فِي الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ فِي وَقْتِهِ (نُسُكٌ عَلَى الْمَشْهُورِ) فَيُثَابُ عَلَيْهِ، وَهُوَ رُكْنٌ كَمَا سَيَأْتِي وَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ نُسُكٌ بِالدُّعَاءِ لِفَاعِلِهِ بِالرَّحْمَةِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ.

وَالثَّانِي هُوَ اسْتِبَاحَةُ مَحْظُورِ لِأَنَّهُ كَانَ مُحْرِمًا عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي فَأُبِيحَ لَهُ فَلَا ثَوَابَ فِيهِ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ كَالرَّافِعِيِّ.

وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: إنَّهُ مُسْتَحَبٌّ بِلَا خِلَافٍ (وَأَقَلُّهُ ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَيْ إزَالَتُهَا مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ (حَلْقًا أَوْ تَقْصِيرًا أَوْ نَتْفًا أَوْ إحْرَاقًا أَوْ قَصًّا) مِمَّا يُحَاذِي الرَّأْسَ أَوْ مِمَّا اسْتَرْسَلَ عَنْهُ فِي دُفْعَةٍ أَوْ دُفُعَاتٍ قَالَ تَعَالَى: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: 27] أَيْ شَعْرَهَا وَهُوَ يَصْدُقُ بِالثَّلَاثِ (وَمَنْ لَا شَعْرَ بِرَأْسِهِ يُسْتَحَبُّ) لَهُ (إمْرَارُ الْمُوسَى عَلَيْهِ) تَشْبِيهًا بِالْحَالِقِينَ (فَإِذَا حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ دَخَلَ مَكَّةَ وَطَافَ طَوَافَ الرُّكْنِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَسَعَى إنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى) بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ مَنْ سَعَى بَعْدَهُ لَمْ يُعِدْهُ. وَسَيَأْتِي أَنَّ السَّعْيَ رُكْنٌ (ثُمَّ يَعُودُ إلَى مِنًى) لِيَبِيتَ بِهَا (وَهَذَا الرَّمْيُ وَالذَّبْحُ وَالْحَلْقُ وَالطَّوَافُ يُسَنُّ تَرْتِيبُهَا كَمَا ذَكَرْنَا) وَلَا يَجِبُ، رَوَى مُسْلِمٌ «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي حَلَقْت قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ. فَقَالَ: ارْمِ وَلَا حَرَجَ. وَأَتَاهُ آخَرُ فَقَالَ: إنِّي أَفَضْت إلَى الْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ. فَقَالَ: ارْمِ وَلَا حَرَجَ» . وَرَوَى الشَّيْخَانِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ يَوْمَئِذٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إلَّا قَالَ افْعَلْ وَلَا حَرَجَ» وَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ فِي الذَّبْحِ وَالْحَلْقِ وَالرَّمْيِ وَالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فَقَالَ: «لَا حَرَجَ» وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْحَلْقَ اسْتِبَاحَةُ مَحْظُورٍ لَوْ فَعَلَهُ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالطَّوَافِ مَعًا لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ لِوُقُوعِ الْحَلْقِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ، (وَيَدْخُلُ وَقْتُهَا) يَعْنِي غَيْرَ الذَّبْحِ لِمَا سَيَأْتِي فِيهِ (بِنِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ) لِمَنْ وَقَفَ قَبْلَ ذَلِكَ.

رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْسَلَ أُمَّ سَلَمَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ فَرَمَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ أَفَاضَتْ» . وَقِيسَ الْبَاقِي مِنْهَا عَلَى ذَلِكَ (وَيَبْقَى وَقْتُ الرَّمْيِ إلَى

ـــــــــــــــــــــــــــــSفَرْعٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ أَفْضَلِيَّةِ الْحَلْقِ مَا لَوْ اعْتَمَرَ قَبْلَ الْحَجِّ فِي وَقْتٍ لَوْ حَلَقَ فِيهِ جَاءَ يَوْمَ النَّحْرِ وَلَوْ يُسَوِّدُ رَأْسَهُ فَالْأَفْضَلُ لَهُ التَّقْصِيرُ، وَإِنَّمَا لَمْ يُؤْمَرْ بِحَلْقِ بَعْضِ رَأْسِهِ فِي كُلٍّ لِكَرَاهَةِ الْقَزَعِ، نَعَمْ لَوْ كَانَ لَهُ رَأْسَانِ فَحَلَقَ وَاحِدًا مِنْهُمَا لَمْ يُكْرَهْ. قَوْلُهُ: (وَالْحَلْقُ نُسُكٌ إلَخْ) جُمْلَةُ الْخِلَافِ فِيهِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ رُكْنٌ سُنَّةٌ وَاجِبٌ مُبَاحٌ رُكْنٌ فِي الْعُمْرَةِ وَاجِبٌ فِي الْحَجِّ. قَوْلُهُ: (وَقَالَ الْغَزَالِيُّ) أَيْ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي. قَوْلُهُ: (أَوْ تَقْصِيرًا) هُوَ اسْمٌ لِإِزَالَةِ الشَّعْرِ بِأَيِّ آلَةٍ وَالْقَصُّ إزَالَتُهُ بِالْمِقْرَاضِ. قَوْلُهُ: (أَوْ دَفَعَاتٍ) وَالْأَفْضَلُ كَوْنُهَا مُتَوَالِيَةً. قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ الشَّعْرُ لِأَنَّهُ اسْمُ جَمْعٍ، وَلَوْ أَزَالَ شَعْرَةً وَاحِدَةً فِي ثَلَاثِ مَرَّاتٍ كَفَى كَمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْمَنَاسِكِ. قَوْلُهُ: (يُسْتَحَبُّ لَهُ إمْرَارُ الْمُوسَى عَلَيْهِ) وَلَوْ كَانَ بِهِ بَعْضُ شَعْرٍ نُدِبَ لَهُ مَعَ إزَالَتِهِ إمْرَارُ الْمُوسَى عَلَى بَقِيَّةِ رَأْسِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الْإِمْرَارُ هُنَا لِفَوَاتِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ الْوَاجِبُ وَهُوَ الشَّعْرُ لَا بَشَرَةَ الرَّأْسِ، وَبِذَلِكَ فَارَقَ الْمَسْحُ فِي الْوُضُوءِ، وَلَوْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْحَلْقُ صَبَرَ إلَى إمْكَانِهِ، وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَلْقُ وَلَا تَكْفِيهِ الْفِدْيَةُ وَلَا يَجِبُ زَوَالُهُ إذَا نَبَتَ بَعْدَ إمْرَارِ الْمُوسَى عَلَيْهِ، وَيُنْدَبُ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ نَحْوِ شَارِبِهِ وَلِحْيَتِهِ، وَشَيْءٍ مِنْ أَظْفَارِهِ، وَلَا يُنْدَبُ الْإِمْرَارُ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ. وَقَدْ أَخْطَأَ مَنْ نَسَبَهُ لِشَرْحِ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ. قَوْلُهُ: (طَوَافَ الرُّكْنِ) وَيُسَمَّى طَوَافَ الْفَرْضِ وَطَوَافَ الزِّيَارَةِ، وَطَوَافَ الصَّدَرِ بِفَتْحِ الدَّالِ. وَيُنْدَبُ أَنْ يَشْرَبَ بَعْدَهُ مِنْ سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ وَمِنْ زَمْزَمَ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَعُودُ) أَيْ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَلَوْ عَبَّرَ بِالْفَاءِ فِي السَّعْيِ وَالْعَوْدِ لَكَانَ أَوْلَى وَفِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلَاةَ بِمَكَّةَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجِبُ) أَيْ التَّرْتِيبُ وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَحَادِيثِ يُفِيدُ عَدَمَ الْوُجُوبِ لَا النَّدْبَ الَّذِي هُوَ الْمُدَّعَى فَتَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (يَعْنِي غَيْرَ الذَّبْحِ) وَسَكَتَ عَنْ السَّعْيِ لِمَا مَرَّ مِنْ جَوَازِهِ قَبْلَ الْوُقُوفِ. قَوْلُهُ: (لَيْلَةِ النَّحْرِ) أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَمَا مَرَّ فِي الْغَلَطِ. قَوْلُهُ: (لِمَنْ وَقَفَ) أَيْ بِعَرَفَةَ وَلَا عِبْرَةَ بِالْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ وَإِنْ كَانَ مَا ذُكِرَ يَتَأَخَّرُ عَنْ اللَّحْظَةِ الَّتِي لَهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــQأَقُولُ لَعَلَّ مُرَادَهُ الْوَاجِبُ أَصَالَةً لِئَلَّا يَرُدَّ مَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ شَهْرًا، ثُمَّ نَذَرَ أَنْ يَكُونَ مُتَتَابِعًا.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَمَنْ لَا شَعْرَ بِرَأْسِهِ) لَوْ كَانَ عَدَمُ الشَّعْرِ نَاشِئًا عَنْ إزَالَتِهِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهِ، وَلَكِنَّهُ يَنْبُتُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ إمْرَارُ الْمُوسَى الْآنَ، وَلَكِنْ مَتَى نَبَتَ هَلْ يَجِبُ حَلْقُهُ؟ ، هُوَ مُحْتَمَلٌ ثُمَّ رَأَيْت فِي الرَّوْضِ عَدَمَ الْوُجُوبِ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (ثُمَّ يَعُودُ إلَى مِنًى) أَيْ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، كَمَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى الظُّهْرَ بِمَكَّةَ» ، وَجَمَعَ النَّوَوِيُّ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ صَلَّى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015