عَلَى ذِي الْجُمُعَةِ) أَيْ مَنْ تَلْزَمُهُ (التَّشَاغُلُ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ) الْمَزِيدُ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ الْعُقُودِ وَالصَّنَائِعِ وَغَيْرِهَا (بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْأَذَانِ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ) قَالَ تَعَالَى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] أَيْ اُتْرُكُوهُ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَهُوَ بِالتَّرْكِ فَيَحْرُمُ الْفِعْلُ وَقِيسَ عَلَى الْبَيْعِ غَيْرُهُ مِمَّا ذُكِرَ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ فِي تَفْوِيتِ الْجُمُعَةِ، وَتَقْيِيدُ الْأَذَانِ بِبَيْنِ يَدَيْ الْخَطِيبِ أَيْ بِوَقْتِ كَوْنِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ لِأَنَّهُ الَّذِي كَانَ فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا تَقَدَّمَ، فَانْصَرَفَ النِّدَاءُ فِي الْآيَةِ إلَيْهِ فَلَوْ أُذِّنَ قَبْلَ جُلُوسِ الْخَطِيبِ عَلَى الْمِنْبَرِ لَمْ يَحْرُمْ الْبَيْعُ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ. وَكَذَا مَا قِيسَ بِهِ قَالَ فِيهَا وَحُرْمَتُهُ فِي حَقِّ مَنْ جَلَسَ لَهُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ أَمَّا إذَا سَمِعَ النِّدَاءَ فَقَامَ لَهُ بِقَصْدِ الْجُمُعَةِ فَبَاعَ فِي طَرِيقِهِ أَوْ وَقَعَ فِي الْجَامِعِ، وَبَاعَ فَلَا يَحْرُمُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّتِمَّةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لَكِنَّ الْبَيْعَ فِي الْمَسْجِدِ مَكْرُوهٌ انْتَهَى. وَلَوْ تَبَايَعَ اثْنَانِ أَحَدُهُمَا مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ دُونَ الْآخَرِ أَثِمَ الْآخَرُ أَيْضًا لِإِعَانَتِهِ عَلَى الْحَرَامِ.
وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَصَاحِبِ الْعُدَّةِ كُرِهَ لَهُ وَهُوَ شَاذٌّ وَفِيهِ إذَا تَبَايَعَا وَلَيْسَا مِنْ أَهْلِ فَرْضِ الْجُمُعَةِ لَمْ يَحْرُمْ بِحَالٍ وَلَمْ يُكْرَهْ (فَإِنْ بَاعَ) مَنْ حَرُمَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ (صَحَّ) بَيْعُهُ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ لِمَعْنًى خَارِجٍ عَنْهُ وَيُقَاسُ بِهِ غَيْرُهُ مِنْ الْعُقُودِ (وَيُكْرَهُ) التَّشَاغُلُ الْمَذْكُورُ (قَبْلَ الْأَذَانِ) الْمَذْكُورِ (بَعْدَ الزَّوَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) بِخِلَافِهِ قَبْلَ الزَّوَالِ فَلَا يُكْرَهُ وَاقْتَصَرَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا عَلَى الْبَيْعِ فِي الْكَرَاهَةِ وَعَدَمِهَا.
(فَصْلٌ: مَنْ أَدْرَكَ رُكُوعَ الثَّانِيَةِ) مِنْ الْجُمُعَةِ مَعَ الْإِمَامِ وَاسْتَمَرَّ مَعَهُ إلَى أَنْ سَلَّمَ (أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ) أَيْ لَمْ تَفُتْهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ: (فِي تَفْوِيتِ الْجُمُعَةِ) قَالَ شَيْخُنَا: فَإِنْ لَمْ تُفَوَّتْ لَمْ يَحْرُمْ، وَلَوْ حَالَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى لِدَوَرَانِ الْحُكْمِ مَعَ الْعِلَّةِ. وَفِي كَلَامِ الْأَذْرَعِيِّ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا يَدُلُّ لَهُ، وَمَا فِي كَلَامِ شَرْحِ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ مِمَّا يُخَالِفُ بَعْضَ ذَلِكَ لَمْ يَعْتَمِدْهُ.
قَوْلُهُ: (لِإِعَانَتِهِ) فَهُوَ إثْمُ إعَانَتِهِ وَهُوَ دُونَ إثْمِ التَّشَاغُلِ. وَإِنَّمَا لَمْ يَحْرُمْ عَلَى الْمَالِكِ الْإِعَانَةُ فِي بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي بِأَنَّ فِي الْإِعَانَةِ هُنَا تَفْوِيتَ وَاجِبٍ عَلَى الْغَيْرِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ، وَثَمَّ تَفْوِيتُ اتِّسَاعٍ عَلَى النَّاسِ وَلَيْسَ الْمَالِكُ مَمْنُوعًا مِنْهُ لِجَوَازِ إرَادَتِهِ لَهُ ابْتِدَاءً وَإِنَّمَا لَمْ يَحْرُمْ عَلَى الشَّافِعِيِّ الْكَلَامُ مَعَ الْمَالِكِيِّ وَقْتَ الْخُطْبَةِ لِأَنَّ الْكَلَامَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى اثْنَيْنِ بِخِلَافِ نَحْوِ الْبَيْعِ، وَشَمِلَ كَلَامُهُمْ حُرْمَةَ التَّشَاغُلِ وَلَوْ لِمَصْلَحَةٍ كَشِرَاءِ مَاءِ طَهَارَةٍ وَسَاتِرِ عَوْرَةٍ وَدَوَاءِ مَرِيضٍ وَطَعَامِهِ، وَنَفَقَةِ نَحْوِ طِفْلٍ قَالَ شَيْخُنَا وَهُوَ كَذَلِكَ. وَخَرَجَ بِالْمَصْلَحَةِ الضَّرُورَةُ كَاضْطِرَارٍ وَكَفَنِ مَيِّتٍ خِيفَ تَغَيُّرُهُ فَلَا حُرْمَةَ حِينَئِذٍ وَيُقَدِّمُ الْوَلِيُّ الْعَقْدَ بِلَا إثْمٍ عَلَى الرِّبْحِ بِهِ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ الزَّوَالِ) أَيْ فِي بَلَدٍ جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِالتَّأْخِيرِ نَحْوِ مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ مَا لَمْ يَفْحُشُ التَّأْخِيرُ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِهِ قَبْلَ الزَّوَالِ فَلَا يُكْرَهُ) نَعَمْ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَجِبُ عَلَيْهِ السَّعْيُ مِنْ الْفَجْرِ حَرُمَ عَلَيْهِ مَا يُفَوِّتُ كَغَيْرَةِ كَبَعِيدِ الدَّارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ) فِيمَا يُدْرَكُ بِهِ الْجُمُعَةُ وَحُكْمُ الِاسْتِخْلَافِ وَالزَّحْمَةِ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (رُكُوعَ الثَّانِيَةِ) أَيْ مَعَ سَجْدَتَيْهَا وَمَعَ اسْتِمْرَارِ الْقَوْمِ فِيهِمَا، وَإِنْ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ فِي التَّشَهُّدِ بَعْدَهُمَا وَتَقْيِيدُهُ بِالِاسْتِمْرَارِ لِأَجْلِ مَا بَعْدَهُ وَلَيْسَ شَرْطًا وَتَجِبُ عَلَيْهِ الْمُفَارَقَةُ كَغَيْرِهِ وَلَوْ مِنْ الْأَرْبَعِينَ إنْ عَلِمَ أَنَّ بَقَاءَهُ مَعَهُ يُخْرِجُهُ عَنْ الْوَقْتِ وَلَوْ شَكَّ وَهُوَ مَعَ الْإِمَامِ فِي سَجْدَةٍ فَعَلَهَا فَإِنْ فَرَغَ مِنْهَا قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ تَمَّتْ جُمُعَتُهُ، وَإِلَّا أَتَمَّهَا ظُهْرًا، وَلَوْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ مَعَ نَفْسِهِ حُسِبَتْ لَهُ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ فَاسْتَخْلَفَهُ الْإِمَامُ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ فِيهِ وَلَا تُدْرَكُ بِإِدْرَاكِهِ فِي رَكْعَةٍ قَامَ الْإِمَامُ لَهَا سَهْوًا، بَلْ لَا تَجُوزُ لَهُ مُتَابَعَتُهُ فِيهَا فَإِنْ تَابَعَهُ عَالِمًا عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا فَلَا تَبْطُلُ وَلَا تَحْصُلُ لَهُ الْجُمُعَةُ، وَإِنْ انْتَظَرَهُ الْقَوْمُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَقِّ وَابْنُ حَجَرٍ: تَحْصُلُ لَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ نَعَمْ إنْ عَلِمَ أَنَّ قِيَامَهُ لَهَا لِجَبْرِ رُكْنٍ تَرَكَهُ مَثَلًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ مَعَهُ وَيُدْرِكُ بِهَا الْجُمُعَةَ إنْ انْتَظَرَ الْقَوْمُ الْإِمَامَ وَإِلَّا فَلَا. وَعَلَى هَذَا لَوْ عَلِمَ الْقَوْمُ بِتَرْكِ الرُّكْنِ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْقِيَامُ مَعَهُ أَيْضًا ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. وَلَوْ كَانَ الرُّكْنُ مِمَّا يَلْزَمُهُمْ اسْتِئْنَافُ الصَّلَاةِ بِتَرْكِهِ كَالْفَاتِحَةِ أَوْ بَعْضِهَا فَالْقِيَاسُ وُجُوبُ الِاسْتِئْنَافِ عَلَيْهِمْ مَعَهُ لِأَنَّ صَلَاتَهُمْ بَاطِلَةٌ فَرَاجِعْ ذَلِكَ وَحَرِّرْهُ.
قَوْلُهُ: (لَمْ تَفُتْهُ) دَفَعَ بِهِ إيهَامَ كَلَامِ
فَصْلٌ: مَنْ أَدْرَكَ رُكُوعَ الثَّانِيَةِ إلَخْ) قَوْلُهُ: (وَاسْتَمَرَّ مَعَهُ إلَى أَنْ سَلَّمَ) هَذَا تَوْطِئَةٌ لِقَوْلِ الْمَتْنِ فَيُصَلِّي بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ رَكْعَةً وَلَيْسَ بِشَرْطٍ إذْ لَوْ فَارَقَهُ فِي التَّشَهُّدِ صَحَّتْ الْجُمُعَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْجَمَّالُ الْإِسْنَوِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ نَعَمْ لَوْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ فِي