مِنْهُ. نَعَمْ مَنْ اعْتَقَدَ صِدْقَ مَنْ قَالَ: إنَّهُ رَآهُ مِمَّنْ ذَكَرَ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْبَغَوِيِّ فِي طَائِفَةٍ أَوَّلَ الْبَابِ، وَتَقَدَّمَ فِي أَثْنَائِهِ صِحَّةُ نِيَّةِ الْمُعْتَقِدِ لِذَلِكَ وَوُقُوعُ الصَّوْمِ عَنْ رَمَضَانَ إذَا تَبَيَّنَ كَوْنَهُ مِنْهُ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ مَا ذَكَرَ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ يَوْمَ الشَّكِّ الَّذِي يَحْرُمُ صَوْمُهُ هُوَ عَلَى مَنْ لَمْ يَظُنَّ الصِّدْقَ هَذَا مَوْضِعٌ، وَأَمَّا مَنْ ظَنَّهُ أَوْ اعْتَقَدَهُ صَحَّتْ النِّيَّةُ مِنْهُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وَهَذَانِ مَوْضِعَانِ، فَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ إنَّ كَلَامَ الشَّيْخَيْنِ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ مُتَنَاقِضٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ، وَفِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ، وَفِي مَوْضِعٍ يَمْتَنِعُ مَمْنُوعٌ. أَمَّا إذَا لَمْ يَتَحَدَّثْ أَحَدٌ بِالرُّؤْيَةِ فَلَيْسَ الْيَوْمُ يَوْمَ شَكٍّ بَلْ هُوَ مِنْ شَعْبَانَ، وَإِنْ أَطْبَقَ الْغَيْمُ لِخَبَرِ «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ.» .
فَرْعٌ: الْفِطْرُ بَيْنَ الصَّوْمَيْنِ وَاجِبٌ إذْ الْوِصَالُ فِي الصَّوْمِ فَرْضًا كَانَ أَوْ نَفْلًا حَرَامٌ لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَهُوَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQكَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ صَارَ يَوْمَ شَكٍّ فَلَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ تَارَةً يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يَوْمُ شَكٍّ فَيَحْرُمُ صَوْمُهُ، وَتَارَةً يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ فَيَجِبُ صَوْمُهُ عَلَى مَنْ اعْتَقَدَ الصِّدْقَ أَوْ يَجُوزُ لِمَنْ ظَنَّ الصِّدْقَ.
قَوْلُهُ: (مِمَّنْ ذَكَرَ) أَيْ فِي قَوْلِهِ بِعَدَدٍ تُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ.
قَوْلُهُ: (فِي طَائِفَةٍ) أَيْ مَعَ طَائِفَةٍ.
قَوْلُهُ: (فِي أَثْنَائِهِ) أَيْ الْبَابِ.
قَوْلُهُ: (الْمُعْتَقِدِ) الْمُرَادُ بِهِ الظَّانُّ لِئَلَّا يَتَّحِدَ مَعَ الْأَوَّلِ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: صِحَّةُ نِيَّةِ الظَّانِّ وَوُقُوعُ الصَّوْمِ عَنْ رَمَضَانَ إذَا تَبَيَّنَ كَوْنُهُ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (مَا ذَكَرَ) أَيْ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي هِيَ الْوُجُوبُ وَالْجَوَازُ وَالِامْتِنَاعُ. قَوْلُهُ: (صَحَّتْ النِّيَّةُ) أَيْ مَعَ جَوَازِ الصَّوْمِ؛ وَهَذَا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، فَكَلَامُهُ عَلَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ.
قَوْلُهُ: (وَوَجَبَ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الِاعْتِقَادِ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الظَّنِّ فَيَجُوزُ وَلَا يَجِبُ؛ وَإِذَا انْتَفَى الِاعْتِقَادُ وَالظَّنُّ امْتَنَعَ صَوْمُهُ عَنْ رَمَضَانَ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. وَقَوْلُهُ " وَهَذَانِ مَوْضِعَانِ " أَيْ الظَّنُّ وَالِاعْتِقَادُ.
قَوْلُهُ: (فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ) أَيْ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ.
قَوْلُهُ: (بَلْ هُوَ مِنْ شَعْبَانَ) أَيْ فَيَحْرُمُ صَوْمُهُ لِكَوْنِهِ بَعْدَ النِّصْفِ لَا لِكَوْنِهِ يَوْمَ شَكٍّ، وَأَمَّا يَوْمُ الشَّكِّ فَيَحْرُمُ لِسَبَبَيْنِ.
قَوْلُهُ (الْفِطْرُ بَيْنَ الصَّوْمَيْنِ) أَيْ تَعَاطِي الْمُفْطِرِ إلَخْ، وَإِلَّا فَفِي اللَّيْلِ يَحْكُمُ عَلَى الشَّخْصِ بِأَنَّهُ مُفْطِرٌ وَإِنْ لَمْ يَتَعَاطَ مُفْطِرًا؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ لَيْسَ مَحَلًّا لِلصَّوْمِ فَيَصْدُقُ عَلَى الشَّخْصِ فِيهِ أَنَّهُ مُفْطِرٌ وَإِنْ لَمْ يَتَنَاوَلْ شَيْئًا مِنْ الْمُفْطِرَاتِ حَقِيقَةً. وَشَمِلَ تَعَاطِي الْمُفْطِرِ مَا كَانَ عَلَى جَهْلٍ أَوْ نِسْيَانٍ، أَيْ إذَا تَعَاطَى مُفْطِرًا نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا كَفَى فَيَخْرُجُ مِنْ الْحُرْمَةِ. قَالَ فِي الْخَصَائِصِ: وَاخْتَصَّ بِجَوَازِ الْوِصَالِ لَهُ فِي الصَّوْمِ لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «إيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ، قِيلَ: فَإِنَّك تُوَاصِلُ. قَالَ: فَإِنَّكُمْ لَسْتُمْ فِي ذَلِكَ مِثْلِي إنِّي أَبِيتُ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي فَاكْلَفُوا» بِضَمٍّ فَسُكُونٍ أَيْ الْزَمُوا " مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ ". وَأَنْ يَجْتَنِبُوا تَتَابُعَ الصَّوْمِ بِغَيْرِ فِطْرٍ لَيْلًا، فَإِنَّهُ حَرَامٌ يُوجِبُ الْفِسْقَ وَالْمَلَلَ وَالْعَجْزَ عَنْ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ وَظَائِفِ الْعِبَادَاتِ وَالْقِيَامِ بِحَقِّهَا، فَإِنَّكُمْ لَسْتُمْ فِي ذَلِكَ مِثْلِي أَيْ عَلَى صِفَتِي وَمَنْزِلَتِي مِنْ رَبِّي، فَإِنِّي أَبِيتُ أَيْ أَنَا عِنْدَ رَبِّي دَائِمًا أَبَدًا؛ فَهِيَ عِنْدِيَّةُ تَشْرِيفٍ، يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي حَقِيقَةً بِأَنْ يُطْعَمَ مِنْ طَعَامِ الْجَنَّةِ وَهُوَ لَا يُفْطِرُ، أَوْ مَجَازًا عَمَّا يُغَذِّيهِ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْمَعَارِفِ وَيُفِيضُهُ عَلَى قَلْبِهِ مِنْ لَذَّةِ مُنَاجَاتِهِ وَقُرَّةِ عَيْنِهِ بِقُرْبِهِ. وَغِذَاءُ الْقُلُوبِ وَنَعِيمُ الْأَرْوَاحِ أَعْظَمُ أَثَرًا مِنْ غِذَاءِ الْأَجْسَامِ وَالْأَشْبَاحِ.
فَلِلْأَنْبِيَاءِ جِهَةُ تَجَرُّدٍ وَجِهَةُ تَعَلُّقٍ، فَبِالنَّظَرِ لِلْأَوَّلِ الَّذِي يُفَاضُ عَلَيْهِ بِهِ مِنْ الْمَبْدَإِ الْأَوَّلِ مَصُونُونَ عَمَّا يَلْحَقُ غَيْرَهُمْ مِنْ الْبَشَرِ مِنْ ضَعْفٍ وَعَطَشٍ وَجُوعٍ وَفُتُورٍ، وَبِالنَّظَرِ لِلثَّانِي بِهِ يُفِيضُونَ وَيَلْحَقُهُمْ ذَلِكَ ظَاهِرًا لِمُوَافَقَةِ الْجِنْسِ لِتُؤْخَذَ عَنْهُمْ آدَابُ الشَّرِيعَةِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يُمْكِنْهُمْ الْأَخْذُ عَنْهُمْ، فَظَوَاهِرُهُمْ بَشَرِيَّةٌ تَلْحَقُهُمْ الْآفَاتُ وَبَوَاطِنُهُمْ رَبَّانِيَّةٌ تَتَلَذَّذُ بِلَذَّةِ الْمُنَاجَاةِ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ مَا ذَكَرَ هُنَا وَبَيْنَ رَبْطِهِ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِهِ مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ أَحْوَالَهُمْ الظَّاهِرَةَ يُسَاوُونَ فِيهَا الْجِنْسَ وَأَحْوَالَهُمْ الْبَاطِنَةَ يُفَارِقُونَهُمْ فِيهَا، فَظَوَاهِرُهُمْ لِلْخَلْقِ كَمِرْآةٍ يُبْصِرُونَ فِيهَا مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ وَبَوَاطِنُهُمْ فِي حُجُبِ