الْكَفَّارَةِ، وَكَذَا حُدُوثُ الْمَرَضِ لَا يُسْقِطُهَا لِأَنَّ الْمَرَضَ لَا يُنَافِي الصَّوْمَ فَيَتَحَقَّقُ هَتْكُ حُرْمَتِهِ. (وَهِيَ) أَيْ الْكَفَّارَةُ الْمَذْكُورَةُ مُرَتَّبَةٌ فَيَجِبُ أَوَّلًا (عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) سَلِيمَةٍ مِنْ الْعُيُوبِ الْمُضِرَّةِ بِالْعَمَلِ وَالْكَسْبِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الظِّهَارِ.

(فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) هَا (فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) صَوْمَهُمَا (فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) أَوْ فَقِيرًا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ هَلَكْتُ قَالَ: وَمَا أَهْلَكَك؟

ـــــــــــــــــــــــــــــQفَجُنَّ بِسَبَبِهِ، وَانْتِقَالُهُ إلَى بَلَدٍ رَآهُمْ فِيهِ مُعِيدِينَ مَطْلَعُهُمْ مُخَالِفٌ لِمَطْلَعِ بَلَدِهِ الَّذِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِيهِ الْكَفَّارَةُ ع ش. وَقَالَ س ل: لَا تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ إذَا تَعَدَّى بِالْجُنُونِ، وَكَذَا لَوْ جَامَعَ فِي بَلَدِهِ يَوْمًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ صَوْمُهُ كَيَوْمِ عِيدٍ وَانْتَقَلَ إلَى بَلَدٍ يُخَالِفُ بَلَدَهُ فِي الْمَطْلَعِ فَرَآهُمْ صِيَامًا فَلَا كَفَّارَةَ أَيْضًا.

قَوْلُهُ: (وَكَذَا حُدُوثُ الْمَرَضِ) وَمِثْلُهُ الْإِغْمَاءُ وَالرِّدَّةُ وَإِنْ مَاتَ عَقِبَهُمَا.

قَوْلُهُ: (عِتْقُ رَقَبَةٍ) مِنْ إطْلَاقِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ. وَلَمَّا كَانَ الْمِلْكُ كَالْغُلِّ فِي الرَّقَبَةِ وَالْعِتْقُ يُزِيلُهُ عَبَّرَ عَنْهُ بِهَذَا الْعُضْوِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ الْغُلِّ.

قَوْلُهُ: (مَرْتَبَةٌ) وَالْحِكْمَةُ فِي تَرْتِيبِ هَذِهِ الْكَفَّارَةِ أَنَّ مَنْ انْتَهَكَ حُرْمَةَ الصَّوْمِ بِالْجِمَاعِ فَقَدْ أَهْلَكَ نَفْسَهُ بِالْمَعْصِيَةِ، فَنَاسَبَ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً فَيَفْدِي نَفْسَهُ. وَقَدْ صَحَّ: " مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ " وَأَمَّا الصِّيَامُ فَإِنَّهُ كَالْمُقَاصَّةِ بِجِنْسِ الْجِنَايَةِ؛ وَكَوْنُهُ شَهْرَيْنِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَمَرَ بِمُصَابَرَةِ النَّفْسِ فِي حِفْظِ كُلِّ يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى الْوَلَاءِ، فَلَمَّا أَفْسَدَ مِنْهُ يَوْمًا كَانَ كَمَنْ أَفْسَدَ الشَّهْرَ كُلَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ كَعِبَادَةٍ وَاحِدَةٍ بِالنَّوْعِ وَكُلِّفَ شَهْرَيْنِ مُضَاعَفَةً عَلَى سَبِيلِ الْمُقَابَلَةِ لِنَقِيضِ قَصْدِهِ.

وَأَمَّا الْإِطْعَامُ فَمُنَاسَبَتُهُ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّ مُقَابِلَ كُلِّ يَوْمٍ إطْعَامُ مِسْكِينَيْنِ مُدَّيْنِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْمَعْصِيَةِ. اهـ. قَسْطَلَّانِيٌّ عَلَى الْبُخَارِيِّ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا) أَيْ حِسًّا بِأَنْ لَمْ يَجِدْهَا أَصْلًا، أَوْ شَرْعًا بِأَنْ لَمْ يَجِدْ ثَمَنَهَا أَوْ وَجَدَهَا تُبَاعُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهَا.

قَوْلُهُ: (فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) فَإِنْ تَكَلَّفَ الْعِتْقَ أَجْزَأَهُ، وَلَوْ بَانَ بَعْدَ صَوْمِهِمَا أَنَّ لَهُ مَالًا وَرِثَهُ وَلَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهِ لَمْ يَعْتَدَّ بِصَوْمِهِ أَيْ عَنْ الْكَفَّارَةِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَقَعُ لَهُ نَفْلًا فِيمَا يَظْهَرُ اعْتِبَارًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.

وَسُئِلَ الزِّيَادِيُّ عَنْ حِكْمَةِ صَوْمِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَوِقَاعِ رَمَضَانَ إذَا عَجَزَ عَنْ الْعِتْقِ، وَعَنْ حِكْمَةِ عَدَمِ صَوْمِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إذَا عَجَزَ عَنْ الرَّقَبَةِ فِي كَفَّارَةِ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، فَأَجَابَ بِأَنَّ الْقَتْلَ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَمَّا كَانَ مِنْ الْكَبَائِرِ وَكَذَلِكَ الظِّهَارُ وَالْوِقَاعُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ مِنْ الْكَبَائِرِ أَيْضًا غَلَّظَ عَلَيْهِ بِصَوْمِ شَهْرَيْنِ، وَلَا كَذَلِكَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ فِي الْجُمْلَةِ لَيْسَ مِنْ الْكَبَائِرِ. وَأَيْضًا لَمَّا كَانَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ أَكْثَرَ وُقُوعًا مِنْ الْقَتْلِ وَنَحْوِهِ خَفَّفَ فِيهِ مَا لَمْ يُخَفِّفْ فِي غَيْرِهِ اهـ قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) . فَرْعٌ: وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَنْ دَفْعِ الْكَفَّارَةِ لِلْجِنِّ: هَلْ يُجْزِئُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ إجْزَاءِ دَفْعِهَا لَهُمْ، بَلْ قَدْ يُقَالُ أَيْضًا مِثْلُ الْكَفَّارَةِ النَّذْرُ وَالزَّكَاةُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فِي الزَّكَاةِ صَدَقَةٌ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» إذْ الظَّاهِرُ مِنْهُ فُقَرَاءُ بَنِي آدَمَ وَإِنْ احْتَمَلَ فُقَرَاءَ الْمُسْلِمِينَ الصَّادِقِي بِالْجِنِّ. وَقَدْ يُؤَيِّدُ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ أَنَّهُ جُعِلَ لِمُؤْمِنِهِمْ طَعَامٌ خَاصٌّ وَهُوَ الْعَظْمُ وَلَمْ يُجْعَلْ لَهُمْ شَيْءٌ مِمَّا يَتَنَاوَلُهُ الْآدَمِيُّونَ؛ عَلَى أَنَّا لَا نُمَيِّزُ بَيْنَ فُقَرَائِهِمْ وَأَغْنِيَائِهِمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُسْتَحِقَّ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا نَظَرَ لِإِمْكَانِ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ الْبَعْضِ لِلْخَوَاصِّ النَّادِرَةِ لِأَنَّا لَا نُعَوِّلُ عَلَى الْأُمُورِ النَّادِرَةِ ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: قُلْت لِأَبِي هُرَيْرَةَ: لِمَ كُنِّيت بِأَبِي هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: كُنْت أَرْعَى غَنَمَ أَهْلِي، وَكَانَتْ لِي هِرَّةٌ صَغِيرَةٌ فَكُنْت أَجْعَلُهَا بِاللَّيْلِ فِي شَجَرَةٍ وَإِذَا كَانَ بِالنَّهَارِ ذَهَبْت بِهَا مَعِي، فَكُنِّيت بِهَا فَكَنَّوْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ. وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: «كُنْت أَحْمِلُ يَوْمًا هِرَّةً فِي كُمِّي، فَرَآنِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015