بِالْوُقُوفِ عَنْ مَبِيتِ الْمُزْدَلِفَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ إلَى مَكَّةَ وَطَافَ لِلْإِفَاضَةِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ فَفَاتَهُ الْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ. قَالَ الْقَفَّالُ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِاشْتِغَالِهِ بِالطَّوَافِ قَالَ الْإِمَامُ وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَى تَرْكِ الْمَبِيتِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. (وَيَبْقَى غَيْرُهُمْ حَتَّى يُصَلُّوا الصُّبْحَ مُغَلِّسِينَ) بِهَا لِلِاتِّبَاعِ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتَّغْلِيسُ هُنَا أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا مِنْ بَاقِي الْأَيَّامِ لِيَتَّسِعَ الْوَقْتُ لِمَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مِنْ الْأَعْمَالِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ (ثُمَّ يَدْفَعُونَ إلَى مِنًى وَيَأْخُذُونَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ حَصَى الرَّمْيِ) قَالَ الْجُمْهُورُ: لَيْلًا.
وَقَالَ الْبَغَوِيّ: بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْمَأْخُوذُ سَبْعُ حَصَيَاتٍ لِرَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ وَقِيلَ: سَبْعُونَ حَصَاةً لِرَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ. رَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ غَدَاةَ يَوْمِ النَّحْرِ: الْتَقِطْ لِي حَصًى قَالَ فَلَقَطْت لَهُ حَصَيَاتٍ مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ» .
وَهُوَ بِإِعْجَامِ الْخَاءِ وَالذَّالِ السَّاكِنَةِ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُقَدَّمِينَ بِاللَّيْلِ يَأْخُذُونَ حَصَى الرَّمْيِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ أَيْضًا (فَإِذَا بَلَغُوا الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ) وَهُوَ جَبَلٌ فِي آخِرِ الْمُزْدَلِفَةِ يُقَالُ لَهُ قُزَحٌ بِضَمِّ الْقَافِ، وَبِالزَّايِ (وَقَفُوا) فَذَكَرُوا اللَّهَ تَعَالَى (وَدَعَوْا إلَى الْإِسْفَارِ) مُسْتَقْبِلِينَ الْكَعْبَةَ. رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا صَلَّى رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى عَلَى الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَدَعَا اللَّهَ تَعَالَى وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ وَوَحَّدَ وَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا» (ثُمَّ يَسِيرُونَ فَيَصِلُونَ مِنًى بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَيَرْمِي كُلُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــSعَلَيْهِ) قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: مَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ. وَكَذَا الَّتِي بَعْدَهَا وَإِلَّا فَعَلَيْهِ دَمٌ. قَوْلُهُ: (لَوْ أَفَاضَ) أَيْ قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ وَفَارَقَ مُزْدَلِفَةَ قَبْلَهُ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (قَالَ الْقَفَّالُ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ بِالشَّرْطِ الْمُتَقَدِّمِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَوْدُ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ، وَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَمِثْلُ هَذَا مَنْ بَادَرَتْ إلَى الطَّوَافِ خَوْفَ طُرُوُّ نَحْوِ حَيْضٍ، وَجَمِيعُ أَعْذَارِ مِنًى تَأْتِي هُنَا. قَوْلُهُ (يَدْفَعُونَ) أَيْ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَيُكْرَهُ التَّأْخِيرُ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (قَالَ الْجُمْهُورُ لَيْلًا) هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (وَالْمَأْخُوذُ سَبْعُ حَصَيَاتٍ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَالْأَحْسَنُ أَخْذُ حَصْوَةٍ زِيَادَةً خَشْيَةَ سُقُوطِ وَاحِدَةٍ مِنْهُ، وَيُسَنُّ أَنْ يَغْسِلَهَا وَلَا يُكْرَهُ أَخْذُهَا مِنْ بُقْعَةٍ مِنْ الْبِقَاعِ إلَّا مِنْ الْمَرْمَى أَوْ مِنْ مَحَلٍّ نَجِسٍ أَوْ مِنْ الْحِلِّ أَوْ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَيَحْرُمُ مِنْ وَقْفِ مَسْجِدٍ. قَوْلُهُ: (وَظَاهِرٌ إلَخْ) هُوَ وَارِدٌ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ كَلَامَهُ يَشْمَلُهُ بِجَعْلِ يَأْخُذُونَ عَطْفًا عَلَى يَبِيتُونَ لَا عَلَى يَدْفَعُونَ فَتَأَمَّلْهُ.
وَيُنْدَبُ لَهُمْ جَمِيعًا الِاشْتِغَالُ بِالتَّلْبِيَةِ لَا التَّكْبِيرُ خِلَافًا لِلْقَفَّالِ. قَوْلُهُ: (الْمَشْعَرُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَفِيهِ لُغَةٌ شَاذَّةٌ بِكَسْرِهَا وَالْحَرَامُ بِمَعْنَى الْحَرَمِ لِأَنَّهُ مِنْهُ، وَهُوَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ شِعَارِ الدِّينِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ جَبَلٌ إلَخْ) أَيْ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَعِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ جَمِيعُ مُزْدَلِفَةَ. قَوْلُهُ: (فِي آخِرِ الْمُزْدَلِفَةِ) وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: بِأَوْسَطِهَا، وَقَدْ اسْتَبْدَلَ النَّاسُ عَنْهُ الْآنَ بِالْوُقُوفِ عَلَى بِنَاءٍ مُحْدَثٍ هُنَاكَ يَظُنُّونَهُ الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنْ حَصَلَ بِهِ أَصْلُ السُّنَّةِ وَنُوزِعَ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَقَفُوا) أَيْ عِنْدَهُ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْوُقُوفِ بِغَيْرِهِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ وَمَنْ تَرَكَ الْوُقُوفَ مِنْ أَصْلِهِ. قَوْلُهُ: (الْقَصْوَاءَ) اسْمٌ لِنَاقَةٍ مِنْ إبِلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْمَدِّ. وَقِيلَ بِالضَّمِّ وَالْقَصْرِ. وَنُسِبَ قَائِلُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَرِيبًا مِنْ رُبْعِ اللَّيْلِ، وَالدَّفْعُ بَعْدَ انْتِصَافِهِ جَائِزٌ. قَوْلُهُ: (وَالتَّغْلِيسُ إلَخْ) هِيَ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَاَلَّذِي أَفَادَتْهُ لَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْمِنْهَاجِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَيَأْخُذُونَ) ظَاهِرُهُ الْعَطْفُ عَلَى يَدْفَعُونَ، فَيَكُونُ قَاصِرًا عَلَى إفَادَةِ حُكْمِ أَخْذِ النِّسَاءِ وَالضَّعَفَةِ وَمُقْتَضِيًا لَأَنْ يَكُونَ الْأَخْذُ نَهَارًا وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْبَغَوِيّ وَخَالَفَهُ الْجُمْهُورُ وَأَمَّا عَطْفُهُ عَلَى يَبِيتُونَ السَّابِقِ فَيُفِيدُ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَدَعَوْا) مِنْهُ اللَّهُمَّ كَمَا أَوْقَفْتنَا فِيهِ وَأَرَيْتنَا إيَّاهُ وُفِّقْنَا لِذِكْرِك كَمَا هَدَيْتنَا، وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا كَمَا وَعَدْتنَا بِقَوْلِك، وَقَوْلُك الْحَقُّ {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} [البقرة: 198] إلَى قَوْلِهِ {غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 199] . وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ يَخْطُبُ وَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا ثُمَّ قَالَ: كَانَ النَّاسُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إذَا وَقَفُوا بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ يَبْتَهِلُ أَحَدُهُمْ، اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي إبِلًا اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي غَنَمًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ - وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ} [البقرة: 200 - 201] إلَى آخِرِ الْآيَةِ اللَّهُمَّ رَبَّ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بَلِّغْ رُوحَ مُحَمَّدٍ رَسُولِك أَزْكَى تَحِيَّةٍ، وَأَفْضَلَ سَلَامٍ وَاجْمَعْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فِي دَارِ السَّلَامِ بِرَحْمَتِك، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، اللَّهُمَّ احْفَظْ عَلَيَّ دِينِي، وَاجْعَلْ خَشْيَتك نُصْبَ عَيْنِي، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ يَا خَيْرَ مَقْصُودٍ، يَا خَيْرَ مَدْعُوٍّ يَا خَيْرَ مَرْجُوٍّ يَا خَيْرَ مَسْئُولٍ يَا خَيْرَ مُعْطٍ، اللَّهُمَّ ذَلِّلْ نَفْسِي حَتَّى تَنْقَادَ لِطَاعَتِك، وَيَسِّرْ عَلَيْهَا الْعَمَلَ بِمَا يُقَرِّبُهَا إلَى رِضَاك وَاجْعَلْهَا مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِك، وَسُكَّانِ جَنَّتِك ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (ثُمَّ يَسِيرُونَ) أَيْ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَيَرْمِي) أَفَادَتْ الْفَاءُ أَنَّ السُّنَّةَ الْمُبَادَرَةُ إلَى الرَّمْيِ، وَهُوَ كَذَلِكَ بِحَيْثُ إنَّ الرَّاكِبَ لَا يَنْزِلُ حَتَّى يَرْمِيَ وَهُوَ رَاكِبٌ، وَعِبَارَةُ