الْحُرِّ أَنَّهُ يَمْلِكُ شَيْئًا. وَالثَّالِثُ إنْ لَزِمَهُ الدَّيْنُ بِاخْتِيَارِهِ كَالصَّدَاقِ وَالضَّمَانِ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةِ، وَإِنْ لَزِمَهُ لَا بِاخْتِيَارِهِ كَأَرْشِ الْجِنَايَةِ وَغَرَامَةِ الْمُتْلَفِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَشْغَلُ ذِمَّتَهُ بِاخْتِيَارِهِ بِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ
(وَتُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْإِعْسَارِ فِي الْحَالِّ) بِالشَّرْطِ فِي قَوْلِهِ (وَشَرْطُ شَاهِدِهِ) وَهُوَ اثْنَانِ وَقِيلَ: ثَلَاثَةٌ (خِبْرَةُ بَاطِنِهِ) أَيْ الْمُعْسِرِ بِطُولِ الْجِوَارِ وَكَثْرَةِ الْمُجَالَسَةِ وَالْمُخَالَطَةِ فَإِنَّ الْأَمْوَالَ تُخْفَى فَإِنْ عَرَفَ الْقَاضِي أَنَّ الشَّاهِدَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَذَاكَ وَإِلَّا فَلَهُ اعْتِمَادُ قَوْلِهِ أَنَّهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ (وَلْيَقُلْ هُوَ مُعْسِرٌ وَلَا يُمَحِّضْ النَّفْيَ كَقَوْلِهِ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا) بَلْ يُقَيِّدُهُ كَقَوْلِهِ لَا يَمْلِكْ إلَّا قُوتَ يَوْمِهِ وَثِيَابَ بَدَنِهِ (وَإِذَا ثَبَتَ إعْسَارُهُ) عِنْدَ الْقَاضِي (لَمْ يَجُزْ حَبْسُهُ وَلَا مُلَازَمَتُهُ بَلْ يُمْهَلُ حَتَّى يُوسِرَ) لِلْآيَةِ نَعَمْ لِلْغَرِيمِ تَحْلِيفُهُ وَيَجِبُ بِطَلَبِهِ قِيلَ: وَمَعَ سُكُوتِهِ أَيْضًا فَيَكُونُ مِنْ آدَابِ الْقَاضِي
(وَالْغَرِيبُ الْعَاجِزُ عَنْ بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ يُوَكِّلُ الْقَاضِي بِهِ مَنْ يَبْحَثُ عَنْ حَالِهِ فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إعْسَارُهُ شَهِدَ بِهِ) لِئَلَّا يَتَخَلَّدَ فِي الْحَبْسِ وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا تَصْدِيرُ الْكَلَامِ بِلَفْظِ يَنْبَغِي أَنْ يُوَكِّلَ. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ وَهَذَا أَبْدَاهُ الْإِمَامُ تَفَقُّهًا لِنَفْسِهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــSقُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْيَسَارِ، حَيْثُ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَالٌ وَبَيَّنَتْ سَبَبَ يَسَارِهِ؛ لِأَنَّهَا نَافِلَةٌ وَإِلَّا قُدِّمَتْ الْأُخْرَى وَيُغْنِي عَنْ بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ بَيِّنَةُ تَلِفَ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ أَقَرَّ بِأَنَّهُ مَلِيءٌ.
قَوْلُهُ: (وَتُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْإِعْسَارِ فِي الْحَالِ) مِنْ غَيْرِ مُضِيِّ مُدَّةٍ يُحْبَسُ فِيهَا لِيَخْتَبِرَ فِيهَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ. قَوْلُهُ: (وَشَرْطُ شَاهِدِهِ) أَيْ إنْ شَهِدَ بِالْإِعْسَارِ، فَإِنْ شَهِدَ بِتَلَفِ الْمَالِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى خِبْرَةِ بَاطِنِهِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ (بِطُولِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ وُجُوهَ الِاخْتِبَارِ ثَلَاثَةٌ أَمَّا الْجِوَارُ أَوْ الْمُعَامَلَةُ الْمُشَارُ إلَيْهَا بِالْمُخَالَطَةِ، أَوْ الْمُرَافَقَةُ فِي السَّفَرِ وَنَحْوُهُ الْمُشَارُ إلَيْهَا بِالْمُجَالَسَةِ كَمَا وَقَعَ ذَلِكَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَيْثُ قَالَ لِمُزَكِّي الشَّاهِدَيْنِ بِمَاذَا تَعْرِفُهُمَا قَالَ بِالدِّينِ، وَالصَّلَاحِ. فَقَالَ: هَلْ أَنْتَ جَارُهُمَا تَعْرِفُ صَبَاحَهُمَا وَمَسَاءَهُمَا؟ قَالَ: لَا قَالَ فَهَلْ عَامَلْتَهُمَا فِي الصَّفْرَاءِ وَالْبَيْضَاءِ أَيْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. قَالَ: لَا فَقَالَ: هَلْ رَافَقْتَهُمَا فِي السَّفَرِ الَّذِي يُسْفِرُ عَنْ أَخْلَاقِ الرِّجَالِ. قَالَ: لَا قَالَ: فَاذْهَبْ فَإِنَّك لَا تَعْرِفُهُمَا لَعَلَّك رَأَيْتَهُمَا فِي الْجَامِعِ يُصَلِّيَانِ. قَوْلُهُ: (إنَّهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ) أَيْ خِبْرَةِ الْبَاطِنِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَطْلُبَ مِنْ الشَّاهِدِ مَنْ يَشْهَدُ أَنَّهُ يَعْلَمُ، بِأَنَّ الْمُعْسِرَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَحْلِيفِ الْمُعْسِرِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُمَحِّضُ النَّفْيَ) أَيْ لِأَنَّهُ كَذَبَ لَكِنْ غَيْرُ مُفَسَّقٍ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مَعَهُ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَاهَا.
قَوْلُهُ: (نَعَمْ لِلْغَرِيمِ تَحْلِيفُهُ) تَقَدَّمَ مَا فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَالْغَرِيبُ) الْمُرَادُ مَنْ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ. قَوْلُهُ: (يُوَكِّلُ الْقَاضِي) قَالَ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ: نَدْبًا وَقَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: وُجُوبًا وَذَلِكَ بَعْدَ حَبْسِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْعِلَّةِ بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (مَنْ يَبْحَثُ) أَيْ اثْنَيْنِ مِنْ الرِّجَالِ فَأَكْثَرَ، وَلَا يَكْفِي وَاحِدٌ وَأَجَرْتُهُمَا عَلَى الْغَرِيبِ فِي ذِمَّتِهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ، كَذَا قَالَهُ شَيْخُنَا هُنَا وَالْوَجْهُ كَمَا قَدْ مَرَّ عَنْهُ، خِلَافُهُ فِي أُجْرَةِ الْمُنَادِي عَلَيْهِ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (يَنْبَغِي) أَيْ يُنْدَبُ أَوْ يَجِبُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
تَنْبِيهٌ: لَا يُحْبَسُ وَالِدٌ وَإِنْ عَلَا وَلَوْ أُنْثَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ أَوْ الْأَبِ لِدَيْنِ وَلَدِهِ، وَإِنْ سَفَلَ وَلَوْ مِنْ جِهَةِ النَّفَقَةِ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ زَمِنًا وَلَا يُحْبَسُ مَرِيضٌ؛ وَلَا مُخَدَّرَةٌ وَلَا ابْنُ السَّبِيلِ، لَكِنْ يَسْتَوْثِقُ الْقَاضِي عَلَيْهِمْ بِمَا يَرَاهُ وَلَوْ لِمَنْعِهِ مِنْ السَّفَرِ، وَلَا يُحْبَسُ طِفْلٌ وَلَا مَجْنُونٌ وَلَا وَصِيٌّ وَلَا قَيِّمٌ وَلَا وَكِيلٌ فِيمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِمُعَامَلَتِهِمْ، وَلَا عَبْدٌ جَانٍ وَلَا سَيِّدُهُ وَلَا مُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ، وَلَا مُسْتَأْجِرُ الْعَيْنِ عَلَى عَمَلٍ يَتَعَذَّرُ فِي الْحَبْسِ، وَلَوْ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْعَمَلِ، خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ، وَلَا يُكَلَّفُ حُضُورَ مَجْلِسِ الْمَحْبُوسِ مِمَّا يَرَى الْمَصْلَحَةَ فِي مَنْعِهِ كَشَمِّ الرَّيَاحِينِ، وَمُحَادَثَةِ الْأَصْدِقَاءِ وَالِاسْتِمْتَاعِ بِالْحَلِيلَةِ، وَلَهُ ضَرْبُهُ وَنَحْوُهُ إنْ لَمْ يَنْزَجِرْ بِالْحَبْسِ، وَلَا يُقْفَلُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالظَّاهِرِ قَدْ تَحَقَّقَ وَعَمِلَ بِهِ بَعْدَ الْحَجْرِ، وَقِسْمَةُ الْمَالِ، قَالَ السُّبْكِيُّ: فَيُتَّجَهُ هُنَا أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ إلَّا إنْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ غَيْرُ الَّذِي قُسِّمَ سَابِقًا عَلَيْهِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (فِي الْحَالِ إلَخْ) أَيْ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ قَالَ: لَا بُدَّ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ اخْتِبَارِهِ بِالْحَبْسِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِمَنْ عُهِدَ لَهُ مَالٌ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ ثَلَاثَةٌ) أَيْ لِحَدِيثٍ فِي ذَلِكَ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَإِذَا ثَبَتَ إعْسَارُهُ إلَخْ) لَهُ أَنْ يَحْلِفَ لِغَرِيمِهِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ إعْسَارَهُ، وَإِذَا طَلَبَ الْخُرُوجَ مِنْ الْحَبْسِ كُلَّ يَوْمٍ لِذَلِكَ أُجِيبَ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ لِلْقَاضِي تَعَنُّتُهُ، وَكَذَا صَاحِبُ الدَّيْنِ فِي حَقِّ مَنْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي الْإِعْسَارِ، لَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ كُلَّ يَوْمٍ بِشَرْطِهِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ اسْتَفَادَ مَالًا بَعْدَ الْحَلِفِ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ سَبَبِ الَّذِي اسْتَفَادَهُ.