وَهُوَ الْمَعْرُوفُ الْمَنْصُوصُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ، وَالْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ تَحْرِيمُهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَالْمِنْهَاجِ وَالْمَجْمُوعِ لِقَوْلِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ " مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ". تَنْبِيهٌ: يُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ فَيُوَافِقُ الْمُرَجَّحَ فِي الْمَذْهَبِ. (إلَّا أَنْ يُوَافِقَ) صَوْمُهُ (عَادَةً لَهُ) فِي تَطَوُّعِهِ كَأَنْ كَانَ يَسْرُدُ الصَّوْمَ أَوْ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا أَوْ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ فَوَافَقَ صَوْمُهُ يَوْمَ الشَّكِّ، وَلَهُ صَوْمُهُ عَنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ كَنَظِيرِهِ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ لِخَبَرِ: «لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ» وَقِيسَ بِالْوِرْدِ الْبَاقِي بِجَامِعِ السَّبَبِ، فَلَوْ صَامَهُ بِلَا سَبَبٍ لَمْ يَصِحَّ كَيَوْمِ الْعِيدِ بِجَامِعِ التَّحْرِيمِ.
وَقَوْلُهُ (أَوْ يَصِلَهُ بِمَا قَبْلَهُ) مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ ابْتِدَاءِ صَوْمِ النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ شَعْبَانَ تَطَوُّعًا وَهُوَ وَجْهٌ ضَعِيفٌ، وَالْأَصَحُّ فِي الْمَجْمُوعِ تَحْرِيمُهُ بِلَا سَبَبٍ إنْ لَمْ يَصِلْهُ بِمَا قَبْلَهُ أَوْ صَامَهُ عَنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ وَافَقَ عَادَةً لَهُ لِخَبَرِ: «إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ. فَعَلَى هَذَا لَا يَكْفِي وَصْلُ يَوْمِ الشَّكِّ إلَّا بِمَا قَبْلَ النِّصْفِ الثَّانِي، وَلَوْ وَصَلَ النِّصْفَ الثَّانِيَ بِمَا قَبْلَهُ ثُمَّ أَفْطَرَ فِيهِ حَرُمَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عَادَةٌ قَبْلَ النِّصْفِ الثَّانِي فَلَهُ صَوْمُ أَيَّامِهَا. فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا اُسْتُحِبَّ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ إذَا أَطْبَقَ الْغَيْمُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ حَيْثُ قَالَ بِوُجُوبِ صَوْمِهِ حِينَئِذٍ؟ أُجِيبُ بِأَنَّا لَا نُرَاعِي الْخِلَافَ إذَا خَالَفَ سُنَّةً صَرِيحَةً وَهِيَ هُنَا خَبَرُ «إذَا غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ» وَيَوْمُ الشَّكِّ هُوَ يَوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ إذَا تَحَدَّثَ النَّاسُ بِرُؤْيَتِهِ أَوْ شَهِدَ بِهَا عَدَدٌ تُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ كَصِبْيَانٍ أَوْ نِسَاءٍ أَوْ عَبِيدٍ أَوْ فَسَقَةٍ وَظَنَّ صِدْقَهُمْ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ عَنْ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبَيَانُ أَنَّ صَوْمَهُ مَكْرُوهٌ أَوْ حَرَامٌ لِشَيْئَيْنِ: كَوْنِهِ يَوْمَ الشَّكِّ وَكَوْنِهِ بَعْدَ النِّصْفِ، فَيَكُونُ النَّهْيُ فِيهِ أَعْظَمَ مِنْهُ فِيمَا قَبْلَهُ.
قَوْلُهُ: (كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ) وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَصْلُهُ عَنْ الْحَرَامِ، وَإِلَّا لَوْ كَانَ مُرَادُهُ أَنَّهُ حَرَامٌ لَقَالَ: وَيَوْمَ الشَّكِّ عَطْفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ.
قَوْلُهُ: (يُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إلَخْ) عَبَّرَ بِهِ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ مَتَى أُطْلِقَتْ انْصَرَفَتْ إلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ.
قَوْلُهُ: (يَسْرُدَ) فِي الْمُخْتَارِ سَرَدَ الصَّوْمَ أَدَامَهُ. قَوْلُهُ: (أَوْ نَذْرٍ) أَيْ مُتَقَدِّمٍ لَمْ يَقْصِدْ إيقَاعَهُ فِيهِ إذْ نَذْرُ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ وَالنِّصْفِ الثَّانِي وَحْدَهُ لَا يَصِحُّ أج. فَصُورَةُ النَّذْرِ أَنْ يَنْذُرَ صَوْمَ الِاثْنَيْنِ مَثَلًا فَيُوَافِقُ يَوْمَ الشَّكِّ.
قَوْلُهُ: (كَنَظِيرِهِ مِنْ الصَّلَاةِ) أَيْ قِيَاسًا عَلَى نَظِيرِهِ مِنْ الصَّلَاةِ، أَيْ الْمَقْضِيَّةِ وَالْمَنْذُورَةِ. وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَوْ تَحَرَّى فِيهِ صَوْمَ قَضَاءٍ لَمْ يَنْعَقِدْ ق ل. وَيُعْلَمُ هَذَا أَيْضًا مِنْ قَوْلِ أج: لَمْ يَقْصِدْ إيقَاعَهُ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (لَا تَقَدَّمُوا) بِفَتْحِ التَّاءِ وَالدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ، وَالْأَصْلُ: لَا تَتَقَدَّمُوا. " وَرَجُلٌ " بَدَلٌ مِنْ الْوَاوِ.
قَوْلُهُ: (بِالْوِرْدِ) أَيْ الْعَادَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ: بِالْوَارِدِ، أَيْ فِي الْحَدِيثِ.
قَوْلُهُ: (الْبَاقِي) كَالْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ. وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِلْقِيَاسِ بَعْدُ وَقَوْلُهُ " كَنَظِيرِهِ إلَخْ " لِأَنَّهُ قِيَاسٌ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ قِيَاسُ الصَّوْمِ عَلَى الصَّلَاةِ، وَهُنَا قِيَاسُ صَوْمٍ عَلَى صَوْمٍ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.
قَوْلُهُ: (مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، إذْ قَوْلُهُ " أَوْ يَصِلَهُ بِمَا قَبْلَهُ " أَيْ حَالَةَ كَوْنِ ذَلِكَ الْقَبْلُ جَائِزًا صَوْمُهُ كَصَوْمِ يَوْمٍ مِنْ النِّصْفِ الْأَوَّلِ وَلَوْ آخِرَهُ كَالْخَامِسِ عَشَرَ وَاسْتَمَرَّ إلَى أَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ بِلَا فِطْرٍ اهـ أج.
قَوْلُهُ: (أَوْ صَامَهُ عَنْ قَضَاءٍ) مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَنْفِيِّ وَهُوَ قَوْلُهُ: " يَصِلَهُ " وَالْأَوْلَى أَوْ يَصِمَهُ كَمَا فِي حَجّ لِأَنَّهُ مَنْفِيٌّ.
قَوْلُهُ: (إلَّا بِمَا قَبْلَهُ إلَخْ) لَوْ حَمَلَ الشَّارِحُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى ذَلِكَ لَكَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (أَوْ شَهِدَ) مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ، أَيْ وَلَمْ يَشْهَدْ بِهَا أَحَدٌ أَوْ شَهِدَ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (أَوْ فَسَقَةٍ) أَوْ كُفَّارٍ نَعَمْ مَنْ اعْتَقَدَ صِدْقَ مَنْ قَالَ: إنَّهُ رَآهُ مِمَّنْ ذَكَرَ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وَصَحَّ مِنْهُ وَوَقَعَ عَنْ رَمَضَانَ إنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْهُ، وَمَنْ ظَنَّ صِدْقَ مَنْ قَالَ: إنَّهُ رَآهُ مِمَّنْ ذَكَرَ جَازَ لَهُ الصَّوْمُ بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ وَلَمْ يَظُنَّ الصِّدْقَ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ فَالْأَحْكَامُ ثَلَاثَةٌ. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ.
قَوْلُهُ: (وَظَنَّ صِدْقَهُمْ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ قَيْدًا فِي يَوْمِ الشَّكِّ، وَإِنَّمَا هُوَ قَيْدٌ فِي صِحَّةِ تَبْيِيتِ النِّيَّةِ وَجَوَازِ الْإِقْدَامِ عَلَى الصَّوْمِ كَمَا سَيَأْتِي، قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ إذَا ظَنَّ صِدْقَهُمْ يَصِحُّ صَوْمُهُ وَلَيْسَ يَوْمُ شَكٍّ كَمَا تَقَدَّمَ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ