تَتِمَّةٌ: يَجِبُ، وَفِي قَوْلٍ: يُسْتَحَبُّ فِي تَرْكِ الْمَبِيتِ لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ دَمٌ، وَفِي قَوْلٍ: فِي كُلِّ لَيْلَةٍ دَمٌ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فِي اللَّيْلَةِ مُدٌّ وَفِي قَوْلٍ دِرْهَمٌ، وَفِي آخَرَ ثُلُثُ دَمٍ، وَفِي اللَّيْلَتَيْنِ ضِعْفُ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَنْفِرْ قَبْلَ الثَّالِثَةِ، فَإِنْ نَفَرَ قَبْلَهَا فَفِي وَجْهِ الْحُكْمِ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ إلَّا لَيْلَتَيْنِ، وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الدَّمِ بِكَمَالِهِ، لِتَرْكِ جِنْسِ الْمَبِيتِ بِمِنًى. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَتَرْكُ الْمَبِيتِ نَاسِيًا كَتَرْكِهِ عَامِدًا، صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْمَعْذُورِينَ أَمَّا مَنْ هُمْ كَأَهْلِ سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ وَرِعَاءِ الْإِبِلِ فَلَهُمْ تَرْكُ الْمَبِيتِ لَيَالِيَ مِنًى مِنْ غَيْرِ دَمٍ، رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ لِلْعَبَّاسِ، أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى لِأَجْلِ السِّقَايَةِ» ، وَرَوَى مَالِكٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرُهُمْ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ لِرِعَاءِ الْإِبِلِ أَنْ يَتْرُكُوا الْمَبِيتَ بِمِنًى» ، الْحَدِيثَ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَإِذَا رَمَى يَوْمَ النَّحْرِ فَفِي تَدَارُكِهِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ طَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَدَارُكِ رَمْيِهَا، وَالثَّانِي لَا يَتَدَارَكُ قَطْعًا لِأَنَّ لَهُ أَثَرًا فِي التَّحَلُّلِ بِخِلَافِ رَمْيِهَا وَعَلَى التَّدَارُكِ يَأْتِي فِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِهِ أَدَاءً وَجَوَازُهُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَوُجُوبُ التَّرْتِيبِ بَعْدَهُ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمُصَنِّفُ كَابْنِ الصَّلَاحِ فِي مَنَاسِكِهِمَا.
(وَإِذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ) بَعْدَ فَرَاغِ النُّسُكِ (طَافَ لِلْوَدَاعِ) رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ طَافَ لِلْوَدَاعِ» ، وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ الطَّوَافَ» أَيْ بِالْبَيْتِ كَمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــSيَوْمَانِ وَثُلُثَانِ فَيَكْمُلُ يَوْمًا فَهِيَ ثَلَاثَةٌ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ بَلْ الصَّوَابُ الْأَوَّلُ فَتَأَمَّلْهُ.
وَعَلَى هَذَا فَفِي الْمُدَّيْنِ سَبْعَةُ أَيَّامٍ يَوْمَانِ فِي الْحَجِّ وَخَمْسَةٌ إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ. قَوْلُهُ: (يَجِبُ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (فَفِي اللَّيْلَةِ مُدٌّ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الدَّمِ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (فَلَهُمْ تَرْكُ الْمَبِيتِ لَيَالِي مِنَى) مِنْ غَيْرِ دَمٍ بِشَرْطِ أَنْ يَخْرُجَ الرِّعَاءُ مِنْ مِنًى قَبْلَ الْغُرُوبِ، بِخِلَافِ أَهْلِ السِّقَايَةِ لِأَنَّ عَمَلَهُمْ لَيْلًا. وَخَرَجَ بِالْمَبِيتِ الرَّمْيُ وَلَوْ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَلَيْسَ لَهُمْ تَرْكُهُ وَيَتَدَارَكُونَهُ مَا بَقِيَ الْوَقْتُ وَإِلَّا فَفِيهِ الدَّمُ عَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ فِي غَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ: (كَأَهْلِ إلَخْ) فَمِثْلُهُمْ مَنْ يَخَافُ عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ أَوْ فَوْتِ مَطْلُوبٍ كَآبِقٍ أَوْ ضَيَاعِ مَرِيضٍ بِلَا مُتَعَهِّدٍ أَوْ مَوْتِ نَحْوِ قَرِيبٍ فِي غَيْبَتِهِ، فَلَوْ تَرَكَ الْمَبِيتَ بِلَا دَمٍ لَا الرَّمْيَ، وَسِقَايَةُ الْعَبَّاسِ لَيْسَتْ قَيْدًا بَلْ كُلُّ سِقَايَةٍ كَذَلِكَ، وَسَوَاءٌ رِعَاءُ إبِلِ الْحَاجِّ وَغَيْرِهَا.
تَنْبِيهٌ: اسْتَنْبَطَ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ بَاتَ مَنْ شُرِطَ مَبِيتُهُ فِي مَدْرَسَتِهِ مَثَلًا خَارِجَهَا لِنَحْوِ خَوْفٍ عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ أَوْ زَوْجَةٍ لَمْ يَسْقُطْ مِنْ مَعْلُومِهِ شَيْءٌ.
فَرْعٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمَبِيتَ لَا يَسْقُطُ بِالسَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ وَالنِّسْيَانِ كَمَا مَرَّ فِي الرَّمْيِ، فَفِيهِ الدَّمُ فَرَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (أَصَحُّهُمَا) هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَالْمُعْتَمَدُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ جَوَازُ التَّدَارُكِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي غَيْرِهِ.
فَرْعٌ: يُنْدَبُ لِمَنْ نَفَرَ مِنْ مِنًى فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَكَذَا فِي الثَّانِي عَلَى مَا بَحَثَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنْ يَنْزِلَ بِالْمُحَصَّبِ وَيُصَلِّيَ بِهِ الْعَصْرَيْنِ وَالْمَغْرِبَيْنِ وَيَبِيتَ بِهِ لِلِاتِّبَاعِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ الْمَنَاسِكِ وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ ثُمَّ مُهْمَلَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ، وَتَشْدِيدِ الثَّانِيَةِ مِنْهُمَا وَآخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ، وَادٍ مُتَّسِعٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَمِنًى وَإِلَى مِنًى أَقْرَبُ، وَيُقَالُ لَهُ: الْأَبْطُحُ وَالْبَطْحَاءُ وَخَيْفُ بَنِي كِنَانَةَ وَحْدَهُ مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ إلَى الْمَقْبَرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (بَعْدَ فَرَاغِ النُّسُكِ) صَرِيحُ هَذَا أَنَّ طَوَافَ الْوَدَاعِ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجَّ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ نِيَّةٍ، وَلَا يَكْفِي
ـــــــــــــــــــــــــــــQ- رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَوْلُهُ: (فَلَهُمْ تَرْكُ الْمَبِيتِ) لَهُمْ أَيْضًا أَنْ يَدْعُوَا فِي يَوْمٍ، وَيَأْتُوا بِهِ فِي الثَّانِي قَبْلَ رَمْيِهِ نَعَمْ لَا يُرَخَّصُ لَهُمْ فِي تَرْكِ رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ.
وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي مَحَلٍّ آخَرَ بَعْدَ ذَلِكَ إنَّ هَذَا لَا يُعْقَلُ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِجَوَازِ تَأْخِيرِ الرَّمْيِ لِغَيْرِ أَرْبَابِ الْأَعْذَارِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَسْأَلَةَ الْمَعْذُورِ فِيهَا ضَمُّ تَرْكِ الرَّمْيِ إلَى تَرْكِ الْمَبِيتِ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: سَبَبُ الْإِشْكَالِ خَلْطُ طَرِيقَةٍ بِطَرِيقَةٍ، فَإِنَّ طَرِيقَةَ الْبَغَوِيّ أَنَّ التَّدَارُكَ قَضَاءٌ وَالْجُمْهُورِ أَدَاءٌ وَالْبَغَوِيُّ مَعَ أَرْبَابِ الْعُذْرِ مَعَ الزِّيَادَةِ عَلَى يَوْمٍ فَتَبِعَهُ الرَّافِعِيُّ، وَغَفَلَ عَنْ كَوْنِهِ مُفَرَّعًا عَلَى طَرِيقَتِهِ مِنْ الْقَضَاءِ فِي الْإِشْكَالِ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ: الْأَدَاءُ أَوْ الْقَضَاءُ أَمْرٌ اصْطِلَاحِيٌّ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمَا حُكْمُ جَوَازِ التَّأْخِيرِ وَعَدَمِهِ وَاخْتَارَ أَنَّهُ يَحْرُمُ تَأْخِيرُ رَمْيِ كُلِّ يَوْمٍ عَنْ غُرُوبِهِ لِغَيْرِ الْمَعْذُورِ مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّ التَّدَارُكَ يَكُونُ أَدَاءً. قَوْلُهُ: (وَرِعَاءِ الْإِبِلِ) حَاوَلَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ إبِلَ الْحَاجِّ، وَالْوَجْهُ خِلَافُهُ أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ الْخَوْفِ عَلَى الْمَالِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ لَهُ أَثَرًا فِي التَّحَلُّلِ) أَيْ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: (وَوُجُوبُ التَّرْتِيبِ بَعْدَهُ) الضَّمِيرُ فِيهِ رَاجِعٌ لِلزَّوَالِ مِنْ قَوْلِهِ. وَجَوَازُهُ قَبْلَ الزَّوَالَ.
. قَوْلُ الْمَتْنِ: (طَافَ لِلْوَدَاعِ) لَوْ أَخَّرَ الْحَاجُّ طَوَافَ الرُّكْنِ حَتَّى انْتَهَى أَمْرُهُ مِنْ الْمَبِيتِ، وَالرَّمْيِ ثُمَّ دَخَلَ مَكَّةَ فَطَافَ لِلرُّكْنِ، وَخَرَجَ مُسَافِرًا لَمْ