(فَإِنْ تَيَقَّنَ الْمُسَافِرُ فَقْدَهُ تَيَمَّمَ بِلَا طَلَبٍ) إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ (وَإِنْ تَوَهَّمَهُ) أَيْ وَقَعَ فِي وَهْمِهِ أَيْ ذِهْنِهِ وُجُودُهُ أَيْ جُوِّزَ ذَلِكَ. (طَلَبَهُ) بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ وُجُوبًا مِمَّا تَوَهَّمَهُ فِيهِ (مِنْ رَحْلِهِ) بِأَنْ يُفَتِّشَ فِيهِ (وَرُفْقَتِهِ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا مُسْتَوْعِبًا لَهُمْ كَأَنْ يُنَادِيَ فِيهِمْ مَنْ مَعَهُ مَاءٌ يَجُودُ بِهِ (وَ) إنْ لَمْ يَجِدْهُ فِي ذَلِكَ (نَظَرَ حَوَالَيْهِ إنْ كَانَ بِمُسْتَوٍ) مِنْ الْأَرْضِ أَيْ يَمِينًا وَشِمَالًا وَخَلْفًا وَأَمَامًا (فَإِنْ احْتَاجَ إلَى تَرَدُّدٍ) بِأَنْ كَانَ هُنَاكَ وَهْدَةٌ أَوْ جَبَلٌ (تَرَدَّدَ قَدْرَ نَظَرِهِ) فِي الْمُسْتَوَى، وَهُوَ كَمَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ غَلْوَةُ سَهْمٍ، وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَنَّهُ يَتَرَدَّدُ إنْ لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ إلَى حَدٍّ يَلْحَقُهُ غَوْثُ الرِّفَاقِ مَعَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ التَّشَاغُلِ بِشُغْلِهِمْ، قِيلَ: وَمَا هُنَا كَالْمُحَرَّرِ أَزْيَدُ مِنْ ذَلِكَ بِكَثِيرٍ (فَإِنْ لَمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ: (فَإِنْ تَيَقَّنَ) أَوْ ظَنَّ بِخَبَرِ عَدْلٍ وَلَوْ رِوَايَةً وَتَصْدِيقَ مُخْبِرٍ، وَقَيَّدَ شَيْخُنَا الْإِخْبَارَ بِكَوْنِهِ مُسْتَنِدًا إلَى طَلَبٍ فَرَاجِعْهُ قَوْلُهُ: (الْمُسَافِرُ) هُوَ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ، فَالْمُقِيمُ مِثْلُهُ كَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ، وَفِيهِ مَا سَيَأْتِي.
قَوْلُهُ: (فَقْدَهُ) أَيْ الْمَاءَ فِي حَدِّ الْغَوْثِ أَوْ الْقُرْبِ مَا سَيَأْتِي، وَلَا عِبْرَةَ بِوُجُوبِ مَاءٍ مُسَبَّلٍ لِلشُّرْبِ يَقِينًا أَوْ ظَنًّا وَلَوْ بِحَسَبِ الْعُرْفِ كَالسِّقَايَاتِ عَلَى الطُّرُقِ. قَوْلُهُ: (تَوَهَّمَهُ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: ضَمِيرُهُ عَائِدٌ لِلْمُضَافِ إلَيْهِ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] وَهُوَ مُتَعَيَّنٌ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ انْتَهَى، وَفِيهِ نَظَرٌ فَتَأَمَّلْهُ. قَوْلُهُ: (جَوَّزَ ذَلِكَ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّوَهُّمِ مُطْلَقُ التَّرَدُّدِ وَلَوْ بِرَاجِحِيَّةٍ، وَيَخْرُجُ يَقِينُ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ مِمَّا مَرَّ، وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: التَّجْوِيزُ يَشْمَلُ يَقِينَ الْوُجُودِ وَهْمٌ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ) أَيْ وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ مَا دَامَ التَّوَهُّمُ، وَلَا يَجِبُ الطَّلَبُ قَبْلَهُ إنْ عُلِمَ اسْتِغْرَاقُ الْوَقْتِ فِيهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِمَا نُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ وَإِنْ أَوْهَمَهُ كَلَامُهُ فِي شَرْحِهِ، وَفَارَقَ السَّعْيَ إلَى الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ بِخِلَافِهَا، وَبِأَنَّهَا مُضَافَةٌ إلَى الْيَوْمِ، وَإِذَا ضَاقَ الْوَقْتُ قَطَعَ الطَّلَبَ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى. نَعَمْ لَوْ طَلَبَ قَبْلَ الْوَقْتِ لِعَطَشٍ أَوْ فَائِتَةٍ كَفَى، وَخَرَجَ بِالطَّلَبِ الْإِذْنُ فِيهِ قَبْلَ الْوَقْتِ فَيَجُوزُ مَا لَمْ يُقَيِّدْهُ بِمَا قَبْلَ الْوَقْتِ، وَفَارَقَ عَدَمَ الِاكْتِفَاءِ بِالْإِذْنِ فِي الْقِبْلَةِ بِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الِاجْتِهَادِ، وَلَا يَقُومُ اجْتِهَادُ شَخْصِ عَنْ آخَرَ.
قَوْلُهُ: (مِنْ رَحْلِهِ) وَهُوَ مَا يُنْسَبُ إلَيْهِ مِنْ أَمْتِعَتِهِ وَأَوْعِيَتِهِ وَزَادِهِ وَمَرْكَبِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَرُفْقَتِهِ) وَهُمْ الْمَنْسُوبُونَ إلَيْهِ الْمُوَافِقُونَ لَهُ عَادَةً فِي الْحَطِّ وَالتَّرْحَالِ وَالْمُسَاعَدَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ إنْ كَثُرُوا، وَلَزِمَ عَلَى اسْتِيعَابِهِمْ خُرُوجُ الْوَقْتِ، لَكِنْ يُقْطَعُ الطَّلَبُ مِنْهُمْ إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ كَمَا مَرَّ، وَمَا زَادَ عَلَى الرُّفْقَةِ دَاخِلٌ فِيمَا بَعْدَهُ فَيَكْفِي فِيهِ النَّظَرُ وَلَوْ بِلَا سُؤَالٍ. قَوْلُهُ: (يَجُودُ بِهِ) إنْ ظَنَّ مِنْهُمْ السَّمَاحَ بِهِ وَإِلَّا فَيُنَادِي بِالْبَيْعِ إنْ قَدَرَ عَلَى الثَّمَنِ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (حَوَالَيْهِ) وَيُقَالُ: حَوَالَيْهِ وَحَوْلَهُ وَحَوَالَهُ. قَوْلُهُ: (تَرَدَّدَ) أَيْ فِي الْجِهَةِ الْمُحْتَاجِ إلَى التَّرَدُّدِ فِيهَا. قَوْلُهُ: (يَتَرَدَّدُ إنْ لَمْ يَخَفْ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْأَمْنُ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الطَّلَبِ مِنْ رَحْلِهِ وَرُفْقَتِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْأَمْنُ عَلَى الْوَقْتِ فَيَأْتِي هُنَا وَسَوَاءٌ وُجِدَ الطَّلَبُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ، وَإِنْ أَخَّرَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَإِنْ تَوَقَّفَ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (عَلَى نَفْسِهِ) ذَاتًا أَوْ مَنْفَعَةً وَالْعُضْوُ كَذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (أَوْ مَالِهِ) وَإِنْ قَلَّ وَكَذَا اخْتِصَاصُهُ وَالْمُرَادُ الْمُحْتَرَمُ مِنْ ذَلِكَ لَا نَحْوُ قَاطِعِ طَرِيقٍ تَحَتَّمَ قَتْلُهُ وَلَا زَانٍ مُحْصَنٍ وَلَا عُضْوٍ مُسْتَحَقِّ الْقَطْعِ فِي نَحْوِ سَرِقَةٍ، وَلَوْ قَالَ نَفْسٌ أَوْ مَالٌ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَعَمَّ وَأَوْلَى لِيَشْمَلَ نَفْسَ غَيْرِهِ وَمَالَ غَيْرِهِ الْمُحْتَرَمَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ الذَّبُّ عَنْهُ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ، وَلَا بُدَّ أَنْ لَا يَخَافَ الِانْقِطَاعَ عَنْ رُفْقَةٍ أَيْضًا وَلَوْ لِمُجَرَّدِ الْوَحْشَةِ، وَفَارَقَتْ الْوَحْشَةُ هُنَا مَا فِي الْجُمُعَةِ لِأَنَّهَا مَقْصِدٌ.
قَالَ شَيْخُنَا: وَالْمُرَادُ بِالْوَحْشَةِ أَنْ يَسْتَوْحِشَ إذَا ذَهَبَ لِطَلَبِ الْمَاءِ فَلَهُ تَرْكُ الطَّلَبِ وَالتَّيَمُّمِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْوَحْشَةِ بِرَحِيلِهِمْ عَنْهُ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: لَهُ أَنْ يَرْحَلَ مَعَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ وَحْشَةٌ كَمَا لَوْ كَانَ وَحْدَهُ إذْ لَيْسَ لِصَلَاتِهِ مَحَلٌّ يَلْزَمُهُ وُقُوعُهَا فِيهِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (إلَى حَدٍّ يَلْحَقُهُ فِيهِ غَوْثُ الرِّفَاقِ) وَهُوَ قَدْرُ مَا يَسْمَعُونَ صَوْتَهُ الْمُعْتَدِلَ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ تَيَقَّنَ الْمُسَافِرُ فَقْدَهُ) قِيلَ التَّقْيِيدُ بِهِ لِلْغَالِبِ قُلْت لِأَنَّ أَنْ تَقُولَ، قَدْ جَعَلَ أَحْوَالَ الْمُسَافِرِ ثَلَاثَةً تَيَقُّنُ الْفَقْدِ وَتَوَهُّمُ الْوُجُودِ وَتَيَقُّنُ، الْوُجُودِ كَمَا يُعْلَمُ بِالنَّظَرِ فِي كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَحِينَئِذٍ فَالْحَالُ الثَّالِثُ لَأَنْ تَتَوَقَّفَ فِي كَوْنِ الْمُقِيمِ فِيهَا كَالْمُسَافِرِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُقِيمَ يَقْصِدُ الْمَاءَ الْمُتَيَقَّنَ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ. قَوْلُهُ أَيْضًا: (فَإِنْ تَيَقَّنَ الْمُسَافِرُ فَقْدَهُ) قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: هُوَ مِثَالٌ لَا قَيْدٌ، قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: هُوَ لِلْغَالِبِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (أَيْ وَقَعَ فِي وَهْمِهِ أَيْ ذِهْنِهِ إلَخْ) يَعْنِي لَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّوَهُّمِ فِي الْمَتْنِ مَعْنَاهُ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ، وَهُوَ الطَّرَفُ الْمَرْجُوحُ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ وُقُوعُ الشَّيْءِ فِي الذِّهْنِ رَاجِحًا أَوْ مَرْجُوحًا أَوْ مُسْتَوِيًا وُقُوعُهُ وَعَدَمُهُ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (طَلَبُهُ) إنَّمَا وَجَبَ الطَّلَبُ لِأَنَّهُ طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ وَلَا ضَرُورَةَ مَعَ إمْكَانِ الْمَاءِ، وَقَوْلُهُ مَنْ رَحْلِهِ هُوَ مَسْكَنُ الشَّخْصِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ شَعْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى مَا يَسْتَصْحِبُهُ مِنْ الْأَثَاثِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَرُفْقَتِهِ) هُمْ الْجَمَاعَةُ