مِنْ السُّمُوِّ وَهُوَ الْعُلُوُّ وَاَللَّهُ عَلَمٌ عَلَى الذَّاتِ الْوَاجِبِ الْوُجُودِ وَالرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صِفَتَانِ مُشَبَّهَتَانِ بُنِيَتَا لِلْمُبَالَغَةِ مِنْ رَحِمَ وَالرَّحْمَنُ أَبْلَغُ مِنْ الرَّحِيمِ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْبِنَاءِ تَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْمَعْنَى كَمَا فِي قَطَعَ وَقَطَّعَ وَلِقَوْلِهِمْ رَحْمَنُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرَحِيمُ الْآخِرَةِ وَقِيلَ: رَحِيمُ الدُّنْيَا.
ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ السُّمُوِّ) أَيْ مَأْخُوذٌ مِنْهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الِاشْتِقَاقَ الْحَقِيقِيَّ لِأَنَّ لَفْظَ الِاسْمِ جَامِدٌ فَالْمُرَادُ بِاشْتِقَاقِهِ أَخْذُهُ اهـ شَيْخُنَا وَقَوْلُهُ وَهُوَ الْعُلُوُّ فَالِاسْمُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمَحْذُوفَةِ الْأَعْجَازِ كَيَدٍ وَدَمٍ بُنِيَتْ أَوَائِلُهَا عَلَى السُّكُونِ وَأُدْخِلَتْ عَلَيْهَا هَمْزَةُ الْوَصْلِ لِتَعَذُّرِ الِابْتِدَاءِ بِالسَّاكِنِ اهـ زِيَادِيٌّ (قَوْلُهُ مِنْ السُّمُوِّ) وَقِيلَ: مِنْ الْوَسْمِ قَالَ حَجّ زِيَادَةً عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَقِيلَ: مِنْ السَّمِيَّا فَوَزْنُهُ عَلَى الْأَوَّلِ افْعٌ وَعَلَى الثَّانِي اعْلٌ وَعَلَى الثَّالِثِ افْلٌ اهـ ع ش.
(قَوْلُهُ وَاَللَّهُ عَلَمٌ) أَيْ بِالْغَلَبَةِ التَّقْدِيرِيَّةِ عِنْدَ جَمْعٍ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْكَشَّافِ وَالْقَاضِي وَبِالْغَلَبَةِ التَّحْقِيقِيَّةِ عِنْدَ جَمْعٍ مِنْهُمْ ابْنُ مَالِكٍ اهـ ح ل وَقَوْلُهُ وَبِالْغَلَبَةِ التَّحْقِيقِيَّةِ إلَخْ يُؤْخَذُ مِنْ بَعْضِ حَوَاشِي ع ش الْجَمْعُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ وَنَصُّ عِبَارَتِهِ وَاَللَّهُ عَلَمٌ أَيْ بِالْغَلَبَةِ التَّقْدِيرِيَّةِ إنْ جُعِلَ عَلَمًا عَلَى ذَاتِهِ تَعَالَى وَبِالْغَلَبَةِ التَّحْقِيقِيَّةِ إنْ رُوعِيَ أَصْلُهُ وَهُوَ إلَهٌ وَلَمْ تُجْعَلْ ذَاتُهُ مَقْصُودَةً بِالْوَضْعِ مِنْهُ لِسَبْقِ اسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِ ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْغَلَبَةَ التَّحْقِيقِيَّةَ هِيَ غَلَبَةُ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَا اُخْتُصَّ بِهِ بِأَنْ سَبَقَ لَهُ اسْتِعْمَالٌ فِي غَيْرِ مَعْنَى الْعَلَمِيَّةِ وَأَمَّا الْغَلَبَةُ التَّقْدِيرِيَّةُ فَهِيَ اخْتِصَاصُ اللَّفْظِ بِمَعْنًى مَعَ إمْكَانِ اسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِهِ بِحَسَبِ الْوَضْعِ لَكِنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِيهِ حِينَئِذٍ فَلَا يُطْلَقُ الْقَوْلُ بِأَنَّهَا غَلَبَةٌ تَقْدِيرِيَّةٌ أَوْ تَحْقِيقِيَّةٌ لِأَنَّهَا بِالنَّظَرِ لِمَا قَبْلَ الْعِلْمِيَّةِ تَحْقِيقِيَّةٌ وَلِمَا بَعْدَهَا تَقْدِيرِيَّةٌ اهـ.
(قَوْلُهُ مِنْ رَحِمَ) أَيْ مِنْ مَصْدَرِهِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الِاشْتِقَاقِ أَيْ بَعْدَ تَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ أَوْ جَعْلِهِ لَازِمًا وَنَقْلِهِ إلَى فَعُلَ بِالضَّمِّ اهـ زِيَادِيٌّ فَإِنْ قُلْت: إذَا جُعِلَ الْمُتَعَدِّي لَازِمًا فَمَا الْحَاجَةُ إلَى نَقْلِهِ إلَى فَعُلَ؟ قُلْت: لِإِفَادَةِ الْمُبَالَغَةِ لِأَنَّهَا تَحْصُلُ مِنْ جَعْلِ الْفِعْلِ بِمَنْزِلَةِ الْغَرَائِزِ أَوْ مَا فِي حُكْمِهَا وَالْغَرَائِزُ الْأُمُورُ الطَّبِيعِيَّةُ اللَّازِمَةُ كَالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ وَمَا فِي حُكْمِهَا هُوَ مَا صَارَ مَلَكَةً وَهُمَا مَبْنِيَّانِ مِنْ فَعُلَ بِضَمِّ الْعَيْنِ قَالَ أَهْلُ الصَّرْفِ: هَذَا الْبَابُ مَوْضُوعٌ لِلصِّفَاتِ اللَّازِمَةِ مِمَّا جُبِلَ الْإِنْسَانُ عَلَيْهِ أَوْ صَارَ مَلَكَةً لَهُ بِالتَّكْرَارِ اهـ تَقْرِيرُ بَعْضِهِمْ.
(فَائِدَةٌ) : اشْتِقَاقُ رَحْمَنٍ مِنْ رَحُمَ بِالضَّمِّ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ لِأَنَّ فَعُلَ الْمَضْمُومَ الْعَيْنِ لَا تَأْتِي مِنْهُ الصِّفَةُ الْمُشَبَّهَةُ قِيَاسًا إلَّا عَلَى فَعَلٌ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَعِيلٍ بِكَثْرَةٍ وَأَفْعَلَ وَفَعَلٍ بِفَتْحِ الْعَيْنِ كَمَا قَالَ النَّاظِمُ
وَفَعْلٌ أُولَى وَفَعِيلٌ بِفَعُلْ ... كَالضَّخْمِ وَالْجَمِيلِ وَالْفِعْلُ جَمُلْ
وَأَفْعَلٌ فِيهِ قَلِيلٌ وَفَعَلْ
وَالصَّحِيحُ أَنَّ اقْتِضَاءَ زِنَةِ فَعْلَانَ الْمُبَالَغَةَ خَاصٌّ بِمَا إذَا كَانَ لَهُ اسْمُ فَاعِلٍ عَلَى غَيْرِ وَزْنِ فَعْلَانَ كَمَا هُنَا بِخِلَافِ نَحْوِ غَضْبَانَ فَلَيْسَ لِلْمُبَالَغَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ اسْمُ فَاعِلٍ عَلَى غَيْرِ وَزْنِ فَعْلَانَ اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْمَلَوِيِّ عَلَى الْمَكُودِيِّ شَارِحِ أَلْفِيَّةِ ابْنِ مَالِكٍ فِي عِلْمِ النَّحْوِ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا مِنْ رَحِمَ) أَيْ مِنْ مَصْدَرِهِ وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْفِعْلِ تَقْرِيبًا وَلِضِيقِ الْعِبَارَةِ إذْ لَيْسَ مَصْدَرُهُ وَاحِدًا حَتَّى يَعُودَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ مِنْ أَنَّ الِاشْتِقَاقَ مِنْ الْفِعْلِ ثُمَّ رَأَيْت الشِّهَابَ ابْنَ عَبْدِ الْحَقِّ فِي شَرْحِ الْبَسْمَلَةِ سَبَقَ إلَى مَا ذَكَرْتُهُ مَعَ زِيَادَةٍ لَكِنَّهُ جَعَلَ النُّكْتَةَ فِي الْعُدُولِ إلَى لَفْظِ الْفِعْلِ غَيْرَ مَا ذَكَرْتُهُ فَلْيُرَاجَعْ وَالنِّكَاتُ لَا تَتَزَاحَمُ بَلْ مَا ذَكَرَهُ عِنْدَ التَّحْقِيقِ يَرْجِعُ إلَى مَا ذَكَرْتُهُ هَذَا كُلُّهُ إنْ كَانَ لَفْظُ رَحِمَ مَفْتُوحَ الْأَوَّلِ مَكْسُورَ الثَّانِي فَإِنْ جُعِلَ مَضْمُومُ الْأَوَّلِ سَاكِنُ الثَّانِي مَصْدَرًا فَلَا إشْكَالَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشِّهَابُ الْمَذْكُورُ فَانْدَفَعَ مَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ اهـ رُشْدِيٌّ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ وَرَحِمْت زَيْدًا بِالْكَسْرِ رُحْمًا بِضَمِّ الرَّاءِ وَرَحْمَةً وَمَرْحَمَةً اهـ (قَوْلُهُ تَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْمَعْنَى) أَيْ غَالِبًا فَلَا نَقْضَ بِحَذِرٍ الْأَبْلَغِ مِنْ حَاذِرٍ اهـ زِيَادِيٌّ.
وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ عَلَى الْخَطِيبِ وَقَوْلُهُمْ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْبِنَاءِ تَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْمَعْنَى هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَشْرُوطَةٌ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الصِّفَاتِ الْجِبِلِّيَّةِ فَخَرَجَ نَحْوُ شَرِهٍ وَنَهِمٍ لِأَنَّ الصِّفَاتِ الْجِبِلِّيَّةَ لَا تَتَفَاوَتُ وَالثَّانِي أَنْ يَتَّحِدَ اللَّفْظَانِ فِي النَّوْعِ فَخَرَجَ حَذِرٌ وَحَاذِرٌ الثَّالِثُ أَنْ يَتَّحِدَا فِي الِاشْتِقَاقِ فَخَرَجَ زَمِنٌ وَزَمَانٌ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ وَلِقَوْلِهِمْ) لَمْ يَقُلْ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَنَّ كُلًّا مِمَّا ذَكَرَهُ غَيْرُ حَدِيثٍ لِأَنَّ حَاصِلَ الصِّيَغِ الَّتِي وَرَدَتْ هُنَا سِتُّ صِيَغٍ صِيغَتَانِ مِنْهَا حَدِيثَانِ وَهُمَا «الرَّحْمَنُ رَحْمَنُ الدُّنْيَا وَالرَّحِيمُ رَحِيمُ الْآخِرَةِ» وَالصِّيغَةُ الثَّانِيَةُ «يَا رَحْمَنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرَحِيمَهُمَا» ` وَأَمَّا بَقِيَّةُ الصِّيَغِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فَهِيَ غَيْرُ أَحَادِيثَ وَهِيَ أَرْبَعُ صِيَغٍ يَا رَحْمَنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرَحِيمَ الْآخِرَةِ يَا رَحْمَنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرَحِيمَ الدُّنْيَا يَا رَحْمَنَ الدُّنْيَا وَرَحِيمَ الْآخِرَةِ يَا رَحْمَنَ الْآخِرَةِ وَرَحِيمَ الدُّنْيَا اهـ حف وَقَوْلُهُ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ الصِّيغَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فِي الشَّارِحِ لَيْسَ