بَابُ التَّيَمُّمِ هُوَ إيصَالُ التُّرَابِ إلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ بِشُرُوطٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا سَيَأْتِي. (يَتَيَمَّمُ الْمُحْدِثُ وَالْجُنُبُ) وَمِثْلُهُمَا الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ (لِأَسْبَابٍ أَحَدُهَا فَقْدُ الْمَاءِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] إلَى قَوْله تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43]
ـــــــــــــــــــــــــــــSتَنْبِيهٌ) يَتَّجِهُ عَدَمُ صِحَّةِ صَلَاةِ حَامِلِ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ إذْ لَا ضَرُورَةَ فِيهَا حِينَئِذٍ عَلَى نَظِيرِ قَوْلِ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ حَامِلِ الْخُبْزِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ فَرَاجِعْهُ وَحَرِّرْهُ.
(فَرْعٌ) مَا تَنَجَّسَ مِنْ الْمَائِعِ تَجِبُ إرَاقَتُهُ مَا لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ فِي شُرْبِ دَوَابَّ أَوْ وُقُودٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَمِنْهُ عَسَلٌ تَنَجَّسَ فَيُسْقَى لِلنَّحْلِ وَلَا يَتَنَجَّسُ عَسَلُهَا بَعْدَهُ.
بَابُ التَّيَمُّمِ وَهُوَ الْمَقْصِدُ الرَّابِعُ، وَلَفْظُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ أَمَمْته وَتَأَمَّمْته وَتَيَمَّمْتُهُ قَصَدْته، فَهُوَ لُغَةً الْقَصْدُ وَشَرْعًا مَا ذَكَرَهُ وَهُوَ يَنُوبُ عَنْ طَهَارَةِ الْحَدَثِ فِي الْوُضُوءِ وَغَيْرِهِ لَا عَنْ غَسْلِ نَجَاسَةٍ. وَفُرِضَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَقِيلَ سَنَةَ خَمْسٍ وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَقِيلَ سَنَةَ سِتٍّ، وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَا يَدُلُّ لَهُ الْحَدِيثُ الْآتِي، وَهُوَ رُخْصَةٌ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ انْتِقَالٌ مِنْ صُعُوبَةٍ إلَى سُهُولَةٍ، وَإِنَّمَا جَازَ بِالتُّرَابِ الْمَغْصُوبِ لِأَنَّهُ آلَةٌ لَا سَبَبٌ مُجَوِّزٌ وَوُجُوبُهُ عَلَى الْعَاصِي لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ، وَقِيلَ: عَزِيمَةٌ لِمَا ذُكِرَ، وَالرُّخْصَةُ فِي إسْقَاطِ الْقَضَاءِ، وَقِيلَ رُخْصَةٌ فِي الْفَقْدِ الشَّرْعِيِّ دُونَ الْحِسِّيِّ، وَدَلِيلُهُ خَبَرُ مُسْلِمٍ «جُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا» فَضَمِيرُ " لَنَا " عَائِدٌ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَلِأُمَّتِهِ، وَتَأْكِيدُ الْأَرْضِ كُلِّهَا لِلرَّدِّ عَلَى الْأُمَمِ السَّابِقَةِ حَيْثُ خَصُّوا جَوَازَ الْعِبَادَةِ بِالْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ، وَلَفْظُ التُّرْبَةِ دَلِيلٌ لِتَخْصِيصِ التَّيَمُّمِ بِالتُّرَابِ، وَبِهَا تُقَيَّدُ كُلُّ رِوَايَةٍ لَمْ تُذْكَرْ فِيهَا، وَمَفْهُومُهُ عَدَمُ صِحَّتِهِ بِغَيْرِ التُّرَابِ، وَمَا قِيلَ إنَّ لَفْظَ التُّرْبَةِ لَقَبٌ لَا مَفْهُومَ لَهُ وَإِنَّهُ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِّ بِحُكْمِهِ فَلَا يُخَصِّصُهُ.
وَلِذَلِكَ جَوَّزَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ بِمَا اتَّصَلَ بِالْأَرْضِ كَالشَّجَرِ وَالزَّرْعِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبُهُ مُحَمَّدٌ بِمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ كَالزِّرْنِيخِ، وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو يُوسُفَ صَاحِبُ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَا لَا غُبَارَ فِيهِ كَالْحَجَرِ الصَّلْدِ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْعَامِّ، بَلْ مِنْ بَابِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ كَمَا فِي تَقْيِيدِ الرَّقَبَةِ وَإِطْلَاقِهَا فِي الْكَفَّارَاتِ، وَبِأَنَّ الْآيَةَ الشَّرِيفَةَ دَالَّةٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] إذْ لَا يُفْهَمُ مِنْ " مِنْ " إلَّا التَّبْعِيضُ نَحْوُ مَسَحْت الرَّأْسَ مِنْ الدُّهْنِ وَالْغُبَارِ، وَالْغَالِبُ أَنْ لَا غُبَارَ لِغَيْرِ التُّرَابِ فَتَعَيَّنَ، وَجَعْلُ " مِنْ " لِلِابْتِدَاءِ خِلَافُ الْحَقِّ، وَالْحَقُّ أَحَقُّ مِنْ الْمِرَاءِ، وَاَللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ، وَأُجِيبَ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُعْرَفُ مِنْ مَحَلِّهِ.
قَوْلُهُ: (وَالْجُنُبُ) عَطْفُهُ عَلَى الْمُحْدِثِ مُغَايِرٌ بِحَمْلِ الْحَدَثِ عَلَى الْأَصْغَرِ أَوْ خَاصٍّ بِحَمْلِهِ عَلَى الْأَعَمِّ، وَصَرِيحُ كَلَامِ الشَّارِحِ هُوَ الْأَوَّلُ لِقَوْلِهِ: وَمِثْلُهُ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ، وَمِثْلُهُ كُلُّ غُسْلٍ مَأْمُورٍ بِهِ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ، وَمَأْمُورٌ بِغُسْلٍ لَا يُرَادُ الْمَيِّتُ إلَّا أَنْ يُقَالَ ذَكَرَهُ لِمُنَاسِبَةِ مَا قَبْلَهُ، وَأَوْلَى مِنْهُمَا أَنْ يُقَالَ: وَطُهْرٌ مَأْمُورٌ بِهِ، لِيَدْخُلَ الْوُضُوءُ الْمُجَدَّدُ، وَخَرَجَ بِالْوُضُوءِ أَبْعَاضُهُ الْمَنْدُوبَةُ نَحْوُ غَسْلِ الْكَفَّيْنِ أَوْ مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ إذَا امْتَنَعَ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ فِيهَا لِمَرَضٍ أَوْ قِلَّةِ مَاءٍ بِحَيْثُ يَكْفِي لِلْفَرْضِ فَقَطْ، فَلَا يُسَنُّ التَّيَمُّمُ عَنْهَا خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ. قَوْلُهُ: (لِأَسْبَابٍ) أَيْ لِأَحَدِ أَسْبَابٍ، وَتَرَكَ ذَلِكَ لِوُضُوحِهِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ أَنَّ السَّبَبَ وَاحِدٌ وَهُوَ الْعَجْزُ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ حِسًّا أَوْ شَرْعًا، وَغَيْرُهُ أَسْبَابٌ لَهُ حَقِيقَةً، وَلِلتَّيَمُّمِ تَجَوُّزًا، وَعَدَّهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا ثَلَاثَةً، وَفِي الرَّوْضَةِ سَبْعَةٌ، وَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ، وَنَظَمَ بَعْضُهُمْ الْأَسْبَابَ السَّبْعَةَ الْمَذْكُورَةَ بِقَوْلِهِ:
يَا سَائِلِي أَسْبَابَ حِلِّ تَيَمُّمٍ ... هِيَ سَبْعَةٌ بِسَمَاعِهَا تَرْتَاحُ
فَقْدٌ وَخَوْفٌ حَاجَةٌ إضْلَالُهُ ... مَرَضٌ يَشُقُّ جَبِيرَةٌ وَجِرَاحُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ التَّيَمُّمِ]
ِ قَوْلُ الْمَتْنِ: (يَتَيَمَّمُ الْمُحْدِثُ وَالْجُنُبُ) قِيلَ حِكْمَةُ تَخْصِيصِهِمَا كَوْنُهُمَا مَحَلُّ النَّصِّ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: