أَنْ يَصُومَ يَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَلَا يَتَنَاوَلُ بِاللَّيْلِ مَطْعُومًا عَمْدًا بِلَا عُذْرٍ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْجِمَاعَ وَنَحْوَهُ لَا يَمْنَعُ الْوِصَالَ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ هُوَ أَنْ يَسْتَدِيمَ جَمِيعَ أَوْصَافِ الصَّائِمِينَ. وَذَكَرَ الْجُرْجَانِيِّ وَابْنُ الصَّلَاحِ نَحْوَهُ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ.

ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ فَقَالَ: (وَمَنْ وَطِئَ) بِتَغْيِيبِ جَمِيعِ الْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرِهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا (عَامِدًا) مُخْتَارًا

ـــــــــــــــــــــــــــــQالْغَيْبِ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَا يَعْتَرِيهَا عَجْزُ الْبَشَرِيَّةِ مِنْ جُوعٍ وَلَا غَيْرِهِ. فَهَاكَ هَذَا الْجَمْعُ عَفْوًا صَفْحًا فَقَلَّمَا تَرَاهُ مَجْمُوعًا فِي كِتَابٍ وَقَلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ مِنْ الْأَنْجَابِ. وَقَوْلُهُ: «فَاكْلَفُوا» بَيَّنَ بِهِ حِكْمَةَ النَّهْيِ، وَهُوَ خَوْفُ الْمَلَلِ فِي الْعِبَادَةِ وَالتَّقْصِيرِ فِيمَا هُوَ أَهَمُّ وَأَرْجَحُ مِنْ وَظَائِفِ الدِّينِ مِنْ الْقُوَّةِ فِي أَمْرِ اللَّهِ وَالْخُضُوعِ فِي فَرَائِضِهِ وَالْإِتْيَانِ بِحُقُوقِهَا الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، وَشِدَّةِ الْجُوعِ تُنَافِيهِ وَتَحُولُ بَيْنَ الْمُكَلَّفِ وَبَيْنَهُ ثُمَّ الْجُمْهُورُ؛ عَلَى أَنَّ الْوِصَالَ لِلْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُبَاحٌ، وَقَالَ الْإِمَامُ: قُرْبَةٌ وَخُصُوصِيَّةٌ بِهِ عَلَى كُلِّ أُمَّتِهِ لَا عَلَى كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ، فَقَدْ اشْتَهَرَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْأَكَابِرِ الْوِصَالُ، قَالَ فِي الْمَطَامِحِ: أَخْبَرَنِي بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ أَنَّهُ وَاصَلَ سِتِّينَ يَوْمًا مُتَوَالِيَةً.

قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: فَإِنْ قُلْت: إنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ اُشْتُهِرَ صَلَاحُهُمْ مِمَّنْ لَا يُحْصَى نُقِلَ عَنْهُمْ الْوِصَالُ وَذَلِكَ مَعَ الْقَوْلِ ثُمَّ يُنَافِي حَالَهُمْ السُّنِّيَّ وَقَدْرَهُمْ الْعَلِيَّ؟ قُلْت: الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ وَغَيْرِهِ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقُدْرَةِ، وَلَعَلَّ وِصَالَ هَؤُلَاءِ جَاءَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَيْهِ بَلْ اتَّفَقَ تَرْكُ تَنَاوُلِ الْمُفْطِرِ لِغَفْلَةٍ عَنْهُ إمَّا بِغَيْرِ سَبَبٍ أَوْ بِسَبَبٍ وَهُوَ تَعَلُّقُهُ وَاشْتِغَالُهُ بِالْمَعَارِفِ الرَّبَّانِيَّةِ وَالِاسْتِغْرَاقُ فِيهَا وَالِالْتِذَاذُ بِهَا بِحَيْثُ أَلْهَتْهُ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، فَهِيَ فِي حَقِّهِ قَائِمَةٌ مَقَامَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فِي حَقِّ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ، وَالْإِنْسَانُ شَاهِدٌ فِي الْخَارِجِ عِنْدَ اشْتِغَالِ الْقَلْبِ بِمَا يَسُرُّ أَوْ يُحْزِنُ الْغَفْلَةُ عَنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ. وَقَدْ فَسَّرَ بِمِثْلِ ذَلِكَ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي» وَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْخُصُوصِيَّةُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى كُلِّ أُمَّتِهِ لَا عَلَى أَحَدِ أَفْرَادِهَا، وَالنَّهْيُ تَوَجَّهَ لِلْمَجْمُوعِ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ. اهـ. مُنَاوِيٌّ عَلَى الْخَصَائِصِ. قَوْلُهُ: (إذْ الْوِصَالُ فِي الصَّوْمِ حَرَامٌ) وَهُوَ تَتَابُعُ الصَّوْمِ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا مِنْ غَيْرِ فِطْرٍ لَيْلًا، وَقِيلَ: صَوْمُ السُّنَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُفْطِرَ الْأَيَّامَ الْمَنْهِيَّةَ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْهُ، وَمُوجِبُ النَّهْيِ أَمْرَانِ: الضَّعْفُ وَالْمَلَلُ وَالْعَجْزُ عَنْ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى بَقِيَّةِ الْعِبَادَاتِ. وَالنَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالتَّنْزِيهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَالْحَنَابِلَةِ، فَالْفِطْرُ مَطْلُوبٌ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْغُرُوبِ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْفِطْرِ إذَا كَانَ مَمْنُوعًا فَتَرْكُهُ بِالْكُلِّيَّةِ أَشَدُّ مَنْعًا. وَكَانَ الْوِصَالُ مُبَاحًا لِمَنْ قَبْلَنَا، لَكِنْ تَحْرِيمُهُ إنَّمَا هُوَ عَلَيْنَا لَا عَلَى الْمُصْطَفَى، فَإِنَّ لَهُ الْوِصَالَ فَهُوَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ أُمَّتِهِ عَلَى غَيْرِهَا اهـ.

وَعِبَارَةُ الْمَرْحُومِيِّ: تَنْبِيهٌ: قَدْ اُشْتُهِرَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الصُّلَحَاءِ الْوِصَالُ فَفِعْلُهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَيْهِ بَلْ لِغَفْلَةٍ أَوْ اسْتِغْرَاقٍ فِي الْمَعَارِفِ. قَوْلُهُ: (لِلنَّهْيِ عَنْهُ) وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ:

بُلِيت بِهِ فَقِيهًا ذَا جِدَالٍ ... يُجَادِلُ بِالدَّلِيلِ وَبِالدَّلَالِ

طَلَبْت وِصَالَهُ وَالْوَصْلُ عَذْبٌ ... فَقَالَ نَهَى النَّبِيُّ عَنْ الْوِصَالِ

أَيْ فَفِيهِ الدَّلِيلُ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ وَالدَّلَالُ بِحَسَبِ التَّوْرِيَةِ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ) أَيْ الْعُظْمَى لِأَنَّهَا الْمُرَادَةُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَغَيْرِهَا، يُقَالُ لَهُ فِدْيَةٌ غَالِبًا ق ل. وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ قَوْلُ الْمَتْنِ الْآتِي: وَإِنْ خَافَتَا عَلَى أَوْلَادِهِمَا أَفْطَرَتَا وَعَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ.

قَوْلُهُ: (وَمَنْ وَطِئَ) جُمْلَةُ الشُّرُوطِ أَحَدَ عَشَرَ: الْأَوَّلُ قَوْلُهُ: " وَطِئَ ". الثَّانِي: قَوْلُهُ: " جَمِيعُ الْحَشَفَةِ ". الثَّالِثُ: قَوْلُهُ: " عَامِدًا ". وَالرَّابِعُ: قَوْلُهُ " مُخْتَارًا ". وَالْخَامِسُ: قَوْلُهُ: " عَالِمًا ". وَالسَّادِسُ: قَوْلُهُ: فِي الْفَرْجِ ". وَالسَّابِعُ: قَوْلُهُ: " فِي نَهَارِ رَمَضَانَ ". وَالثَّامِنُ: قَوْلُهُ: " وَهُوَ مُكَلَّفٌ ". وَالتَّاسِعُ: قَوْلُهُ: " صَائِمٌ ". وَالْعَاشِرُ: قَوْلُهُ: أَثِمَ بِالْوَطْءِ ". وَالْحَادِيَ عَشَرَ: قَوْلُهُ: " بِسَبَبِ الصَّوْمِ ". وَقَدْ أَخَذَ الشَّارِحُ مُحْتَرَزَ الْجَمِيعِ، وَلَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015