الْآدَمِيِّ وَالسَّمَكِ وَالْجَرَادِ) لِحُرْمَةِ تَنَاوُلِهَا.
قَالَ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3] وَمَيْتَةُ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ طَاهِرَةٌ لِحِلِّ تَنَاوُلِهَا، وَكَذَا مَيْتَةُ الْآدَمِيِّ فِي الْأَظْهَرِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70] وَقَضِيَّةُ التَّكْرِيمِ أَنْ لَا يُحْكَمَ بِنَجَاسَتِهِمْ بِالْمَوْتِ، وَسَوَاءٌ الْكُفَّارُ وَالْمُسْلِمُونَ
(وَدَمٍ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَحْرِيمِهِ (وَقَيْحٍ) لِأَنَّهُ دَمٌ مُسْتَحِيلٌ (وَقَيْءٍ) كَالْغَائِطِ (وَرَوْثٍ) بِالْمُثَلَّثَةِ كَالْبَوْلِ (وَبَوْلٍ) لِلْأَمْرِ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ الْمُتَقَدِّمِ أَوَّلَ الطَّهَارَةِ
(وَمَذْيٍ) بِسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ لِلْأَمْرِ بِغَسْلِ الذَّكَرِ مِنْهُ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ فِي قِصَّةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَيَحْصُلُ عِنْدَ ثَوَرَانِ الشَّهْوَةِ (وَوَدْيٍ) بِسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ كَالْبَوْلِ وَهُوَ يَخْرُجُ عَقِبَهُ أَوْ عِنْدَ حَمْلِ شَيْءٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــSوَمِنْهَا مَذْبُوحُ مَنْ لَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ كَالْمَجُوسِ وَمَذْبُوحُ غَيْرِ الْمَأْكُولِ، وَلَيْسَ مِنْهَا جَنِينُ الْمُذَكَّاةِ وَلَا جَنِينٌ فِي جَوْفِ هَذَا الْجَنِينِ وَلَا صَيْدٌ مَاتَ بِثِقَلِ جَارِحَةٍ، وَلَا بَعِيرٌ عُقِرَ حِينَ شَرَدَ وَنَحْوُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (غَيْرِ الْآدَمِيِّ) وَكَالْآدَمِيِّ الْجِنُّ وَالْمَلَكِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.
قَوْلُهُ: (لِحُرْمَةِ تَنَاوُلِهَا) مَعَ عَدَمِ الِاسْتِقْذَارِ وَضَرَرِهِ. قَوْلُهُ: (فِي الْأَظْهَرِ) فِيهِ اعْتِرَاضٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَمُقَابِلُهُ أَنَّ الْمَيِّتَ نَجِسٌ، وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَعَلَيْهِ تُسْتَثْنَى الْأَنْبِيَاءُ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالشُّهَدَاءُ، وَهَلْ يَطْهُرُ بِالْغُسْلِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ؟ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْبَغَوِيُّ مِنْ أَئِمَّتِنَا إنَّهُ يَطْهُرُ، وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ. قَوْلُهُ: (وَقَضِيَّةُ التَّكْرِيمِ) أَيْ قَضِيَّةُ عُمُومِهِ فِي الْآيَةِ إذْ لَمْ يَرِدْ تَخْصِيصٌ.
قَوْلُهُ (الْكُفَّارُ) وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] فَالْمُرَادُ نَجَاسَةُ اعْتِقَادِهِمْ أَوْ اجْتِنَابُهُمْ كَالنَّجَسِ، وَغَيْرُ الْمُشْرِكِينَ مِثْلُهُمْ، أَوْ الْمُرَادُ بِهِمْ مُطْلَقُ الْكُفَّارِ، وَالْمَوْتُ كَالْحَيَاةِ.
قَوْلُهُ: (دَمٌ مُسْتَحِيلٌ) أَيْ إلَى فَسَادٍ فَلَا يَرِدُ نَحْوُ الْمَنِيِّ كَاللَّبَنِ قَوْلُهُ: (وَقَيْءٍ) حَيْثُ وَصَلَ إلَى الْمَعِدَةِ الَّتِي هِيَ الْمُنْخَسِفُ تَحْتَ الصَّدْرِ، وَلَوْ مَاءً وَعَادَ حَالًا بِلَا تَغَيُّرٍ، لِأَنَّ شَأْنَ الْمَعِدَةِ الْإِحَالَةُ فَلَا يَجِبُ تَسْبِيعُ فَمِ مَنْ تَقَيَّأَ مُغَلَّظًا قَبْلَ اسْتِحَالَتِهِ وَلَا دُبُرِهِ لِذَلِكَ.
وَقَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ بِوُجُوبِ تَسْبِيعِ الْفَمِ فِي غَيْرِ الْمُسْتَحِيلِ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ بِوُجُوبِ تَسْبِيعِ الدُّبُرِ أَيْضًا فِي غَيْرِ الْمُسْتَحِيل. نَعَمْ مَا أَلْقَاهُ الْحَيَوَانُ مِنْ حَبٍّ لَوْ زُرِعَ لَنَبَتَ، وَبَيْضٍ لَوْ حُضِنَ لَفَرَّخَ مُتَنَجِّسٌ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ، لَا نَجِسٌ، وَكَذَا نَحْوُ حَصَاةٍ وَعَظْمٍ.
(فَرْعٌ) يُعْفَى عَنْ الْقَيْءِ لِمَنْ اُبْتُلِيَ بِهِ وَإِنْ كَثُرَ فِي ثَوْبِهِ وَبَدَنِهِ، وَعَنْ مَاءٍ يَخْرُجُ مِنْ فَمِ النَّائِمِ إذَا عُلِمَ نَجَاسَتُهُ بِأَنْ كَانَ مِنْ الْمَعِدَةِ، وَيُعْرَفُ بِأَنَّهُ مِنْهَا بِتَغَيُّرِهِ وَإِلَّا فَهُوَ طَاهِرٌ. قَوْلُهُ: (وَرَوْثٍ) وَلَوْ مِنْ مَأْكُولِ اللَّحْمِ خِلَافًا لِمَالِكٍ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْعُذْرَةِ لِأَنَّهَا فَضْلَةُ الْآدَمِيِّ خَاصَّةً، وَمِثْلُهُ الْبَوْلُ.
قَوْلُهُ: (وَمَذْيٍ بِسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ) أَيْ مَعَ تَخْفِيفِ الْيَاءِ، وَبِكَسْرِ الذَّالِ مَعَ تَخْفِيفِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِهَا وَهُوَ مَاءٌ أَبْيَضُ رَقِيقٌ، وَقِيلَ أَصْفَرُ رَقِيقٌ، وَقِيلَ أَبْيَضُ ثَخِينٌ فِي الشِّتَاءِ وَأَصْفَرُ رَقِيقٌ فِي الصَّيْفِ. نَعَمْ يُعْفَى عَنْهُ لِمَا اُبْتُلِيَ بِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْجِمَاعِ.
(فَرْعٌ) قَالَ شَيْخُنَا كَغَيْرِهِ: يَحْرُمُ جِمَاعُ غَيْرِ الْمُسْتَنْجِي بِالْمَاءِ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْمَاءِ. قَوْلُهُ: فِي قِصَّةِ «عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَمَّا قَالَ كُنْت رَجُلًا مَذَّاءً فَاسْتَحْيَيْت أَنْ أَسْأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقُرْبِ ابْنَتِهِ مِنِّي، فَأَمَرْت الْمُغِيرَةَ، فَسَأَلَهُ فَقَالَ: يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ» . قَوْلُهُ: (وَوَدْيٍ بِسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ) وَفِي ضَبْطِهِ وَوَصْفِهِ مَا مَرَّ قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: (وَمَنِيِّ الْآدَمِيِّ) إنْ بَلَغَ أَوَانُهُ وَلَوْ خَصِيًّا وَمَمْسُوحًا وَعِنِّينًا وَخُنْثَى، فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ أَوَانُهُ كَابْنِ دُونِ تِسْعِ سِنِينَ فَقَالَ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ بِطَهَارَتِهِ قِيَاسًا عَلَى لَبَنِ الصَّغِيرِ وَهُوَ مَرْدُودٌ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى شَرَعَ الْمُؤَلِّفُ فِي ضَبْطِ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ لِيُعْلَمَ أَنَّ مَا عَدَاهَا فِي حُكْمِ الطَّهَارَةِ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ عَلَى نَجَاسَةِ الْخَمْرِ بِالْإِجْمَاعِ، حَكَاهُ أَبُو حَامِدٍ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: كَأَنَّهُمَا أَرَادَا إجْمَاعَ الطَّبَقَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ وَإِلَّا فَقَدْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ رَبِيعَةُ شَيْخُ مَالِكٍ وَالْمَزْنِيُّ.
. قَوْلُ الشَّارِحِ: (لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ بِحَالٍ) نَقَضَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِالْحَشَرَاتِ، انْتَهَى. وَذَهَبَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى طَهَارَةِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ، وَلَكِنْ يُغْسَلُ مِنْ وُلُوغِهِمَا تَعَبُّدًا.
(تَنْبِيهٌ) مَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ طَاهِرٌ إلَّا الدُّودَ الْمُتَوَلِّدَ مِنْ الْمَيْتَةِ، وَالْحَيَوَانُ الْمُرَبَّى بِلَبَنِ كَلْبَةٍ عَلَى وَجْهٍ مَرْجُوحٍ فِيهِمَا.
قَوْلُ الشَّارِحِ (وَكَذَا مَيْتَةُ الْآدَمِيِّ فِي الْأَظْهَرِ) خَصَّ الْأَحْوَذِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ الْخِلَافَ بِغَيْرِ الشَّهِيدِ، ثُمَّ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ الْمَيِّتِ يَطْهُرُ بِالْغُسْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَاخْتَارَهُ الْبَغَوِيّ.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِنَا خِلَافُ ذَلِكَ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَقَيْءٌ) لَوْ قَاءَ الْمَاءَ أَوْ نَحْوَهُ قَبْلَ الِاسْتِحَالَةِ فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ أَنْ لَا يَكُونَ نَجِسَ الْعَيْنِ بَلْ يَطْهُرُ الْمَاءُ بِالْمُكَاثَرَةِ أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ الْحَبِّ الصَّحِيحِ إذَا أَلْقَتْهُ الدَّابَّةُ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَرَوْثٌ) قَالَ فِي الدَّقَائِقِ: هُوَ شَامِلٌ لِلْخَارِجِ مِنْ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ، بِخِلَافِ الْعُذْرَةِ فَإِنَّهَا