بعد حمد الله أما بعد) فإنه كان وكذا وكذا فهو اقتضاب من جهة الانتقال من الحمد والثناء إلى كلام آخر من غير ملاءمة لكنه يشبه التخلص من حيث لم يؤت بالكلام الآخر فجأة من غير قصد إلى ارتباط وتعليق ما قبله ...
===
التخلص) أى: اقتضاب أو انتقال يشبه التخلص الاصطلاحى فى كونه يخالطه شىء من المناسبة، ولم يجعل هذا القسم تخلصا قريبا من الاقتضاب لعدم المناسبة الذاتية فيه بين الابتداء والمقصود والتخلص مبناه على ذلك
(قوله: بعد حمد الله) أى: بعد أن حمدت الله وصلّيت على رسوله
(قوله: أما بعد) هذا مقول القول، وقوله بعد حمد الله حال مقيدة أى: كقولك: أما بعد حالة كونها واقعة بعد أن حمدت الله.
(قوله: فإنه كان كذا وكذا) أشار بذلك إلى أن المراد أما بعد مع جملتها التى هى فيها وبه يندفع ما يقال: إن السياق فى أقسام الكلام التى ينبغى للمتكلم أن يتأنق فيها، وأما بعد ليست كلاما
(قوله: فهو اقتضاب) أى: فالانتقال المحتوى على أما بعد اقتضاب
(قوله: من جهة الانتقال من الحمد والثناء) أى: على الله ورسوله (وقوله إلى كلام آخر) أى: كالسبب الحامل على تأليف الكتاب مثلا
(قوله: فجأة) أى: بغتة، (وقوله: من غير قصد إلخ) بيان للفجأة (وقوله: وتعليق) تفسير لما قبله
(قوله: من غير قصد إلخ) تفسير لقوله فجأة
(قوله: بل قصد نوع من الربط) أى: من حيث الإتيان بأما بعد؛ لأنها بمعنى مهما يكن من شىء بعد الحمد والثناء، فالأمر كذا وكذا، وتحقيق ذلك أن حسن التخلص فيه القصد إلى إيجاد الربط بالمناسبة على وجه لا يقال فيه: إن هنا كلامين منفصلين مستقلين أتى بأحدهما وهو الثانى بغتة والاقتضاب فيه القصد إلى الإتيان بكلام بعد آخر على وجه يقال فيه: إن الأول منفصل عن الثانى ولا ربط بينهما، وأما بعد لما كان معناه مهما يكن من شىء بعد الحمد والثناء، فالأمر كذا وكذا أفاد أن كون الأمر كذا مربوط بوجود شىء بعد الحمد والثناء على وجه اللزوم، ولما أفادت ما ذكر ارتبط ما بعدها بما قبلها لإفادتها الوقوع بعده ولا بدّ فلم يؤت بما بعدها على وجه يقال فيه إنه لم يرتبط بما قبله، بل هو مرتبط به من حيث التعلق فأشبه بهذا الوجه حسن التخلص، ولما كان ما بعدها شىء آخر لا ربط فيه بالمناسبة كان فى الحقيقة