«وَشِفَاءُ سُقْمٍ» .
(وَزِيَارَةُ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ فَرَاغِ الْحَجِّ) فَفِي حَدِيثٍ «مَنْ حَجَّ وَلَمْ يَزُرْنِي فَقَدْ جَفَانِي» رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَغَيْرِهِ، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ: «مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي» وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا تَجُوزُ لِغَيْرِ زَائِرِهِ، وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ زِيَارَةُ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَهَمِّ الْقُرُبَاتِ، فَإِذَا انْصَرَفَ الْحَاجُّ وَالْمُعْتَمِرُونَ مِنْ مَكَّةَ اُسْتُحِبَّ لَهُمْ اسْتِحْبَابًا مُتَأَكَّدًا أَنْ يَتَوَجَّهُوا إلَى الْمَدِينَةِ لِزِيَارَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلْيُكْثِرْ الْمُتَوَجِّهُ إلَيْهَا فِي طَرِيقِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيمِ عَلَيْهِ، وَيَزِيدُ مِنْهُمَا إذَا أَبْصَرَ أَشْجَارَهَا مَثَلًا، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْتَسِلَ قَبْلَ دُخُولِهِ وَيَلْبَسَ أَنْظَفَ ثِيَابِهِ، فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدُ قَصَدَ الرَّوْضَةَ وَهِيَ مَا بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ فَيُصَلِّي تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ بِجَنْبِ الْمِنْبَرِ ثُمَّ يَأْتِي الْقَبْرَ فَيَسْتَقْبِلُ رَأْسَهُ وَيَسْتَدْبِرُ الْقِبْلَةَ، وَيَبْعُدُ مِنْهُ نَحْوَ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ فَيَقِفُ نَاظِرًا إلَى أَسْفَلِ مَا يَسْتَقْبِلُهُ فِي مَقَامِ الْهَيْبَةِ وَالْإِجْلَالِ، فَارِغَ الْقَلْبِ مِنْ عَلَائِقِ الدُّنْيَا، وَيُسَلِّمُ وَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ، وَأَقَلُّ السَّلَامِ عَلَيْهِ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْك وَسَلَّمَ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ: «مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ» ثُمَّ يَتَأَخَّرُ إلَى صَوْبِ يَمِينِهِ قَدْرَ ذِرَاعٍ فَيُسَلِّمُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَإِنَّ رَأْسَهُ عِنْدَ مَنْكِبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَتَأَخَّرُ قَدْرَ ذِرَاعٍ آخَرَ فَيُسَلِّمُ عَلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى مَوْقِفِهِ الْأَوَّلِ قُبَالَةَ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَتَوَسَّلُ بِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَيَسْتَشْفِعُ بِهِ إلَى رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَيَدْعُو لِنَفْسِهِ، وَمَنْ شَاءَ وَالْمُسْلِمِينَ انْتَهَى.
ـــــــــــــــــــــــــــــSمُعْتَمِرٍ وَأَنْ يَتَضَلَّعَ مِنْهُ وَأَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ عِنْدَ شُرْبِهِ مِنْهَا، وَأَنْ يَنْوِيَ حَالَ شُرْبِهِ مَا شَاءَ مِنْ جَلْبِ نَفْعٍ أَوْ زَوَالِ مَرَضٍ لِمَا فِي الْحَدِيثِ: «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» . وَسَيَأْتِي مَا يَتَعَلَّقُ بِفَضْلِهِ فِي الْمُحَرَّمَاتِ. قَوْلُهُ: (طَعَامٌ طُعِمَ) لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يُغْنِي عَنْ الْمَطْعُومَاتِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُشْبِعُ كَالطَّعَامِ. قَوْلُهُ: (وَشِفَاءُ سُقْمٍ) أَيْ شُرْبُ مَائِهَا يَشْفِي مِنْ السَّقَامِ بِقَصْدِهِ.
قَوْلُهُ: (بَعْدَ فَرَاغِ الْحَجِّ) لَيْسَ قَيْدًا إلَّا لِكَوْنِهِ لَهُ آكَدُ فَتُسَنُّ الزِّيَادَةُ وَلَوْ لِغَيْرِ حَاجٍّ وَمُعْتَمِرٍ. بَلْ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ الْمَالِكِيُّ: إنَّ قَصْدَ زِيَارَتِهِ أَفْضَلُ مِنْ قَصْدِ الْكَعْبَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ. قَوْلُهُ: (قَصَدَ الرَّوْضَةَ) فَفِي الْحَدِيثِ: «مَا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ» . أَيْ قِطْعَةٌ مِنْ أَرْضِ الْجَنَّةِ، أَوْ الْعَمَلُ فِيهَا كَالْعَمَلِ فِي رِيَاضِ الْجَنَّةِ، أَوْ مُوصِلٌ إلَى رِيَاضِ الْجَنَّةِ، أَوْ أَنَّهَا سَتَكُونُ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، أَوْ الْجَالِسُ فِيهَا يَرَى مِنْ الرَّاحَةِ مَا يَرَاهُ الْجَالِسُ فِي رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَعَلَى كُلٍّ يَحْنَثُ مَنْ جَلَسَ فِيهَا وَحَلَفَ أَنَّهُ جَالِسٌ فِي الْجَنَّةِ. قَوْلُهُ: (وَالْمِنْبَرُ) فَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي» . فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الْآنَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يُنْقَلُ إلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ. قَوْلُهُ: (وَأَقَلُّ السَّلَامِ عَلَيْهِ إلَخْ) وَيَزِيدُ عَلَيْهِ مِنْ فُلَانٍ إنْ كَانَ قَدْ حَمَّلَهُ السَّلَامَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (إلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي) يُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلَى حَذْفِ قَدْ الْمُفِيدَةِ لِاسْتِمْرَارِهَا قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ، وَهَذَا أَوْلَى الْأَجْوِبَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا تَرِدُ حَقِيقَةً لِأَنَّ رُوحَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا النُّطْقُ كَمَا قَالَهُ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ الْمَلَكُ الَّذِي يُبَلِّغُهُ كَمَا فِي رِوَايَةِ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ عِنْدَ قَبْرِي وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ مَلَكًا يُبَلِّغُنِي، وَكُفِيَ أَمْرَ دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ، وَكُنْت لَهُ شَفِيعًا وَشَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
قَوْلُهُ: (يَتَأَخَّرُ) أَيْ يَمْشِي إلَى جِهَةِ يَمِينِهِ، وَكَذَا مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ مَنْكِبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ فِي مُقَابَلَتِهِ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ. قَوْلُهُ: (عَلَى عُمَرَ) وَرَأْسُهُ عِنْدَ مَنْكِبِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى مِثْلِ مَا ذُكِرَ. قَوْلُهُ: (قُبَالَةَ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَعَلَامَتُهُ الْكَوْكَبُ الْمُسَمَّى بِالدُّرِّيِّ الْمَلْصُوقِ بِجِدَارِ الْقَبْرِ الشَّرِيفِ دَاخِلَ الْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ، وَكَانَ فِيمَا مَضَى مِسْمَارًا مِنْ فِضَّةٍ، وَصَارَ الْآنَ حَجَرًا مِنْ الْأَلْمَاسِ الْأَصْفَرِ أَبْدَلَهُ بِهِ السُّلْطَانُ أَحْمَدُ فِي زَمَنِ سَلْطَنَتِهِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ) أَيْ بِحَيْثُ لَا يَسْتَدْبِرُ الْقَبْرَ الشَّرِيفَ وَإِذَا أَرَادَ السَّفَرَ يُوَدِّعُ الْمَسْجِدَ بِرَكْعَتَيْنِ وَأَعَادَ الزِّيَارَةَ الْمَذْكُورَةَ، ثُمَّ يَدْعُو بِمَا شَاءَ ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلُهُ آخِرَ الْعَهْدِ بِي مِنْ حَرَمِ رَسُولِك، وَيَسِّرْ لَنَا الْعَوْدَ إلَى الْحَرَمَيْنِ سَبِيلًا سَهْلًا
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيُسَنُّ دُخُولُ الْكَعْبَةِ مِنْ غَيْرِ إيذَاءٍ، قَالَ الْحَلِيمِيُّ: وَإِذَا دَخَلَهَا يَخِرُّ سَاجِدًا. قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ سُجُودُ شُكْرٍ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَزِيَارَةُ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ فَرَاغِ الْحَجِّ) عَنْ الْعَبْدَرِيِّ الْمَالِكِيِّ أَنَّ زِيَارَتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ مِنْ قَصْدِ الْكَعْبَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ. قَالَ فِي الْقُوتِ: وَيُكْرَهُ مَسْحُ الْجِدَارِ بِالْيَدِ وَتَقْبِيلُهُ وَكَذَا إلْصَاقُ الْبَطْنِ، أَوْ الظَّهْرِ بِالْجِدَارِ. قَالَ: وَلَا تَغْتَرَّ بِمَنْ يَفْعَلُ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَأَقَلُّ السَّلَامِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَيْك إلَخْ) وَإِذَا حَمَّلَهُ أَحَدٌ سَلَامًا يَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ قَالَهُ السُّبْكِيُّ.