وَدَلَّ عَلَى دُخُولِهِمَا فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا رَوَى مُسْلِمٌ «أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ، ثُمَّ الْيُسْرَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي السَّاقِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي السَّاقِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ» . (فَإِنْ قُطِعَ بَعْضُهُ) أَيْ بَعْضُ الْمَذْكُورِ مِنْ الْيَدَيْنِ وَالْيَدُ مُؤَنَّثَةٌ (وَجَبَ غَسْلُ مَا بَقِيَ) مِنْهُ (أَوْ مِنْ مِرْفَقَيْهِ) بِأَنْ فُكَّ عَظْمُ الذِّرَاعِ مِنْ عَظْمِ الْعَضُدِ (فَرَأْسُ أَعْظَمِ الْعَضُدِ) يَجِبُ غَسْلُهُ (عَلَى الْمَشْهُورِ) لِأَنَّهُ مِنْ الْمِرْفَقِ، وَمُقَابِلُهُ يَقُولُ لَا، وَإِنَّمَا وَجَبَ غَسْلُهُ حَالَةَ الِاتِّصَالِ لِضَرُورَةِ غَسْلِ الْمِرْفَقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِالْوُجُوبِ، وَصَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ.
(أَوْ) مِنْ (فَوْقِهِ نُدِبَ) غَسْلُ (بَاقِي عَضُدِهِ) مُحَافَظَةً عَلَى التَّحْجِيلِ وَسَيَأْتِي.
(الرَّابِعُ: مُسَمَّى مَسْحٍ لِبَشَرَةِ رَأْسِهِ أَوْ شَعْرٍ فِي حَدِّهِ) أَيْ حَدِّ الرَّأْسِ بِأَنْ لَا يَخْرُجَ بِالْمَدِّ عَنْهُ وَلَوْ خَرَجَ عَنْهُ بِالْمَدِّ لَمْ يَكْفِهِ الْمَسْحُ عَلَى الْخَارِجِ. قَالَ تَعَالَى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] وَرَوَى مُسْلِمٌ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ فَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى الْعِمَامَةِ» فَدَلَّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِمَسْحِ الْبَعْضِ، وَالرَّأْسُ مُذَكَّرٌ (وَالْأَصَحُّ جَوَازُ غَسْلِهِ) لِأَنَّهُ مَسْحٌ وَزِيَادَةٌ. (وَ) جَوَازُ (وَضْعِ الْيَدِ) عَلَيْهِ (بِلَا مَدٍّ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ وُصُولِ الْبَلَلِ إلَيْهِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ فِيهِمَا يَقُولُ مَا ذُكِرَ لَا يُسَمَّى مَسْحًا.
(الْخَامِسُ: غَسْلُ رِجْلَيْهِ مَعَ كَعْبَيْهِ) مِنْ كُلِّ رِجْلٍ، وَهُمَا الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ عِنْدَ مَفْصِلِ السَّاقِ وَالْقَدَمِ. قَالَ تَعَالَى: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] قُرِئَ فِي السَّبْعِ بِالنَّصْبِ وَبِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْأَيْدِي لَفْظًا فِي الْأَوَّلِ وَمَعْنًى فِي الثَّانِي
ـــــــــــــــــــــــــــــSيَدٍ الْتَصَقَتْ فِي مَحَلِّ يَدِهِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهَا بَعْدَ قَطْعِهَا بِحَرَارَةِ الدَّمِ، بِحَيْثُ يُخْشَى مِنْ إزَالَتِهَا مَحْذُورُ تَيَمُّمٍ، وَيَجِبُ غَسْلُ ظَاهِرِ كَفٍّ أَوْ أُصْبُعٍ مِنْ نَحْوِ نَقْدٍ، وَغَسْلُ مَوْضِعِ شَوْكَةٍ إنْ كَانَ لَوْ قُلِعَتْ لَا يَنْطَبِقُ مَوْضِعُهَا، وَلَا يَصِحُّ الْوُضُوءُ مَعَهَا وَإِلَّا فَلَا، وَيَجِبُ غَسْلُ مَا عَلَى الْيَدَيْنِ مِنْ شَعْرٍ وَإِنْ كَثُفَ وَطَالَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَيَجِبُ إزَالَةُ مَا عَلَيْهِمَا مِنْ نَحْوِ جِرْمٍ كَشَمْعٍ يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ، وَلَا يَضُرُّ لَوْنُ نَحْوَ صَبَّاغٍ وَلَا دُهْنٌ لَا جِرْمَ لَهُ، وَيَجِبُ إزَالَةُ نَحْوِ قَشَفٍ مَيِّتٍ وَمَا تَحْتَ ظُفْرٍ مِنْ وَسَخٍ يَمْنَعُ الْمَاءَ. قَوْلُهُ: (مِرْفَقَيْهِ) وَلَوْ تَقْدِيرًا مِنْ أَمْثَالِهِ. قَوْلُهُ: (أَشْرَعَ) بِالْهَمْزِ أَوَّلُهُ فِي الْجَمِيعِ لِأَنَّ أَشْرَعَ وَشَرَعَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ لُغَةً. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مِنْ الْمِرْفَقِ) إذْ الْمِرْفَقُ اسْمٌ لِلْعِظَامِ الثَّلَاثَةِ. قَوْلُهُ: (وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ) فِيهِ اعْتِرَاضٌ حَيْثُ الْخِلَافُ.
قَوْلُهُ: (لِبَشَرَةِ رَأْسِهِ) وَمِنْهَا الْبَيَاضُ فَوْقَ الْأُذُنِ لَا مَا حَوْلَهَا. قَوْلُهُ: (شَعْرٍ) وَيَكْفِي شَعْرَةٌ أَوْ بَعْضُهَا. قَوْلُهُ: (فِي حَدِّهِ) أَيْ حَالَةَ مَسْحِهِ فَلَا يَضُرُّ إزَالَتُهُ بِالْحَلْقِ بَعْدَهُ كَقَطْعِ الْيَدِ بَعْدَ غَسْلِهَا وَلَا خُرُوجُهُ عَنْ الْحَدِّ بِطُولِهِ بَعْدَ الْمَسْحِ أَيْضًا، وَمِثْلُهُ جِلْدَةٌ تَدَلَّتْ فَلَا يَكْفِي الْمَسْحُ عَلَى مَا خَرَجَ عَنْ حَدِّ الرَّأْسِ مِنْهَا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ خَرَجَ بِالْمَدِّ) أَيْ جِهَةَ اسْتِرْسَالِهِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَكْفِ الْمَسْحُ عَلَى الْخَارِجِ) لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى رَأْسًا، وَصَحَّ تَقْصِيرُهُ فِي الْحَجِّ لِأَنَّهُ يُسَمَّى شَعْرًا، تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (مِنْ وُصُولِ الْبَلَلِ) يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ مَسَحَ شَيْئًا عَلَى رَأْسِهِ فَوَصَلَ الْبَلَلُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَكْفِي، قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: مَا لَمْ يَقْصِدْ مَا عَلَى الرَّأْسِ فَقَطْ كَمَا فِي الْجُرْمُوقِ، وَيُوَافِقُهُ بَعْضُ نُسَخِ شَرْحِ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ الِاكْتِفَاءُ هُنَا مُطْلَقًا لِأَنَّ الْمَسْحَ هُنَا أَصْلٌ، وَلِأَنَّ مَا عَلَى الرَّأْسِ قَدْ يُطْلَبُ مَسْحُهُ، انْتَهَى، وَهُوَ ظَاهِرٌ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (لَا يُسَمَّى مَسْحًا) وَلَعَلَّ الْأَوَّلَ يُوَافِقُهُ لَكِنَّهُ نَظَرَ إلَى حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْمَقْصُودِ مِنْ الْمَسْحِ كَمَا عَلَّلَ بِهِ، فَلَا مُخَالَفَةَ، إلَّا فِي اللَّفْظِ، إذْ حَقِيقَةُ الْغُسْلِ غَيْرُ حَقِيقَةِ الْمَسْحِ قَطْعًا.
قَوْلُهُ: (كَعْبَيْهِ) وَلَوْ تَقْدِيرًا لِمَنْ فَقَدَهُمَا خِلْقَةً مِنْ أَمْثَالِهِ. قَوْلُهُ: (عَطْفٌ عَلَى الْأَيْدِي) كَانَ الْمُوَافِقُ لِلْقَاعِدَةِ الْعَرَبِيَّةِ أَنْ يَقُولَ عَلَى الْوُجُوهِ كَمَا فَعَلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ. قَوْلُهُ: (وَمَعْنًى) أَيْ تَقْدِيرًا فَهُوَ مَنْصُوبٌ بِفَتْحَةٍ مَقْدِرَةٍ مَنَعَ مِنْهَا حَرَكَةُ الْجُوَارِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ حَرَكَةَ إعْرَابٍ خِلَافًا لِلدَّمَامِينِيِّ، فَقَوْلُهُ لِجَرِّهِ عَلَى الْجُوَارِ فِيهِ تَسَامُحٌ، لِأَنَّ الْجَرَّ بِالْمُجَاوِرَةِ لَا يَكُونُ مَعَ الْوَاوِ، وَبِفَرْضِ جَوَازِهِ مَعَهَا عَلَى مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ لَا يَنْبَغِي تَخْرِيجُ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُ الشَّارِحِ: (حَتَّى أَشْرَعَ إلَخْ) أَيْ دَخَلَ فِيهَا، وَمِنْهُ أَشْرَعَ بَابًا إلَى الطَّرِيقِ أَيْ فَتَحَهُ، ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (إلَّا