أَيْ أُؤَلِّفُ وَالِاسْمُ مُشْتَقٌّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْفَاتِحَةِ وَأَوْدَعَ مَا فِي الْفَاتِحَةِ فِي بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بَلْ قِيلَ: إنَّهُ أَوْدَعَ مَا فِيهَا فِي الْبَاءِ أَيْ لِأَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ بِي كَانَ مَا كَانَ وَبِي يَكُونُ مَا يَكُونُ وَهَذَا الْمَعْنَى يَرْجِعُ إلَيْهِ جَمِيعُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْقُرْآنِ وَأَوْدَعَ مَا فِي الْبَاءِ فِي النُّقْطَةِ كَأَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى الرُّكْنِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي عَلَيْهِ مَدَارُ الْأَشْيَاءِ وَهُوَ وَحْدَتُهُ تَعَالَى اهـ مِنْ شَرْحِ م ر مَعَ زِيَادَةٍ لع ش عَلَيْهِ وَقَالَ فِي الْقَسْطَلَّانِيِّ عَلَى الْبُخَارِيِّ مَا نَصُّهُ: وَالرَّحْمَنُ مُخْتَصٌّ بِهِ تَعَالَى لَفْظًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى بِهِ غَيْرُهُ تَعَالَى وَعَامٌّ لَهُ وَلِغَيْرِهِ مَعْنًى مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَشْمَلُ جَمِيعَ الْمَوْجُودَاتِ وَالرَّحِيمُ عَامٌّ مِنْ حَيْثُ الِاشْتِرَاكُ فِي الْمُسَمَّى بِهِ خَاصٌّ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى اللُّطْفِ وَالتَّوْفِيقِ اهـ.
(فَائِدَةٌ) فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ وَهُوَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ إنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي» اهـ.
وَفِي الْقَسْطَلَّانِيِّ عَلَيْهِ مَا نَصُّهُ إنَّ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ حِكَايَةٌ لِمَضْمُونِ الْكِتَابِ وَتُفْتَحُ بَدَلًا مِنْ كَتَبَ غَلَبَ وَالْمُرَادُ مِنْ الْغَضَبِ لَازِمُهُ وَهُوَ إرَادَةُ اتِّصَالِ الْعَذَابِ إلَى مَنْ يَقَعُ عَلَيْهِ الْغَضَبُ لِأَنَّ السَّبْقَ وَالْغَلَبَةَ بِاعْتِبَارِ التَّعَلُّقِ أَيْ تَعَلُّقُ الرَّحْمَةِ غَالِبٌ سَابِقٌ عَلَى تَعَلُّقِ الْغَضَبِ لِأَنَّ الرَّحْمَةَ مُقْتَضَى ذَاتِهِ الْمُقَدَّسَةِ وَأَمَّا الْغَضَبُ فَهُوَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى سَابِقَةِ عَمَلٍ مِنْ الْعَبْدِ الْحَادِثِ وَقَالَ التُّورْبَشْتِيُّ وَفِي سَبْقِ الرَّحْمَةِ بَيَانُ أَنَّ قِسْطَ الْخَلْقِ مِنْهَا أَكْثَرُ مِنْ قِسْطِهِمْ مِنْ الْغَضَبِ وَأَنَّهَا تَنَالُهُمْ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ وَأَنَّ الْغَضَبَ لَا يَنَالُهُمْ إلَّا بِاسْتِحْقَاقٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّحْمَةَ تَشْمَلُ الْإِنْسَانَ جَنِينًا رَضِيعًا وَفَطِيمًا وَنَاشِئًا مِنْ قَبْلِ أَنْ يَصْدُرَ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ الطَّاعَةِ وَلَا يَلْحَقُهُ الْغَضَبُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَصْدُرَ عَنْهُ مِنْ الْمُخَالَفَاتِ مَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ: هُوَ عَلَى وِزَانِ قَوْله تَعَالَى {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: 54] أَيْ أَوْجَبَ وَعْدًا أَنْ يَرْحَمَهُمْ قَطْعًا بِخِلَافِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُقْتَضَى الْغَضَبِ مِنْ الْعِقَابِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَرِيمٌ يَتَجَاوَزُ عَنْهُ بِفَضْلِهِ وَأُنْشِدَ
وَإِنِّي وَإِنْ أَوْعَدْتُهُ أَوْ وَعَدْتُهُ ... لَمُخْلِفٌ إيعَادِي وَمُنْجِزٌ مَوْعِدِي
وَقَالَ فِي الْمَصَابِيحِ: الْغَضَبُ إرَادَةُ الْعِقَابِ وَالرَّحْمَةُ إرَادَةُ الثَّوَابِ وَالصِّفَاتُ لَا تُوصَفُ بِالْغَلَبَةِ وَلَا يَسْبِقُ بَعْضُهَا بَعْضًا لَكِنْ جَاءَ هَذَا عَلَى الِاسْتِعَارَةِ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ تُجْعَلَ الرَّحْمَةُ وَالْغَضَبُ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ لَا الذَّاتِ فَالرَّحْمَةُ هِيَ الثَّوَابُ وَالْإِحْسَانُ وَالْغَضَبُ هُوَ الِانْتِقَامُ وَالْعِقَابُ فَتَكُونُ الْغَلَبَةُ عَلَى بَابِهَا أَيْ إنَّ رَحْمَتِي أَكْثَرُ مِنْ غَضَبِي فَتَأَمَّلْهُ انْتَهَى.
(تَنْبِيهٌ) الْكَلَامُ عَلَى الْبَسْمَلَةِ مُنْحَصِرٌ فِي أَرْبَعَةِ مَقَاصِدَ: (الْأَوَّلُ) فِي الْبَاءِ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ مَبَاحِثَ: الْأَوَّلُ فِي مُتَعَلِّقِهَا الثَّانِي فِي مَعْنَاهَا الثَّالِثُ فِي حِكْمَةِ كَسْرِهَا الرَّابِعُ فِي سَبَبِ تَطْوِيلِهَا: (الْمَقْصِدُ الثَّانِي) فِي اسْمِ وَفِيهِ خَمْسَةُ مَبَاحِثَ: الْأَوَّلُ فِي مَعْنَاهُ وَمَا يَتْبَعُهُ الثَّانِي فِي بَيَانِ أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِالْبَسْمَلَةِ مَعَ اشْتِمَالِهَا عَلَى لَفْظِ اسْمِ ابْتِدَاءٌ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى الثَّالِثُ فِي اشْتِقَاقِهِ الرَّابِعُ فِي لُغَاتِهِ الْخَامِسُ فِي مُوجِبِ حَذْفِ أَلِفِهِ خَطًّا (الْمَقْصَدُ الثَّالِثُ) فِي اللَّهِ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ مَبَاحِثَ: الْأَوَّلُ فِي عَلَمِيَّتِهِ وَمُسَمَّاهُ الثَّانِي فِي أَصْلِهِ الثَّالِثُ فِي أَنَّهُ هَلْ هُوَ عَرَبِيٌّ أَوْ مُعَرَّبٌ الرَّابِعُ فِي الْخِلَافِ فِي أَنَّ الِاسْمَ الْأَعْظَمَ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ (الْمَقْصِدُ الرَّابِعُ) فِي الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَيَتَعَلَّقُ بِهِمَا مَبْحَثَانِ: الْأَوَّلُ فِي لَفْظِهِمَا نَوْعًا وَاشْتِقَاقًا الثَّانِي فِي عِلَّةِ تَقْدِيمِ اللَّهِ عَلَيْهِمَا وَتَقْدِيمِ الرَّحْمَنِ مِنْهُمَا عَلَى الرَّحِيمِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِبَيَانِ مَعْنَاهُمَا وَغَيْرِهِ اهـ مِنْ مُقَدَّمَةِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْبَسْمَلَةِ اهـ مَدَابِغِيٌّ عَلَى التَّحْرِيرِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ اُسْتُشْكِلَتْ جُمْلَةُ الْبَسْمَلَةِ بِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ خَبَرِيَّةً وَرَدَ أَنَّ مِنْ شَأْنِ الْخَبَرِ الصَّادِقِ أَنْ يَتَحَقَّقَ مَدْلُولُهُ فِي الْوَاقِعِ بِدُونِهِ وَيَكُونُ الْخَبَرُ حِكَايَةً عَنْهُ وَمَا هُنَا بِخِلَافِ ذَلِكَ لِأَنَّ مُصَاحَبَةَ الِاسْمِ وَالِاسْتِعَانَةَ بِهِ وَهُمَا مِنْ تَتِمَّةِ الْخَبَرِ لَا يَتَحَقَّقَانِ إلَّا بِهَذَا اللَّفْظِ وَإِنْ كَانَتْ إنْشَائِيَّةً وَرُدَّ أَنَّ مِنْ شَأْنِ الْإِنْشَاءِ أَنْ يَتَحَقَّقَ مَدْلُولُهُ بِهِ وَأَصْلُ جُمْلَةِ الْبَسْمَلَةِ بِخِلَافِ ذَلِكَ غَالِبًا إذْ كُلُّ مَا لَيْسَ بِقَوْلٍ كَالْأَكْلِ وَالسَّفَرِ لَا يَحْصُلُ بِالْبَسْمَلَةِ فَكَيْفَ صَحَّ تَقْدِيرُ آكُلُ أَوْ أُسَافِرُ بِاسْمِهِ لِقَصْدِ الْإِنْشَاءِ وَإِنْ كَانَتْ لِإِنْشَاءِ الْمُصَاحَبَةِ أَوْ الِاسْتِعَانَةِ.
وَرُدَّ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ لِإِنْشَاءِ مُتَعَلِّقِهَا وَيَكُونُ الْأَصْلُ غَيْرَ مَقْصُودٍ وَذَلِكَ فِي غَايَةِ النُّدُورِ اهـ شَنَوَانِيٌّ عَلَى الْفَاكِهِيِّ عَلَى قَطْرِ النَّدَى قَالَ سم وَأَجَابَ شَيْخُنَا بِأَنَّهَا خَبَرِيَّةُ الصَّدْرِ إنْشَائِيَّةٌ الْعَجُزِ اهـ (قَوْلُهُ أَيْ أُوَلِّفُ) بَيَانٌ لِمَا هُوَ الْأَوْلَى فِي مُتَعَلِّقِ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ مِنْ كَوْنِهِ فِعْلًا مُؤَخَّرًا خَاصًّا وَفِي تَقْدِيرِ الْمُتَعَلِّقِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْبَاءَ غَيْرُ زَائِدَةٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ ع ش (قَوْلُهُ وَالِاسْمُ مُشْتَقٌّ