فَصْلٌ: مَنْ بَاعَ وَلَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ حَتَّى حُجِرَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْفَلَسِ أَيْ بِسَبَبِ إفْلَاسِهِ وَالْمَبِيعُ بَاقٍ عِنْدَهُ (فَلَهُ) أَيْ لِلْبَائِعِ (فَسْخُ الْبَيْعِ وَاسْتِرْدَادُ الْمَبِيعِ) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَفْلَسَ الرَّجُلُ وَوَجَدَ الْبَائِعُ سِلْعَتَهُ بِعَيْنِهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مِنْ الْغُرَمَاءِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ نَحْوَهُ وَلَا فَسْخَ قَبْلَ الْحَجْرِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ خِيَارَهُ) أَيْ الْفَسْخِ (عَلَى الْفَوْرِ) كَخِيَارِ الْعَيْبِ بِجَامِعِ دَفْعِ الضَّرَرِ. وَالثَّانِي عَلَى التَّرَاخِي كَخِيَارِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ لِلْوَلَدِ وَعَنْ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ لَا يَمْتَنِعُ تَأْقِيتُهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْفَسْخُ بِالْوَطْءِ) لِلْأَمَةِ (وَالْإِعْتَاقِ وَالْبَيْعِ) كَمَا لَا يَحْصُلُ بِهَا فِي الْهِبَةِ لِلْوَلَدِ وَالثَّانِي يَحْصُلُ بِوَاحِدٍ مِنْهَا كَمَا يَحْصُلُ بِهِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ مِنْ الْبَائِعِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَحْصُلُ بِفَسَخْتُ الْبَيْعَ أَوْ رَفَعْته أَوْ نَقَضْته وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى إذْنِ الْحَاكِمِ فِي الْأَصَحِّ
(وَلَهُ) أَيْ لِلشَّخْصِ (الرُّجُوعُ) فِي عَيْنِ مَالِهِ بِالْفَسْخِ (فِي سَائِرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSالْحَبْسُ عَلَيْهِ إلَّا إنْ رَآهُ الْقَاضِي مَصْلَحَةً، وَلَا يَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِ مَنْ حُبِسَ لَهُ، وَإِنْ تَعَدَّدَ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ السِّجْنِ وَالسَّجَّانِ، ثُمَّ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ الْمُسْلِمِينَ الْمُوسِرِينَ، وَلَوْ انْفَلَتَ مِنْ الْحَبْسِ لَمْ يَلْزَمْ الْقَاضِي طَلَبُهُ، وَإِعَادَتُهُ إلَّا بِطَلَبِ خَصْمِهِ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَيَسْأَلُهُ لِمَ هَرَبَ، فَإِنْ عَلَّلَهُ بِإِعْسَارِهِ لَمْ يُعَزِّرْهُ، وَإِلَّا عَزَّرَهُ إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً.
فَرْعٌ: مِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى لَوْ حَلَفَ، أَنَّهُ يُوَفِّي فُلَانًا حَقَّهُ فِي وَقْتِ كَذَا، ثُمَّ ادَّعَى الْإِعْسَارَ فِيهِ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ السَّابِقُ فِي الْمُفْلِسِ، فَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ إنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَالٌ، وَيُعَذَّرُ بِغَيْبَةِ صَاحِبِ الدَّيْنِ، قَالَ شَيْخُنَا: وَبِغَيْبَتِهِ هُوَ قَبْلَ الْوَقْتِ وَنُوزِعَ فِيهِ. قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: وَلْيَنْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِالْإِعْسَارِ هُنَا، هَلْ هُوَ الْمُفْلِسُ، فَلَا يَحْنَثُ بِمَا يَتْرُكُ لَهُ أَوْ الْمُرَادُ عَجْزُهُ عَنْ جِنْسِ الدَّيْنِ، وَإِذَا ظَنَّ أَنَّ الْيَسَارَ لَا يَكُونُ بِالْعُرُوضِ بَلْ بِالْفِضَّةِ أَوْ بِالذَّهَبِ مَثَلًا، هَلْ يُصَدَّقُ وَيُعَذَّرُ فِيهِ رَاجِعْ وَحَرِّرْ وَيُتَّجَهُ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي كُلِّ مَا يُشْعِرُ حَالُهُ، بِأَنَّهُ يَخْفَى عَلَيْهِ، وَلَوْ حُبِسَتْ الزَّوْجَةُ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا، وَلَوْ مِنْ الزَّوْجِ ظُلْمًا وَكَذَا عَكْسُهُ إلَّا إنْ حَبَسَتْهُ بِحَقٍّ فَلَهَا النَّفَقَةُ.
فَصْلٌ فِي الرُّجُوعِ عَلَى الْمُفْلِسِ فِي الْمُعَامَلَةِ مَعَهُ وَمَا يَتْبَعُهُ. قَوْلُهُ: (بِسَبَبِ إفْلَاسِهِ) خَرَجَ بِهِ حَجْرُ السَّفَهِ، وَغَيْرُ الْحَجْرِ فَلَا فَسْخَ وَلَا رُجُوعَ. قَوْلُهُ: (فَلَهُ) جَوَازًا فِي الْمُتَصَرِّفِ عَنْ نَفْسِهِ، وَوُجُوبًا فِي الْمُتَصَرِّفِ عَنْ غَيْرِهِ، وَفِيهِ غِبْطَةٌ نَعَمْ. إنْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِمَنْعِهِ امْتَنَعَ، وَلَا يَنْقُضُ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مُعَارَضَةٌ لِلنَّصِّ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرَادَ بِقَوْلِهِ أَحَقُّ بِهَا أَيْ بِثَمَنِهَا، وَلَا يَلْزَمُ فِي ذَلِكَ التَّقْدِيمُ لِلثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ دَفْعُ الْإِشْكَالِ. قَوْلُهُ: (فَسْخُ الْبَيْعِ) وَإِنْ مَاتَ الْمُفْلِسُ خِلَافًا لِمَالِكٍ فِي الْمَيِّتِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ فِي الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ. قَوْلُهُ: (وَاسْتِرْدَادُ الْمَبِيعِ) أَيْ كُلِّهِ وَإِنْ كَانَ قَبَضَ بَعْضَ الثَّمَنِ، وَلَهُ الْفَسْخُ فِي بَعْضِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ كَمَا سَيَأْتِي، وَلَوْ ظَهَرَ لَهُ مَالٌ يَفِي بِدُيُونِهِ، وَكَانَ أَخْفَاهُ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ الرُّجُوعِ الَّذِي وَقَعَ فَلَا يَبْطُلُ قَالَهُ شَيْخُنَا وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِذَلِكَ فَسَادُ الْحَجْرِ عَلَيْهِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْفَوْرِ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ أَخْذًا مِنْ التَّشْبِيهِ بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (كَخِيَارِ الْعَيْبِ) فَيُعَذَّرُ فِي جَهْلِهِ وَلَوْ صَالَحَ بِعِوَضٍ جَاهِلًا بِثُبُوتِهِ لَمْ يَبْطُلْ عَلَى الْأَصَحِّ. قَوْلُهُ: (عَلَى التَّرَاخِي) هُوَ مَرْجُوحٌ وَعَلَيْهِ قَالَ فِي الْحَاوِي: يَمْتَدُّ إلَى أَنْ يَعْزِمَ الْقَاضِي عَلَى بَيْعِ مَالِ الْمُفْلِسِ، فَهُوَ مُقَابِلُ قَوْلِ الْقَاضِي الْمَذْكُورِ. قَوْلُهُ: (كَخِيَارِ الرُّجُوعِ) وَفَرَّقَ بِعَدَمِ الضَّرَرِ هُنَاكَ. قَوْلُهُ: (كَمَا يَحْصُلُ إلَخْ) وَفَرَّقَ بِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ. قَوْلُهُ: (وَظَاهِرٌ) أَيْ هُوَ أَمْرٌ لَا يَخْفَى، فَلِذَلِكَ سَكَتَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ أَوْ هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ كَلَامِهِ حَيْثُ جَعَلَ الْخِلَافَ فِي الْفِعْلِ خَاصَّةً. قَوْلُهُ: (وَلَا يُفْتَقَرُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ رُجُوعُ الْوَجْهَيْنِ لِلْقَوْلِ، وَهُوَ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَيُحْتَمَلُ رُجُوعُهُ لِلْفِعْلِ أَيْضًا،
فَصْلٌ: مَنْ بَاعَ وَلَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ حَتَّى حُجِرَ عَلَى الْمُشْتَرِي يُفِيدُ أَنَّ الْبَيْعَ فِي حَالِ الْحَجَرِ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ يُسْتَثْنَى الْجَاهِلُ وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْحَجْرِ مُجَرَّدُ الْإِفْلَاسِ، وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْفَلِسِ الْحَجْرُ بِالسَّفَهِ وَنَحْوِهِ كَالْجُنُونِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَلَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ) خَالَفَ ابْنُ حَرْبَوَيْهِ فَقَالَ: لَا يُفْسَخُ بَلْ يُقَدَّمُ بِثَمَنِهِ كَالْمَرْهُونِ، وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ الْفَسْخِ وَوَافَقَنَا مَالِكٌ عَلَيْهِ، لَكِنَّهُ خَالَفَ فِيمَنْ مَاتَ مُفْلِسًا مِنْ غَيْرِ حَجْرٍ. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي عَلَى التَّرَاخِي) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: عَلَيْهِ يَمْتَدُّ إلَى أَنْ يُقْدِمَ الْقَاضِي عَلَى بَيْعِهِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَالْإِعْتَاقِ) وَلَوْ أَتْلَفَهُ الْبَائِعُ فَالْقِيَاسُ كَمَا