ثَقِيلٍ (وَكَذَا مَنِيُّ غَيْرِ الْآدَمِيِّ فِي الْأَصَحِّ) لِاسْتِحَالَتِهِ فِي الْبَاطِنِ كَالدَّمِ. (قُلْت: الْأَصَحُّ طَهَارَةُ مَنِيِّ غَيْرِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَفَرْعِ أَحَدِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّهُ أَصْلُ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ وَمَنِيُّ الْآدَمِيِّ طَاهِرٌ لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهَا كَانَتْ تَحُكُّ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ» .
وَمَنِيُّ الْكَلْبِ وَنَحْوِهِ نَجِسٌ قَطْعًا. (وَلَبَنِ مَا لَا يُؤْكَلُ غَيْرِ الْآدَمِيِّ) كَلَبَنِ الْأَتَانِ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ فِي الْبَاطِنِ كَالدَّمِ، وَلَبَنُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ} [النحل: 66] وَكَذَا لَبَنُ الْآدَمِيِّ لِأَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِكَرَامَتِهِ أَنْ يَكُونَ مُنْشَؤُهُ نَجِسًا، وَمِنْ ذَلِكَ يُؤْخَذُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي لَبَنِ الْأُنْثَى الْكَبِيرَةِ، فَيَكُونُ لَبَنُ الذَّكَرِ وَالصَّغِيرَةِ نَجِسًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ
(وَالْجُزْءُ الْمُنْفَصِلُ مِنْ الْحَيِّ كَمَيْتَتِهِ) طَهَارَةً وَنَجَاسَةً فَيَدُ الْآدَمِيِّ طَاهِرَةٌ، وَأَلْيَةُ الْخَرُوفِ نَجِسَةٌ (إلَّا شَعَرَ الْمَأْكُولِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (فَطَاهِرٌ) وَفِي مَعْنَاهُ الصُّوفُ وَالْوَبَرُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} [النحل: 80] وَاحْتَرَزَ بِالْمَأْكُولِ عَنْ شَعْرِ غَيْرِهِ كَالْحِمَارِ فَهُوَ نَجَسٌ.
(وَلَيْسَتْ الْعَلَقَةُ وَالْمُضْغَةُ وَرُطُوبَةُ الْفَرْجِ) مِنْ الْآدَمِيِّ (بِنَجَسٍ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ أَصْلُ الْآدَمِيِّ كَالْمَنِيِّ،
ـــــــــــــــــــــــــــــSوَالْفَرْقُ وَاضِحٌ وَسَيَأْتِي آنِفًا مَا يُصَرِّحُ بِنَجَاسَتِهِ.
قَوْلُهُ: (كَانَتْ تَحُكُّ الْمَنِيَّ إلَخْ) قِيلَ: لَا دَلِيلَ فِيهِ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ فَضَلَاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ طَاهِرَةٌ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْقَائِلَ بِالنَّجَاسَةِ اسْتَدَلَّ بِالْحَكِّ الْمَذْكُورِ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِطَهَارَتِهِ طَارِئٌ مَعَ أَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الدَّلِيلِ مَبْنِيٌّ عَلَى انْفِرَادِ مَنِيِّهِ وَحْدَهُ، وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَلِمُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مَنِيُّهُ عَنْ جِمَاعٍ، وَيَلْزَمُ اخْتِلَاطُهُ بِمَنِيِّ زَوْجَاتِهِ لِأَنَّ الْفُقَهَاءَ أَقَامُوا فِيهِ الْمَظِنَّةَ مَقَامَ الْيَقِينِ، حَيْثُ أَلْزَمُوا الزَّوْجَةَ بِالْغُسْلِ مِنْ خُرُوجِ مَنِيٍّ مِنْهَا بَعْدَ الْجِمَاعِ، وَحِينَئِذٍ فَفِيهِ مَنِيُّ عَائِشَةَ يَقِينًا فَنَهَضَ كَوْنُهُ دَلِيلًا، وَفِي كَلَامِ ابْنِ حَجَرٍ التَّصْرِيحُ، بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَحْتَلِمُ لَا عَنْ رُؤْيَةٍ فِي النَّوْمِ لِأَنَّهُ مَعَهَا مِنْ الشَّيْطَانِ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (نَجِسٌ قَطْعًا) فَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ مِنْ جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِيهِ غَيْرُ مُرَادٍ. قَوْلُهُ: (وَلَبَنُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ) لَوْ ذُكِّيَ وَلَوْ عَلَى لَوْنِ الدَّمِ إنْ انْفَصَلَ مِنْهُ بَعْدَ تَذْكِيَتِهِ، أَوْ انْفَصَلَ فِي حَيَاتِهِ وَلَوْ مِنْ ذَكَرٍ كَالثَّوْرِ، أَوْ مِمَّنْ وَلَدَتْ غَيْرَ مَأْكُولٍ كَخِنْزِيرٍ مِنْ شَاةٍ، فَإِنْ انْفَصِلْ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ غَيْرِ ذَكَاةٍ فَنَجِسٌ إنْ كَانَ مِمَّا مَيْتَتُهُ نَجِسَةٌ، وَإِلَّا كَجَرَادٍ لَوْ كَانَ لَهُ لَبَنٌ فَيَنْبَغِي طَهَارَتُهُ لِأَنَّهُ تَهَيَّأَ لِلْخُرُوجِ كَالْبِيضِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِنَجَاسَتِهِ.
قَوْلُهُ: (وَكَذَا لَبَنُ الْآدَمِيِّ) وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَمِثْلُهُ الْجِنُّ وَالْمَلَكُ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (وَمِنْ ذَلِكَ يُؤْخَذُ إلَخْ) رَدَّهُ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ اللَّبَنَ، مِنْ حَيْثُ هُوَ مِنْ الْآدَمِيِّ وَلَوْ مِنْ صَغِيرٍ مُنْشَأٍ لَهُ بِخِلَافِ الْمَنِيِّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْإِحْبَالُ، وَلِذَلِكَ لَا تَثْبُتُ أُمِّيَّةُ الْوَلَدِ فِي أَمَةِ صَغِيرٍ، وَقَدْ يُسْلَكُ فِيهِ بِكَوْنِ لَبَنِ الصَّغِيرَةِ لَا يُحَرِّمُ فِي الرَّضَاعِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لِعَدَمِ التَّغَذِّي فِيهِ بِالْفِعْلِ فَرَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (وَالْجُزْءُ الْمُنْفَصِلُ) مِنْهُ الْمَشِيمَةُ وَبُرْنُسُ الْوَلَدِ وَثَوْبُ الثُّعْبَانِ وَنَحْوُهَا. قَوْلُهُ: (إلَّا شَعْرَ الْمَأْكُولِ) مَا لَمْ يَنْفَصِلْ مَعَ قِطْعَةِ لَحْمٍ تُقْصَدُ وَإِلَّا فَهُوَ نَجِسٌ تَبَعًا لَهَا، وَإِنَّ لَمْ يَقْصِدْ فَهُوَ طَاهِرٌ دُونَهَا، وَتُغْسَلُ أَطْرَافُهُ إنْ كَانَ فِيهَا رُطُوبَةٌ أَوْ دَمٌ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا فِي شَرْحِ شَيْخِنَا وَغَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (مِنْ الْآدَمِيِّ) قَيَّدَ بِهِ لِأَجْلِ الْخِلَافِ وَإِلَّا فَهِيَ طَاهِرَةٌ مِنْ غَيْرِ الْمُغَلَّظِ. قَوْلُهُ: (بِنَجَسٍ) قَالَ الدَّمِيرِيّ: بِفَتْحِ الْجِيمِ فَهُوَ مَصْدَرٌ، فَصَحَّ وُقُوعُهُ خَبَرًا عَنْ الْمُؤَنَّثِ، وَلَا يَصِحُّ بِكَسْرِ الْجِيمِ لِأَنَّهُ اسْمُ عَيْنٍ قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْأَلْيَنَ أَصْلُ الْآدَمِيِّ) لَوْ سَكَتَ عَنْ لَفْظِ الْآدَمِيِّ لَكَانَ صَوَابًا إذْ هُمَا مِنْ الْحَيَوَانِ الطَّاهِرِ طَاهِرَانِ أَيْضًا،
ـــــــــــــــــــــــــــــQخَاصَّةٌ بِالْآدَمِيِّ.
قَوْلُ الشَّارِحِ: (أَنَّهَا تَحُكُّ الْمَنِيَّ إلَخْ) قَالَ الْمَحَامِلِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُسْتَحَبُّ غَسْلُهُ رَطْبًا وَفَرْكُهُ يَابِسًا اهـ. قُلْت: لَوْ قِيلَ بِاسْتِحْبَابِهِ مُطْلَقًا خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا.
قَوْلُ الشَّارِحِ: (مِنْ الْآدَمِيِّ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ قَيَّدَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْإِمَامَ (الرَّافِعِيَّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَائِلٌ بِنَجَاسَةِ مَنِيِّ غَيْرِ الْآدَمِيِّ، فَكَذَا عَلَقَتُهُ وَمُضْغَتُهُ فِيمَا يَظْهَرُ، ثُمَّ رَأَيْت الْإِسْنَوِيَّ قَالَ: يُشْتَرَطُ فِي طَهَارَةِ الْعَلَقَةِ وَالْمُضْغَةِ عَلَى قَاعِدَةِ الرَّافِعِيِّ أَنْ يَكُونَا مِنْ الْآدَمِيِّ فَإِنَّ مَنِيَّ غَيْرِهِ نَجِسٌ عِنْدَهُ فَهُمَا أَوْلَى بِالنَّجَاسَةِ مِنْهُ، قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ تَرَدُّدُهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي نَجَاسَتِهِمَا مَعَ جَزْمِهِ بِطَهَارَةِ الْمَنِيِّ، يَعْنِي مِنْ الْآدَمِيِّ، وَأَمَّا عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ طَهَارَةِ الْمَنِيِّ الْمَذْكُورِ فَفِيهِ نَظَرٌ اهـ.
قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: لَك أَنْ تَمْنَعَ كَوْنَهُمَا أَوْلَى بِالنَّجَاسَةِ مِنْ الْمَنِيِّ فَإِنَّهُمَا صَارَا أَقْرَبَ إلَى الْحَيَوَانِيَّةِ مِنْهُ، وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الدَّمَوِيَّةِ مِنْهُمَا، وَأَمَّا جَزْمُهُ بِطَهَارَةِ الْمَنِيِّ فَهُوَ فِي مَنِيِّ الْآدَمِيِّ، وَالشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَفْرِضْ الْكَلَامَ فِيهِ بَلْ فَرَضَهُ