، والبراعة:
مصدر برع الرجل إذا فاق أقرانه، والاستهلال أول صياح المولود ثم استعمل فى أول كل شيء، ومنه الهلل أول المطر، ومستهل الشهر أوله، وحينئذ فمعنى براعة الاستهلال بحسب الأصل أى: المعنى اللغوى تفوق الابتداء أى: كون الابتداء فائقا حسنا ثم سمى به فى الاصطلاح ما هو سبب فى تفوق الابتداء، وهو كون الابتداء مناسبا للمقصود، وذلك بأن يشتمل الابتداء على ما يشير إلى مقصود المتكلم ناثرا أو ناظما بإشارة ما، ولا شك أن الابتداء هنا قد اشتمل على البيان الذى هو المنطق الفصيح المعرب عما فى الضمير، وهذا الكتاب فى علم المعانى والبيان والبديع المتعلقة بالبيان المذكور، ففى التعبير به إشارة إلى أن مراد المصنف التكلم على علم له تعلق بالبيان أى: المنطق الفصيح أو أن براعة الاستهلال من حيث إن التعبير بالبيان يشير إلى أن مراد المصنف التكلم فى هذا الكتاب على فن البيان الآتى تعريفه؛ لأن البيانين وإن اختلفا معنى فقد اشتركا فى الاسم، فالإشارة إلى مقصوده حاصلة على كل حال.