لَهُ مِنْ النُّورِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ» . رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ
(وَيُكْثِرَ الدُّعَاءَ) يَوْمَهَا رَجَاءَ أَنْ يُصَادِفَ سَاعَةَ الْإِجَابَةِ فَفِي حَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ بَعْدَ ذِكْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ: «فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَلِّلُهَا» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " وَهِيَ سَاعَةٌ خَفِيَّةٌ ". وَوَرَدَ تَعْيِينُهَا أَيْضًا فِي حَدِيثِ «يَوْمُ الْجُمُعَةِ ثِنْتَا عَشْرَةَ سَاعَةً السَّابِقِ قَرِيبًا فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ» . وَفِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ «هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ» أَيْ عَلَى الْمِنْبَرِ إلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ أَيْ يَفْرُغَ مِنْهَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بَعْدَ ذِكْرِ الْحَدِيثَيْنِ وَغَيْرِهِمَا: يُحْتَمَلُ أَنَّهَا مُنْتَقِلَةٌ تَكُونُ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ فِي وَقْتٍ وَفِي بَعْضِهَا فِي وَقْتٍ آخَرَ كَمَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. وَقَالَ فِيهِ بَعْدَ ذِكْرِ أَقْوَالِ التَّعْيِينِ بِمَا ذُكِرَ وَغَيْرُهُ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَلَيْسَ مَعْنَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ وَقْتٌ لِهَذِهِ السَّاعَةِ بَلْ الْمَعْنَى أَنَّهَا تَكُونُ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ الْوَقْتِ لِقَوْلِهِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا قَالَ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي صَحِيحٌ. وَذَكَرَ فِي الرَّوْضَةِ فِي كِتَابِ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَلَّغَهُ أَنَّهُ يُسْتَجَابُ الدُّعَاءُ فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ وَأَنَّهُ اسْتَحَبَّ الدُّعَاءَ فِيهَا. (وَ) يُكْثِرَ (الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَتَهَا لِحَدِيثِ: «أَكْثِرُوا الصَّلَاةَ عَلِيَّ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ فَمَنْ صَلَّى عَلِيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَصَحَّحَ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ حَدِيثَ: «إنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَأَكْثِرُوا مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيَّ فِيهِ» .
(وَيَحْرُمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــSالْمُرَادَ بِالْإِضَاءَةِ مَا مَرَّ. وَكَذَا إنْ أُرِيدَ بِالنُّورِ حَقِيقَتُهُ، وَبِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ مَا فِي السَّمَاءِ لِاسْتِوَاءِ النَّاسِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْكَعْبَةُ عَلَى هَذَا لَزِمَ كَثْرَةُ نُورِ الْبَعِيدِ عَنْهُ عَلَى نُورِ الْقَرِيبِ، وَلَا مَانِعَ مِنْهُ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى اخْتِلَافِهِ بِالْكَيْفِيَّةِ كَمَا فِي دَرَجَاتِ الْجَمَاعَةِ أَوْ عَلَى مُجَرَّدِ التَّرْغِيبِ.
قَوْلُهُ: (سَاعَةَ الْإِجَابَةِ) أَيْ إنَّ الدُّعَاءَ فِيهَا مُسْتَجَابٌ وَيَقَعُ مَا دُعِيَ بِهِ حَالًا يَقِينًا فَلَا يُنَافِي أَنَّ كُلَّ دُعَاءٍ مُسْتَجَابٌ كَمَا يُرَاجَعُ مِنْ مَحَلِّهِ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ الْعَصْرِ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ آخِرِ سَاعَةٍ أَوْ مُضِرٌّ إلَّا أَنَّ جُعِلَ ظَرْفًا لِلْآخِرِ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ سَاعَةٍ. قَوْلُهُ: (هِيَ مَا بَيْنَ) أَيْ لَحْظَةٌ لَطِيفَةٌ فِيمَا بَيْنَ جُلُوسِ الْخَطِيبِ عَلَى الْمِنْبَرِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ إلَى فَرَاغِ الصَّلَاةِ، وَقِيلَ: بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ. وَالْمُرَادُ كُلُّ خَطِيبٍ فَيَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْخُطَبَاءِ وَلَوْ فِي الْمَحَلِّ الْوَاحِدِ، وَلَا مَانِعَ مِنْهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا بَعْدَ الزَّوَالِ وَأَنَّهُ إذَا صَادَفَهَا أَهْلُ مَحَلٍّ كَانَتْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. وَلَا يُنَافِي طَلَبُ الدُّعَاءِ هُنَا وَقْتَ الْخُطْبَةِ مَا مَرَّ مِنْ طَلَبِ الْإِنْصَاتِ فِيهِ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِالدُّعَاءِ اسْتِحْضَارُهُ بِالْقَلْبِ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ. أَوْ فِيمَا عَدَا وَقْتَ ذِكْرِ الْأَرْكَانِ كَمَا قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ. وَهُوَ أَظْهَرُ لِمَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ حُرْمَةِ الْكَلَامِ وَعَدَمِ كَرَاهَتِهِ اتِّفَاقًا فِي غَيْرِ وَقْتِ ذِكْرِهَا. قَوْلُهُ: (قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ) هُوَ خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ كَالْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (صَحِيحٌ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ.
قَوْلُهُ: (وَذَكَرَ فِي الرَّوْضَةِ إلَخْ) هُوَ اعْتِذَارٌ عَنْ جَعْلِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ شَامِلًا لَهَا لِعَدَمِ ذِكْرِهَا هُنَا فِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَيُكْثِرُ الصَّلَاةَ إلَخْ) أَيْ لِمَا قِيلَ «إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْمَعُ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ بِأُذُنَيْهِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَتِهَا» . لَكِنْ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ لَمْ يَصِحَّ فِيهِ شَيْءٌ وَأَقَلُّ إكْثَارِهَا ثَلَاثُمِائَةِ مَرَّةٍ. كَمَا قَالَهُ أَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ، وَيُقَدِّمُهَا عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْكَهْفِ وَالدُّخَانِ، وَيُقَدِّمُ عَلَيْهَا تَكْبِيرَ الْعِيدِ وَلَوْ وَافَقَ لَيْلَةَ جُمُعَةٍ لِأَنَّ الْأَقَلَّ أَوْلَى بِالْمُرَاعَاةِ كَمَا طُلِبَ تَرْكُ أَخْذِ الظَّفَرِ وَالشَّعْرِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لِمُرِيدِ التَّضْحِيَةِ، وَتَرْكُ الطِّيبِ فِيهِ لِلصَّائِمِ وَالْمُحَدَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
(تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ كُلَّ مَحَلٍّ طُلِبَ فِيهِ ذِكْرٌ بِخُصُوصِهِ فَالِاشْتِغَالُ بِهِ فِيهَا أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ وَلَوْ مِنْ قُرْآنٍ أَوْ مَأْثُورٍ آخَرَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمُرَادُ الْجُمُعَةُ الْمَاضِيَةُ وَقِيلَ: الْمُسْتَقْبِلَةُ.
قَوْلُهُ: (بَعْدَ ذِكْرِ أَقْوَالِ التَّعْيِينِ) أَيْ الْأَقْوَالِ الَّتِي سَاقَهَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. قَوْلُهُ: (وَغَيْرِهِ) الضَّمِيرُ فِيهِ يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ بِمَا ذُكِرَ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (التَّشَاغُلُ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ) هَذَا يُفِيدُك أَنَّ الشَّخْصَ إذَا قَرُبَ مَنْزِلُهُ جِدًّا مِنْ الْجَامِعِ وَيَعْلَمُ الْإِدْرَاكَ وَلَوْ تَوَجَّهَ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَمْكُثَ فِي بَيْتِهِ لِشَغْلٍ مَعَ عِيَالِهِ أَوْ غَيْرِهِمْ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمُبَادَرَةُ إلَى الْجَامِعِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ} [الجمعة: 9] إلَخْ وَهُوَ أَمْرٌ مُهِمٌّ فَتَفَطَّنْ لَهُ.
(تَتِمَّةٌ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: كَرَاهَةُ تَشْبِيكِ الْأَصَابِعِ فِي الْمَسْجِدِ خَاصٌّ بِمَنْ فِي الصَّلَاةِ أَوْ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ اهـ.
وَلِمُسْتَمِعِ الْخَطِيبِ إذَا ذَكَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَقَضِيَّةُ تَعْبِيرِهِمْ هَذَا أَنَّهُ مُبَاحٌ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ ثُمَّ حَاوَلَ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى مُحَافَظَةً عَلَى الِاسْتِمَاعِ، وَلَوْ احْتَاجَ الْوَلِيُّ إلَى بَيْعِ مَالِ الْيَتِيمِ وَقْتَ النِّدَاءِ لِضَرُورَةٍ فَدَفَعَ فِيهِ شَخْصٌ مِنْ أَهْلِ الْجُمُعَةِ دِينَارًا أَوْ دَفَعَ فِيهِ شَخْصٌ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا نِصْفَ دِينَارٍ فَهَلْ يَجِبُ الْأَوَّلُ أَوْ الثَّانِي احْتِمَالَانِ لِلرُّويَانِيِّ.