بِفَتْحِ الْعَيْنِ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ الرِّيقَ، فَإِنْ بَلَعَهُ أَفْطَرَ فِي وَجْهٍ، وَإِنْ أَلْقَاهُ عَطَّشَهُ وَهُوَ مَكْرُوهٌ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. وَيُسَنُّ أَنْ يَغْتَسِلَ مِنْ حَدَثٍ أَكْبَرَ لَيْلًا لِيَكُونَ عَلَى طُهْرٍ مِنْ أَوَّلِ الصَّوْمِ، وَأَنْ يَقُولَ عَقِبَ فِطْرِهِ «اللَّهُمَّ لَك صُمْت وَعَلَى رِزْقِك أَفْطَرْت» لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَأَنْ يُكْثِرَ تِلَاوَةَ الْقُرْآنِ وَمُدَارَسَتَهُ بِأَنْ يَقْرَأَ عَلَى غَيْرِهِ وَيَقْرَأَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فِي رَمَضَانَ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «إنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَلْقَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كُلِّ سَنَةٍ فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ، فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقُرْآنَ» . وَأَنْ يَعْتَكِفَ فِيهِ لَا سِيَّمَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْهُ لِلِاتِّبَاعِ فِي ذَلِكَ وَلِرَجَاءِ أَنْ يُصَادِفَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إذْ هِيَ مُنْحَصِرَةٌ فِيهِ عِنْدَنَا.
(وَيَحْرُمُ صِيَامُ خَمْسَةِ أَيَّامٍ) أَيْ مَعَ بُطْلَانِ صِيَامِهَا وَهِيَ (الْعِيدَانِ) الْفِطْرُ وَالْأَضْحَى بِالْإِجْمَاعِ الْمُسْتَنِدِ إلَى نَهْيِ الشَّارِعِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ (وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ) الثَّلَاثَةُ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ وَلَوْ لِمُتَمَتِّعٍ لِلنَّهْيِ عَنْ صِيَامِهَا كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «أَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى» . .
(وَيُكْرَهُ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ) كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ:
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْهُ) أَيْ عَنْ الْفُحْشِ.
قَوْلُهُ: (بِفَتْحِ الْعَيْنِ) أَيْ الْمَضْغُ، وَبِكَسْرِهَا الْمَعْلُوكُ.
قَوْلُهُ: (فِي وَجْهٍ) أَيْ ضَعِيفٍ، وَمَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَنْفَصِلْ شَيْءٌ مِنْ الْمَعْلُوكِ وَإِلَّا أَفْطَرَ قَطْعًا ق ل.
قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ أَنْ يَغْتَسِلَ مِنْ حَدَثٍ أَكْبَرَ لَيْلًا) قَالَ الشَّعْرَانِيُّ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَقُولُ: مَنْ بَاتَ سَكْرَانَ أَوْ جُنُبًا بَاتَ لِلشَّيْطَانِ عَرُوسًا.
قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ لَك صُمْت) وَيُسَنُّ أَنْ يَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ: " وَبِك آمَنْت وَبِك وَعَلَيْك تَوَكَّلْت ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَتْ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الْأَجْرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، يَا وَاسِعَ الْفَضْلِ اغْفِرْ لِي الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانِي فَصُمْت وَرَزَقَنِي فَأَفْطَرَتْ " اهـ وَالظَّمَأُ مَهْمُوزُ الْآخِرِ مَقْصُورٌ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْعَطَشُ، وَلَمْ يَقُلْ وَذَهَبَ الْجُوعُ؛ لِأَنَّ أَرْضَ الْحِجَازِ حَارَّةٌ فَكَانُوا يَصْبِرُونَ عَلَى قِلَّةِ الطَّعَامِ لَا الْعَطَشِ وَيَقُولُ هَذَا إنْ أَفْطَرَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ دَخَلَ وَقْتُ إذْهَابِ الظَّمَأِ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَمُدَارَسَتَهُ) عَطْفٌ خَاصٌّ وَحَقِيقَةُ الْمُدَارَسَةِ أَنْ يَقْرَأَ الثَّانِي مَا قَرَأَهُ الْأَوَّلُ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَيَقْرَأُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ أَيْ مَا قَرَأَهُ أَوَّلًا، وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ الْمَشْهُورَةُ الْآنَ فَهِيَ إدَارَةٌ لَا مُدَارَسَةٌ.
قَوْلُهُ: (يَنْسَلِخَ) أَيْ يَفْرُغَ.
قَوْلُهُ: (فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ إلَخْ) بِفَتْحِ الْيَاءِ بِمَعْنَى يُلْقِي عَلَيْهِ وَلَيْسَ بِضَمِّ الْيَاءِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ التَّرْكُ وَلَيْسَ مُرَادًا، قَالَ مد: كَيْفَ هَذَا مَعَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَمْ يُعْطَوْا فَضِيلَةَ حِفْظِ الْقُرْآنِ حَتَّى جِبْرِيلُ النَّازِلُ بِهِ فَكَيْفَ كَانَ يُدَارِسُهُ؟ وَأُجِيبَ بِجَوَابَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ يَقْرَأُ أَوَّلًا فَيُعِيدُ جِبْرِيلُ مَا سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالثَّانِي: أَنَّ جِبْرِيلُ كَانَ يَنْظُرُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ حِينَ يَقْرَأُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ قِرَاءَتِهِ عَلَيْهِ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ، فِي الْعَرْضَةِ الْأَخِيرَةِ هُوَ الْمُثْبَتُ فِي الْمُصْحَفِ الْعُثْمَانِيِّ. قَالَ الشَّاطِبِيُّ:
وَكُلُّ عَامٍ عَلَى جِبْرِيلُ يَعْرِضُهُ ... وَقِيلَ آخِرُ عَامٍ مَرَّتَيْنِ قَرَأَ
وَحِكْمَةُ الْعَرْضِ لِأَجْلِ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ. وَقَوْلُهُ " آخِرُ عَامٍ " أَيْ مِنْ عُمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمَعْنَى كَوْنِ الْمَلَائِكَةِ لَمْ يُعْطَوْا فَضِيلَةَ حِفْظِ الْقُرْآنِ، أَيْ عَلَى الدَّوَامِ بِحَيْثُ يَسْتَقِلُّونَ بِقِرَاءَةِ الْمَحْفُوظِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ؛ أَوْ لَا حِفْظَ لَهُمْ أَصْلًا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْجَوَابِ الثَّانِي.
وَأَمَّا غَيْرُ جِبْرِيلُ مِنْ بَقِيَّةِ الْمَلَائِكَةِ فَكَانُوا يَحْفَظُونَ الْفَاتِحَةَ لِأَنَّهَا كَنُسْخَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ. وَقَوْلُهُ " فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ " قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: عَرَضْت الْكِتَابَ عَرْضًا قَرَأْتُهُ عَنْ ظَهْرِ الْقَلْبِ.
قَوْلُهُ: (الثَّلَاثَةُ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ) أَيْ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ حَيْثُ ذَهَبُوا إلَى أَنَّهَا اثْنَانِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
قَوْلُهُ: (بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ) قَيَّدَ بِهِ لِدَفْعِ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّهَا ثَلَاثَةٌ بِيَوْمِ النَّحْرِ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ لِمُتَمَتِّعٍ) غَايَةٌ لِلرَّدِّ عَلَى الْقَوْلِ الْقَدِيمِ إنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُتَمَتِّعِ الْعَاجِزِ عَنْ الدَّمِ وَصَوْمُهَا عَنْ الثَّلَاثَةِ الْوَاجِبَةِ فِي الْحَجِّ؛ وَالْمُتَمَتِّعُ هُوَ الَّذِي أَتَى بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ.
قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ) إنْ قُلْت: مَا فَائِدَةُ تَنْصِيصِهِمْ عَلَى كَرَاهَةِ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ أَوْ حُرْمَتِهِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ شَعْبَانَ وَهُوَ مُحَرَّمٌ؟ أُجِيبُ بِأَنَّ فَائِدَتَهُ مَعْرِفَةُ حَقِيقَةِ يَوْمِ الشَّكِّ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهِ لَوْ عَلَّقَ بِهِ طَلَاقًا أَوْ عِتْقًا؛