وَكَانَ فِيهِ قَدْرُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَقِيلَ عِشْرُونَ. وَلَوْ شَرَعَ فِي الصَّوْمِ ثُمَّ وَجَدَ الرَّقَبَةَ نُدِبَ عِتْقُهَا، وَلَوْ شَرَعَ فِي الْإِطْعَامِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الصَّوْمِ نُدِبَ لَهُ، فَلَوْ عَجَزَ عَنْ جَمِيعِ الْخِصَالِ الْمَذْكُورَةِ اسْتَقَرَّتْ الْكَفَّارَةُ فِي ذِمَّتِهِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَرَ الْأَعْرَابِيَّ بِأَنْ يُكَفِّرَ بِمَا دَفَعَهُ إلَيْهِ مَعَ إخْبَارِهِ بِعَجْزِهِ» ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا ثَابِتَةٌ فِي الذِّمَّةِ لِأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى الْمَالِيَّةَ إذَا عَجَزَ عَنْهَا الْعَبْدُ وَقْتَ وُجُوبِهَا فَإِنْ كَانَتْ لَا بِسَبَبٍ مِنْهُ كَزَكَاةِ الْفِطْرِ لَمْ تَسْتَقِرَّ، وَإِنْ كَانَتْ بِسَبَبٍ مِنْهُ اسْتَقَرَّتْ فِي ذِمَّتِهِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَفِدْيَةِ الْحَلْقِ أَمْ لَا، كَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَالْيَمِينِ وَالْجِمَاعِ وَدَمِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ اسْتَقَرَّتْ لَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَوَاقِعَ بِإِخْرَاجِهَا بَعْدُ. أُجِيبُ بِأَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ جَائِزٌ وَهُوَ وَقْتُ الْقُدْرَةِ، فَإِذَا قَدَرَ عَلَى خَصْلَةٍ مِنْهَا فَعَلَهَا كَمَا لَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهَا وَقْتَ الْوُجُوبِ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى أَكْثَرَ رَتَّبَ وَلَهُ الْعُدُولُ عَنْ الصَّوْمِ إلَى الْإِطْعَامِ لِشِدَّةِ الْغُلْمَةِ وَهِيَ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ وَلَامٍ سَاكِنَةٍ: شِدَّةُ الْحَاجَةِ لِلنِّكَاحِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْفَقِيرِ صَرْفُ كَفَّارَتِهِ إلَى عِيَالِهِ كَالزَّكَوَاتِ وَسَائِرِ الْكَفَّارَاتِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخَبَرِ: «أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ» فَفِي الْأُمِّ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمَّا أَخْبَرَهُ بِفَقْرِهِ صَرَفَهُ لَهُ صَدَقَةً وَفِي ذَلِكَ أَجْوِبَةٌ أُخَرُ ذَكَرْتهَا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ.

(وَمَنْ مَاتَ) مُسْلِمًا كَمَا قَيَّدَ بِهِ فِي الْقُوتِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ ضَحِكُهُ لَا يُنَافِي أَنَّهُ ضَحِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ. وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا جَرَى أَيْ غَلَبَ بِهِ الضَّحِكُ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ. وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَائِمَ الْبِشْرِ ضَحُوكَ السِّنِّ، أَيْ أَكْثَرُ أَحْوَالِهِ ذَلِكَ حَسْبَمَا رَآهُ هَذَا الْمُخْبِرُ؛ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مُتَوَاصِلَ الْأَحْزَانِ دَائِمَ الْفِكْرَةِ لَيْسَتْ لَهُ رَاحَةٌ، فَإِنَّهُ بِحَسَبِ مَا كَانَ عِنْدَ ذَلِكَ الْمُخْبِرِ. وَفِي كَلَامِ ابْنِ الْقَيِّمِ: قَدْ صَانَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الْحُزْنِ فِي الدُّنْيَا وَأَسْبَابِهَا وَنَهَاهُ عَنْ الْحُزْنِ عَلَى الْكُفَّارِ، وَغَفَرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، فَمِنْ أَيْنَ يَأْتِيهِ الْحُزْنُ؟ بَلْ كَانَ دَائِمَ الْبِشْرِ ضَحُوكَ السِّنِّ كَذَا قَالَ وَفِي كَلَامِ ابْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ تَيْمِيَّةَ لَيْسَ الْمُرَادُ الْحُزْنَ الَّذِي هُوَ الْأَلَمُ عَلَى فَوَاتِ مَطْلُوبٍ أَوْ حُصُولِ مَكْرُوهٍ فَإِنَّ ذَلِكَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الِاهْتِمَامُ وَالتَّيَقُّظُ لِمَا يَسْتَقْبِلُهُ مِنْ الْأُمُورِ وَهَذَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْقَلْبِ وَالْعَيْنِ اهـ. وَفِي الْمُنَاوِيِّ عَلَى الْخَصَائِصِ: تَنْبِيهٌ: كَانَ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَضْحَكُ إلَّا تَبَسُّمًا، قَالَ فِي الْكَشَّافِ: وَكَذَلِكَ ضَحِكُ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.

قَوْلُهُ: (حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ) عِبَارَةُ حَجّ فِي شَرْحِ الْهَمَزِيَّةِ: حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، بِالْجِيمِ وَالذَّالِ: الْأَضْرَاسُ، وَهِيَ لَا تَكَادُ تَظْهَرُ إلَّا عِنْدَ الْمُبَالَغَةِ فِي الضَّحِكِ. وَهَذَا مِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ، وَالْغَالِبُ تَبَسُّمُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ قَالَ الْبُوصِيرِيُّ:

سَيِّدٌ ضَحِكُهُ التَّبَسُّمُ وَالْمَشْيُ ... الْهُوَيْنَا وَنَوْمُهُ الْإِغْفَاءُ

وَعِبَارَةُ مُرَاقِيٍّ الْفَلَّاحِ لِبَعْضِ السَّادَةِ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ الْقَهْقَهَةَ هِيَ مَا يَكُونُ مَسْمُوعًا لِجِيرَانِهِ، وَالضَّحِكُ هُوَ مَا سَمِعَهُ هُوَ دُونَ جِيرَانِهِ، وَالتَّبَسُّمُ مَا لَا صَوْتَ فِيهِ وَلَوْ بَدَتْ بِهِ الْأَسْنَانُ قَوْلُهُ: (فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ) أَيْ وَاسْتَقَرَّتْ الْكَفَّارَةُ فِي ذِمَّتِهِ.

قَوْلُهُ: (وَكَانَ فِيهِ قَدْرُ إلَخْ) الْأَوْلَى حَذْفُ قَوْلِهِ قَدْرُ، إلَّا أَنْ تَكُونَ الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةً.

قَوْلُهُ: (نُدِبَ عِتْقُهَا) وَيَنْقَلِبُ صَوْمُهُ نَفْلًا وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ. فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ فِي أَثْنَاءِ التَّيَمُّمِ بِلَا مَانِعٍ؟ قُلْت: كُلُّ خَصْلَةٍ هُنَا أَصْلٌ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الْكُلِّ رَتَّبَ.

قَوْلُهُ: (اسْتَقَرَّتْ الْكَفَّارَةُ فِي ذِمَّتِهِ) أَيْ مُرَتَّبَةً عَلَى الرَّاجِحِ. قَوْلُهُ: (فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا ثَابِتَةٌ فِي الذِّمَّةِ) أَيْ لَوْ لَمْ يُكَفِّرْ بِمَا دَفَعَهُ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَوْلُهُ " فِي الذِّمَّةِ " أَيْ عِنْدَ الْعَجْزِ.

قَوْلُهُ: (الْمَالِيَّةَ) أَمَّا الْبَدَنِيَّةُ كَالصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهَا عَلَى حَسَبِ حَالِهِ.

قَوْلُهُ: (لِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) هَذَا يُخَالِفُ مَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّهُ دَفَعَهُ لَهُ لِيُكَفِّرَ بِهِ، نَعَمْ يُنَاسِبُ مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ صَرَفَهُ لَهُ صَدَقَةً لَا لِيُكَفِّرَ بِهِ.

قَوْلُهُ: (بَعْدَ) أَيْ بَعْدَ قُدْرَتِهِ.

قَوْلُهُ: (بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ) أَيْ مَضْمُومَةٍ.

قَوْلُهُ: (صَرَفَهُ لَهُ صَدَقَةً) أَيْ صَدَقَةً عَلَى عِيَالِهِ، أَيْ وَاسْتَقَرَّتْ الْكَفَّارَةُ فِي ذِمَّتِهِ.

قَوْلُهُ: (أَجْوِبَةٌ) أَوْلَاهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَفَّرَ عَنْهُ بِالْعَرَقِ وَدَفَعَهُ لَهُ لِيُطْعِمَهُ لِأَهْلِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَقَدْ عَلِمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُمْ كَانُوا سِتِّينَ مِسْكِينًا، وَكَانَ ذَلِكَ إعْلَامًا بِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَأْكُلَ هُوَ وَعِيَالُهُ مِنْ كَفَّارَتِهِ إذَا لَمْ تَكُنْ مِنْ مَالِهِ بِأَنْ كَفَّرَ غَيْرُهُ عَنْهُ وَلَوْ بِإِذْنِهِ ق ل. فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ شُرِعَتْ الْكَفَّارَةُ فِي الْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015