شَخْصٍ حِينَئِذٍ سَبْعَ حَصَيَاتٍ إلَى جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الرَّمْيِ) لِأَخْذِهِ فِي أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ (وَيُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ) رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى الْجَمْرَةَ يَعْنِي يَوْمَ النَّحْرِ فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا مِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ» (ثُمَّ يَذْبَحُ مَنْ مَعَهُ هَدْيٌ ثُمَّ يَحْلِقُ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ (أَوْ يُقَصِّرُ وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ) قَالَ تَعَالَى: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: 27] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالْمُقَصِّرِينَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ. قَالَ فِي الرَّابِعَةِ: وَالْمُقَصِّرِينَ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. (وَتُقَصِّرُ الْمَرْأَةَ) وَلَا تُؤْمَرُ بِالْحَلْقِ رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ حَدِيثَ «لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ حَلْقٌ إنَّمَا عَلَى النِّسَاءِ التَّقْصِيرُ» وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ جَمَاعَةٍ: يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ الْحَلْقُ، وَعَنْ الْعِجْلِيّ أَنَّ التَّقْصِيرَ لِلْخُنْثَى أَفْضَلُ كَالْمَرْأَةِ (وَالْحَلْقُ) أَيْ إزَالَةُ الشَّعْرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSإلَى السَّهْوِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَسِيرُونَ) بِسَكِينَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَيُكْرَهُ التَّأْخِيرُ إلَيْهِ خِلَافًا لِمَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ. وَمَنْ وَجَدَ فُرْجَةً مِنْ الطَّرِيقِ أَسْرَعَ، وَإِذَا وَصَلُوا إلَى وَادِي مُحَسِّرٍ وَهُوَ فَاصِلٌ بَيْنَ مُزْدَلِفَةَ وَمِنًى كَمَا مَرَّ مَعَ وَجْهِ تَسْمِيَتِهِ بِذَلِكَ أَسْرَعَ الْمَاشِي وَحَرَّكَ الرَّاكِبُ دَابَّتَهُ قَدْرَ رَمْيَةِ حَجَرٍ حَتَّى يَقْطَعُوا عَرْضَ الْوَادِي. قَوْلُهُ: (فَيَصِلُونَ مِنًى) وَيُنْدَبُ لِكُلِّ مَنْ دَخَلَهَا أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ هَذِهِ مِنًى قَدْ أَتَيْتهَا وَأَنَا عَبْدُك وَابْنُ عَبْدِك أَسْأَلُك أَنْ تَمُنَّ عَلَيَّ بِمَا مَنَنْت بِهِ عَلَى أَوْلِيَائِك، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْحِرْمَانِ وَالْمُصِيبَةِ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) أَيْ وَارْتِفَاعِهَا كَرُمْحٍ. وَهَذَا وَقْتُ الْفَضِيلَةِ إلَى الزَّوَالِ. قَوْلُهُ: (فَيَرْمِي كُلُّ شَخْصٍ) وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ الْجَمْرَةَ وَيَسَارُهُ إلَى جِهَةِ مَكَّةَ وَيَمِينُهُ إلَى جِهَةِ مِنًى لِأَنَّ الْجَمْرَةَ لَيْسَتْ مِنْهَا كَمَا مَرَّ. وَيُنْدَبُ فِي رَمْيِ غَيْرِ هَذَا الْيَوْمِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ، ثُمَّ يَأْخُذَ لَهُ مَوْضِعًا مِنْ مِنًى، وَالْأَوْلَى مَنْزِلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عَلَى يَسَارِ مُصَلَّى الْإِمَامِ. وَهَذَا الرَّمْيُ تَحِيَّةُ مِنًى فَيُبَادِرُ بِهِ كَمَا أَفَادَتْهُ الْفَاءُ، حَتَّى أَنَّهُ يُنْدَبُ لِلرَّاكِبِ أَنْ لَا يَنْزِلَ قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: (وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ) لِأَنَّهَا إجَابَةٌ لِطَالِبِ الْمَنَاسِكِ وَهَذَا قَدْ أَخَذَ فِي الِانْصِرَافِ عَنْهَا وَلَا يَعُودُ إلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا يَعُودُ إلَيْهَا مَا عُلِمَ مُحْرِمًا. وَاَلَّذِي اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالتَّحَلُّلِ لَا بِالزَّوَالِ فَمَتَى تَحَلَّلَ يُكَبِّرُ، وَلَوْ قَبْلَ الزَّوَالِ وَإِلَّا فَيُلَبِّي وَلَوْ بَعْدَهُ فَلْيُرَاجَعْ مِنْ بَابِ صَلَاةِ الْعِيدِ. قَوْلُهُ: (وَيُكَبِّرُ) أَيْ ثَلَاثًا وَيَزِيدُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهَ وَحْدَهُ إلَخْ. وَيَرْمِي بِالْيَمِينِ وَيَرْفَعُ الرَّجُلُ يَدَهُ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إبْطِهِ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ رَمَاهَا. قَوْلُهُ: (مِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ) وَفِي نُسْخَةٍ قَدْرِ حَصَى الْخَذْفِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ الصَّوَابُ فَرَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَذْبَحُ) قَالَ جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «نَحَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِائَةَ بَدَنَةٍ ذَبَحَ بِيَدِهِ مِنْهَا ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً، وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَاقِيَهَا» . قَالَ بَعْضُهُمْ: وَفِي ذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى مُدَّةِ عُمُرِهِ الشَّرِيفِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَحْلِقُ) وَيُنْدَبُ لِكُلِّ مَحْلُوقٍ وَلَوْ حَلَالًا اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَالْبُدَاءَةُ بِالشِّقِّ الْأَيْمَنِ جَمِيعِهِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ كَذَلِكَ. وَأَنْ لَا يُشَارِطَ عَلَيْهِ وَأَنْ يَبْلُغَ بِهِ الْعَظْمَاتِ عِنْدَ الْأُذُنَيْنِ، وَأَنْ يَدْفِنَ شَعْرَهُ كَظُفْرِهِ وَأَنْ يَقُولَ بَعْدَهُ مَعَ التَّكْبِيرِ إنْ كَانَ مُحْرِمًا: اللَّهُمَّ أَعْطِنِي بِكُلِّ شَعْرَةٍ حَسَنَةً وَامْحُ عَنِّي بِهَا سَيِّئَةً، وَارْفَعْ لِي بِهَا دَرَجَةً وَاغْفِرْ لِي وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَزِيدُ الْمُحْرِمُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ وَالْمُقَصِّرِينَ. وَيُنْدَبُ التَّزَيُّنُ بِغَيْرِ الْحَلْقِ بِقَصِّ ظُفْرِهِ وَشَارِبِهِ. قَوْلُهُ: (وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ) أَيْ لِلذَّكَرِ كَمَا سَيَأْتِي فَيَنْعَقِدُ نَذْرُهُ لَهُ، وَيَكْفِيهِ عَنْ النَّذْرِ حَلْقُ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ فَأَكْثَرَ إلَّا إنْ صَرَّحَ بِاسْتِيعَابِ رَأْسِهِ فَيَلْزَمُهُ اسْتِيعَابُهُ وَلَا يَكْفِي عَنْ النَّذْرِ مَا لَا يُسَمَّى حَلْقًا كَقَصٍّ وَنَتْفٍ وَإِحْرَاقٍ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَزِمَهُ دَمٌ كَمَا لَوْ نَذَرَ الْمَشْيَ فَرَكِبَ. قَوْلُهُ: (وَتُقَصِّرُ الْمَرْأَةُ) أَيْ الْأُنْثَى وَلَوْ صَغِيرَةً أَيْ الْأَفْضَلُ لَهَا ذَلِكَ فَيَنْعَقِدُ نَذْرُهَا لَهُ نَعَمْ إنْ كَانَتْ فِي سَابِعِ وِلَادَتِهَا نُدِبَ لَهَا الْحَلْقُ. قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ الْحَلْقُ) فَإِنْ مَنَعَهَا خَلَلٌ أَوْ نَقَصَ بِهِ اسْتِمْتَاعٌ لَهُ حَرُمَ إلَّا بِإِذْنِهِ أَوْ لِعُذْرٍ كَأَنْ تَتَأَذَّى بِهِ. قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: وَالْوَلَدُ مَعَ وَالِدِهِ كَالزَّوْجِ إنْ كَانَ مَصْلَحَةٌ.
قَوْلُهُ: (الْعِجْلِيّ) ضَبَطَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْجِيمِ، وَكَلَامُهُ بِإِلْحَاقِ الْخُنْثَى لِلْمَرْأَةِ مُعْتَمَدٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُحَرَّرِ وَكَمَا وَافَوْهَا رَمَوْا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَاسْتِعْمَالُ الْكَافِ بِمَعْنَى مَعَ أَوْ عِنْدَ لُغَةٌ عَجَمِيَّةٌ، وَلَيْسَتْ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ فَعِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ أَصْوَبُ وَسَيَأْتِي شُرُوطُ الرَّمْيِ مُسْتَحَبَّاتُهُ. قَوْلُهُ: (فِي الْحَدِيثِ حَصَى الْخَذْفِ) قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هُوَ رَاجِعٌ فِي الْمَعْنَى إلَى حَصَيَاتٍ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَالْحَلْقُ نُسُكٌ إلَخْ) جُمْلَةُ الْخِلَافِ فِيهِ رُكْنٌ سُنَّةٌ وَاجِبٌ مُبَاحٌ رُكْنٌ فِي الْعُمْرَةِ وَاجِبٌ فِي الْحَجِّ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (أَوْ تَقْصِيرٌ إلَخْ) لَكِنْ لَوْ نَذَرَ الْحَلْقَ تَعَيَّنَ حَلْقُ الْجَمِيعِ وَلَا يُجْزِئُهُ التَّقْصِيرُ وَلَا حَلْقُ الْبَعْضِ، وَلَا إزَالَتُهُ بِغَيْرِ الْحَلْقِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَإِلَّا وَجْهَ حَمْلِهِ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ، فَإِنَّهُ إذَا نَذَرَ صِفَةً فِي وَاجِبٍ لَمْ يَقْدَحْ تَرْكُ تِلْكَ الصِّفَةِ فِي الِاعْتِدَادِ بِذَلِكَ الْوَاجِبِ، كَمَا لَوْ نَذَرَ الْحَجَّ مَاشِيًا فَرَكِبَ انْتَهَى.