لِجَرِّهِ عَلَى الْجُوَارِ، وَالْفَصْلُ بَيْنَ الْمَعْطُوفَيْنِ لِلْإِشَارَةِ إلَى التَّرْتِيبِ بِتَقْدِيمِ الْمَسْحِ عَلَى غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَدَلَّ عَلَى دُخُولِ الْكَعْبَيْنِ فِي الْغَسْلِ فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ فِي الْيَدَيْنِ: وَغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ هُوَ الْأَصْلُ، وَسَيَأْتِي جَوَازُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ بَدَلَهُ.
(السَّادِسُ: تَرْتِيبُهُ هَكَذَا) أَيْ كَمَا ذُكِرَ مِنْ الْبُدَاءَةِ بِغَسْلِ الْوَجْهِ ثُمَّ الْيَدَيْنِ ثُمَّ الرَّأْسِ ثُمَّ الرِّجْلَيْنِ لِلِاتِّبَاعِ كَمَا فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ وَغَيْرِهِ. (فَلَوْ اغْتَسَلَ مُحْدِثٌ) بِنِيَّةِ الْوُضُوءِ بَدَلَهُ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ تَقْدِيرُ تَرْتِيبٍ بِأَنْ غَطَسَ وَمَكَثَ) قَدْرَ التَّرْتِيبِ (صَحَّ) لَهُ الْوُضُوءُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَقْدِيرُ التَّرْتِيبِ فِيهِ بِأَنْ غَطَسَ وَخَرَجَ فِي الْحَالِ مِنْ غَيْرِ مُكْثٍ (فَلَا) يَصِحُّ لَهُ وُضُوءٌ (قُلْت: الْأَصَحُّ الصِّحَّةُ بِلَا مُكْثٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ الْغُسْلَ يَكْفِي لِلْحَدَثِ الْأَكْبَرِ فَلِلْأَصْغَرِ أَوْلَى وَقِيلَ لَا يَصِحُّ فِي الْمُكْثِ أَيْضًا لِأَنَّ التَّرْتِيبَ فِيهِ تَقْدِيرِيٌّ لَا تَحْقِيقِيٌّ.
(وَسُنَنُهُ) أَيْ الْوُضُوءِ (السِّوَاكُ عَرْضًا) لِحَدِيثِ «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ» أَيْ أَمْرَ إيجَابٍ، رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ وَحَدِيثِ «إذَا اسْتَكْتُمْ فَاسْتَاكُوا عَرْضًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ. وَالْمُرَادُ عَرْضُ الْأَسْنَانِ.
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: كَرِهَ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَصْحَابِنَا الِاسْتِيَاكَ طُولًا أَيْ لِأَنَّهُ يَجْرَحُ اللِّثَةَ (بِكُلِّ خَشِنٍ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ، وَأَوْلَاهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــSتَنْبِيهٌ) الْمُرَادُ بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ الْمَذْكُورَةِ انْغِسَالُهَا سَوَاءٌ بِالْفِعْلِ أَوْ لَا، لَكِنْ مَعَ مُلَاحَظَتِهِ فِي الثَّانِي، وَيَكْفِي ظَنُّ غَسْلِهَا، وَلَا يُشْتَرَطُ الْيَقِينُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الْحَسَنُ خِلَافًا لِمَنْ نَازَعَ فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ الْوَادِي تَوَضَّأَ وُضُوءًا لَمْ يَبُلَّ مِنْهُ الثَّرَى.
(فَائِدَةٌ) فِي ذِكْرِ حُكْمِهِ لِجَمْعِ الْمَرَافِقِ وَتَثْنِيَةِ الْكَعْبَيْنِ فِي الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ، مَعَ أَنَّ الْوَاقِعَ عَكْسُ ذَلِكَ، وَهِيَ أَنَّ لِكُلِّ مِرْفَقٍ ثَلَاثَةُ عِظَامٍ، فَجُمْلَةُ الْمِرْفَقَيْنِ سِتَّةُ أَعْظُمَ، أَرْبَعَةٌ مِنْ رَأْسِ الْعَضُدَيْنِ، وَاثْنَانِ مِنْ السَّاعِدَيْنِ، فَلَوْ ذَكَرَ التَّثْنِيَةَ فِيهِمَا لَتُوُهِّمَ إخْرَاجُ الْأَرْبَعَةِ الْأُولَى وَأَنَّ لِكُلِّ رَجُلٍ كَعْبَيْنِ، وَلَوْ ذَكَرَهُمَا بِصِيغَةِ الْجَمْعِ لَتُوُهِّمَ أَنَّ لِكُلِّ رَجُلٍ ثَلَاثَةَ كُعُوبٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ.
قَوْلُهُ: (تَرْتِيبُهُ) وَلَا يَسْقُطُ بِجَهْلٍ وَلَا نِسْيَانٍ وَلَا إكْرَاهٍ، فَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى تَنْكِيسِهِ حَصَلَ لَهُ الْوَجْهُ فَقَطْ، وَلَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ عَنْ بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ، وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ غُصِبَ مَاؤُهُ، قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (اغْتَسَلَ) وَلَوْ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ. قَوْلُهُ: (غَطَسَ) بِفَتْحِ الطَّاءِ يَغْطِسُ بِكَسْرِهَا كَضَرَبَ يَضْرِبُ. قَوْلُهُ: (بِنِيَّةِ الْوُضُوءِ) أَيْ بِنِيَّةٍ مِنْ نِيَّاتِهِ أَوْ بِنِيَّةٍ مِنْ نِيَّاتِ الْغُسْلِ غَلَطًا، وَلَا بُدَّ مِنْ مُمَاسَّةِ الْمَاءِ لِجُزْءٍ مِنْ الْوَجْهِ عِنْدَ النِّيَّةِ لِإِتْمَامِ الِانْغِمَاس وَلَوْ مُنَكَّسًا. قَوْلُهُ: (بَدَلَهُ) بَيَانٌ لِلْوَاقِعِ فَلَا يُعْتَبَرُ قَصْدُهُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْغُسْلَ يَكْفِي إلَخْ) فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ الْأَكْبَرُ كَفَاهُ أَيْضًا نِيَّتُهُ عَنْ نِيَّةِ الْأَصْغَرِ، وَإِنْ نَفَاهُ لِاضْمِحْلَالِهِ مَعَهُ، وَقَضِيَّةُ الْعِلَّةِ أَنَّهُ لَوْ أَغْفَلَ لَمْعَةً مِنْ بَدَنِهِ لَمْ يَكْتَفِ بِهِ عَنْ الْأَصْغَرِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا إنْ كَانَ فِي غَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ لَمْ يَضُرَّ، أَوْ فِيهَا وَجَبَ غَسْلُهَا. وَغَسْلُ مَا بَعْدَهَا مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ لِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ حِينَئِذٍ، وَلَوْ اغْتَسَلَ الْجُنُبُ إلَّا أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ ثُمَّ أَرَادَ غَسْلَهَا وَلَوْ بَعْدَ حَدَثٍ أَصْغَرَ قَبْلَ غَسْلِهَا لَمْ يَجِبْ تَرْتِيبُهَا، وَلَوْ اغْتَسَلَ إلَّا رِجْلَيْهِ مَثَلًا ثُمَّ أَحْدَثَ ثُمَّ غَسَلَهُمَا ثُمَّ تَوَضَّأَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إعَادَةُ غَسْلِهِمَا، وَيُقَالُ هَذَا وُضُوءٌ خَالٍ عَنْ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَهُمَا مَكْشُوفَتَانِ بِلَا عِلَّةٍ، وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: وَخَالٍ عَنْ التَّرْتِيبِ أَيْضًا غَيْرُ صَحِيحٍ، وَهَلْ بَقِيَّةُ الْأَعْضَاءِ كَالرِّجْلَيْنِ؟ رَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (فَلِلْأَصْغَرِ أَوْلَى) لِأَنَّ قِيَامَ غَسْلِ جَمِيعِ الْبَدَنِ مَقَامَ غَسْلِ بَعْضِهِ أَقْوَى وَأَحَقُّ بِالِاعْتِبَارِ.
قَوْلُهُ: (وَسُنَنُهُ إلَخْ) قَدْ أَوْصَلَهَا بَعْضُهُمْ إلَى نَحْوِ الْخَمْسِينَ سُنَّةً، فَالْحَصْرُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ تَعْرِيفِ الْجُمْلَةِ بِالنَّظَرِ لِلْمَذْكُورِ هُنَا. قَوْلُهُ: (أَيْ الْوُضُوءِ) وَكَذَا التَّيَمُّمُ وَالْغُسْلُ وَإِنْ اسْتَاكَ لِلْوُضُوءِ قَبْلَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (السِّوَاكُ) أَيْ الِاسْتِيَاكُ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ لُغَةً عَلَى آلَةِ الدَّلْكِ وَلَوْ بِغَيْرِ سِوَاكٍ، وَعَلَى اسْتِعْمَالِ الْآلَةِ وَلَوْ فِي غَيْرِ الْفَمِ. وَالْمُرَادُ هُنَا اسْتِعْمَالُهَا فِي الْفَمِ، وَلِذَلِكَ عَرَّفُوهُ بِأَنَّهُ اسْتِعْمَالُ آلَةٍ مَخْصُوصَةٍ فِي أَجْزَاءِ الْفَمِ، وَأَصْلُهُ النَّدْبُ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ مُطْلَقًا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ، وَقَدْ يَخْرُجُ عَنْهُ لِعَارِضٍ مِنْ حَيْثُ وَصْفُهُ فَيَحْرُمُ لِنَحْوِ ضَرَرٍ أَوْ عَدَمِ إذْنٍ فِي سِوَاكِ غَيْرِهِ، وَيُكْرَهُ كَمَا يَأْتِي، وَيَجِبُ لِنَحْوِ إزَالَةِ نَجَاسَةٍ تَوَقَّفَتْ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَفِي شَرْحِ شَيْخِنَا حَدِيثٌ فِي الزَّيْتُونِ مُخَالِفٌ لِذَلِكَ، وَلَفْظُهُ: «هَذَا سِوَاكِي وَسِوَاكُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي وَإِنَّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ» انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَلَهُ أَصْلٌ فِي السُّنَّةِ. قَوْلُهُ: (عَرْضًا) هُوَ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، فَلَوْ عَطَفَهُ بِالْوَاوِ كَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ (عَرْضُ الْأَسْنَانِ) سَوَاءٌ ظَاهِرُهَا وَبَاطِنُهَا وَيُسَنُّ التَّيَامُنُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .