قَالَ: وَاقَعْت امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ. قَالَ: هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ لَا؟ قَالَ: فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ لَا. ثُمَّ جَلَسَ فَأُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ فَقَالَ: تَصَدَّقْ بِهَذَا فَقَالَ: عَلَى أَفْقَرَ مِنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَاَللَّهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَيْ جَبَلَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إلَيْهِ مِنَّا. فَضَحِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ» وَالْعَرَقُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ مِكْتَلٌ يُنْسَجُ مِنْ خُوصِ النَّخْلِ،

ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مَا هَذِهِ؟ قُلْت: هِرَّةٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ» وَكَانَ يُكَنَّى قَبْلَهَا أَبَا الْأَسْوَدِ " وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ اسْمِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَبْدَ شَمْسٍ فَسَمَّانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدَ الرَّحْمَنِ» ذَكَرَهُ الشَّبْرَخِيتِيُّ عَلَى الْأَرْبَعِينَ. قَوْلُهُ: (رَجُلٌ) اسْمُهُ سَلَمَةُ بْنُ صَخْرٍ الْبَيَاضِيُّ، وَقِيلَ: سَلْمَانُ. وَإِبْهَامُهُ لَا يَضُرُّ فِي الْحَدِيثِ إذْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ غَرَضٌ، رَحْمَانِيٌّ. وَقَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ: اُخْتُلِفَ فِي اسْمِ الْأَعْرَابِيِّ، قِيلَ: هُوَ سَلَمَةُ بْنُ صَخْرٍ، وَفِي التَّمْهِيدِ أَنَّ الْمُجَامِعَ فِي رَمَضَانَ سَلْمَانُ بْنُ صَخْرٍ، وَأَظُنُّهُ وَهْمًا مِنْ الرُّوَاةِ؛ أَيْ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ الْمُظَاهِرُ وَأَمَّا الْمُجَامِعُ فَأَعْرَابِيٌّ، فَهُمَا وَاقِعَتَانِ، فَإِنَّ قِصَّةَ الْمُجَامِعِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّهُ كَانَ صَائِمًا، وَفِي قِصَّةِ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لَيْلًا، فَافْتَرَقَا، وَاجْتِمَاعُهُمَا كَوْنُهُمَا مِنْ بَنِي بَيَاضَةَ. قَوْلُهُ: (فَقَالَ هَلَكْت) يُفِيدُ أَنَّهُ عَالِمٌ بِالْحُرْمَةِ دُونَ الْكَفَّارَةِ، وَجَوَابُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدُلُّ لَهُ لِأَنَّ الْجَاهِلَ لَا يُفْطِرُ وَلَا تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ تَأَمَّلْ ق ل. قَوْلُهُ: (مَا تُعْتِقُ) بِضَمِّ التَّاءِ مِنْ أَعْتَقَ.

قَوْلُهُ: (رَقَبَةً) بِالنَّصْبِ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ " مَا " الْمَوْصُوفَةِ الْوَاقِعَةِ عَلَى الرَّقَبَةِ، وَهِيَ مَفْعُولُ " تَجِدُ " كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَالْقُرْطُبِيُّ، وَمَفْعُولُ " تُعْتِقُ " مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: تُعْتِقُهَا، وَلَا يَتَعَيَّنُ بَلْ يَجُوزُ كَوْنُهَا مَفْعُولَ تُعْتِقُ وَعَائِدُ " مَا " مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ: هَلْ تَجِدُ شَيْئًا أَوْ مَالًا تُعْتِقُ بِهِ؟ وَهَذَا أَرْجَحُ لِيُوَافِقَ قَوْلَهُ بَعْدَهُ: «فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا» فَإِنَّ " سِتِّينَ " مَفْعُولُ " تُطْعِمُ " قَطْعًا وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ " مَا ". اهـ. سُيُوطِيٌّ. وَقَرَّرَ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ " مَا تُعْتِقُ " مَوْصُولٌ حَرْفِيٌّ وَتَجِدُ بِمَعْنَى تَسْتَطِيعُ، أَيْ هَلْ تَسْتَطِيعُ إعْتَاقَ إلَخْ.

وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ الْآتِي «فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ» لِأَنَّ جَعْلَهَا مَوْصُولًا اسْمِيًّا يَلْزَمُ عَلَيْهِ حَذْفُ الْعَائِدِ الْمَجْرُورِ بِدُونِ شَرْطِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (فَأُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) عَلَى سَبِيلِ الْهَدِيَّةِ؛ لِأَنَّ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ لَا تَحِلُّ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَالْفَرْضِ. قَوْلُهُ: (فَقَالَ تَصَدَّقْ) أَيْ كَفِّرْ بِهِ.

قَوْلُهُ: (مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا) " مَا " نَافِيَةٌ حِجَازِيَّةٌ، وَ " أَهْلُ " بِالرَّفْعِ اسْمُهَا، وَ " أَحْوَجَ " بِالنَّصْبِ خَبَرُهَا، " وَبَيْنَ " ظَرْفٌ لِ " أَحْوَجَ " اهـ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ:

وَسَبْقُ حَرْفِ جَرٍّ أَوْ ظَرْفٍ كَمَا ... بِي أَنْتَ مَعْنِيًّا أَجَازَ الْعُلَمَا

وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ " مَا " نَافِيَةً مُهْمَلَةً، " وَبَيْنَ " خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، " وَأَهْلُ " بَيْتٍ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ، وَ " أَحْوَجُ " بِالرَّفْعِ صِفَةُ " أَهْلٍ " أَوْ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِيَّةِ، " وَلَابَتَيْهَا " تَثْنِيَةُ لَابَةٍ، وَضَمِيرُهَا لِلْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ وَهُمَا الْحَرَّتَانِ مِنْ جَانِبَيْهَا الْمَحْدُودُ بِهِمَا حَرَمُهَا الشَّرِيفُ. وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ " لَابَتَيْهَا " جَبَلَاهَا رَدَّهُ ق ل. وَالْحَرَّةُ أَرْضٌ ذَاتُ حِجَارَةٍ سُودٍ.

قَوْلُهُ: (أَحْوَجَ) فِيهِ بِنَاءُ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ مِنْ فِعْلٍ غَيْرِ ثُلَاثِيٍّ وَهُوَ احْتَاجَ.

قَوْلُهُ: (فَضَحِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ تَعَجُّبًا مِنْ حَالِ السَّائِلِ فِي كَوْنِهِ جَاءَ هَالِكًا مُتَلَهِّفًا ثُمَّ انْتَقَلَ لِطَلَبِ الطَّعَامِ لِنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ، أَوْ تَعَجُّبًا مِنْ رَحْمَتِهِ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِطْعَامِهِ الطَّعَامَ بَعْدَ أَنْ كَانَ أَمَرَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ.

فَالتَّعَجُّبُ إمَّا مِنْ حَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ حَالِ السَّائِلِ، كُلٌّ مُحْتَمَلٌ. وَالضَّحِكُ غَيْرُ التَّبَسُّمِ، وَقَدْ جَاءَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ ضَحِكُهُ التَّبَسُّمَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْغَالِبُ مِنْ ضَحِكِهِ التَّبَسُّمَ.

وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا} [النمل: 19] فَحَالٌ مُقَدَّرَةٌ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ وَهْمٌ. وَعِبَارَةُ ح ل فِي السِّيرَةِ: جُلُّ أَيْ مُعْظَمُ ضَحِكِهِ التَّبَسُّمُ. وَكَوْنُ مُعْظَمِ ضَحِكِهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015