(غَيْرُ طَهُورٍ فِي الْجَدِيدِ) لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَمْ يَجْمَعُوا الْمُسْتَعْمَلَ فِي أَسْفَارِهِمْ الْقَلِيلَةِ الْمَاءِ لِيَتَطَهَّرُوا بِهِ، بَلْ عَدَلُوا عَنْهُ إلَى التَّيَمُّمِ وَالْقَدِيمُ أَنَّهُ طَهُورٌ لِوَصْفِ الْمَاءِ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ بِلَفْظِ طَهُورٍ الْمُقْتَضِي تَكَرُّرَ الطَّهَارَةِ بِهِ، كَضَرُوبٍ لِمَنْ يَتَكَرَّرُ مِنْهُ الضَّرْبُ. وَأُجِيبُ بِتَكَرُّرِ الطَّهَارَةِ بِهِ فِيمَا يَتَرَدَّدُ عَلَى الْمَحَلِّ دُونَ الْمُنْفَصِلِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ فِي نَفْلِ الطَّهَارَةِ عَلَى الْجَدِيدِ طَهُورٌ، وَشَمِلَتْ الْعِبَارَةُ مَا اغْتَسَلَتْ بِهِ الذِّمِّيَّةُ لِتَحِلَّ لِزَوْجِهَا الْمُسْلِمِ فَهُوَ عَلَى الْجَدِيدِ غَيْرُ طَهُورٍ لِأَنَّهُ أَزَالَ الْمَانِعَ وَقِيلَ إنَّهُ طَهُورٌ لِأَنَّ غُسْلَهَا لَيْسَ بِعِبَادَةٍ وَمَا تَوَضَّأَ بِهِ الصَّبِيُّ فَهُوَ أَيْضًا غَيْرُ طَهُورٍ إذْ الْمُرَادُ بِالْفَرْضِ هُنَا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ أَثِمَ بِتَرْكِهِ أَمْ لَا وَلَا بُدَّ لِصِحَّةِ صَلَاةِ الصَّبِيِّ مَثَلًا مِنْ وُضُوئِهِ، وَسَيَأْتِي الْمُسْتَعْمَلُ فِي النَّجَاسَةِ فِي بَابِهَا (فَإِنْ جَمَعَ) الْمُسْتَعْمَلَ عَلَى الْجَدِيدِ (فَبَلَغَ قُلَّتَيْنِ فَطَهُورٌ فِي الْأَصَحِّ) كَمَا لَوْ جَمَعَ النَّجِسَ فَبَلَغَ قُلَّتَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَغَيُّرٍ، وَالثَّانِي لَا. وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِالْجَمْعِ مَعَ وَصْفِهِ بِالِاسْتِعْمَالِ بِخِلَافِ النَّجِسِ
(وَلَا تَنْجُسُ قُلَّتَا الْمَاءِ بِمُلَاقَاةِ نَجَسٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــSبِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ مَا دَامَ مُتَرَدِّدًا عَلَى الْعُضْوِ. نَعَمْ إنْ انْفَصَلَ إلَى مَا يَغْلِبُ تَقَاذُفُهُ إلَيْهِ مِنْ نَحْوِ رَأْسِ الْمُغْتَسِلِ إلَى صَدْرِهِ لَمْ يُحْكَمْ بِاسْتِعْمَالِهِ، وَالْكَافُ اسْتِقْصَائِيَّةٌ أَوْ لِإِدْخَالِ مَاءِ الْمَسْحِ أَوْ مَاءِ غَسْلِ الْجَبِيرَةِ أَوْ الْخُفِّ بَدَلَ مَسْحِهِمَا أَوْ بَقِيَّةِ السَّبْعِ فِي نَحْوِ غَسَلَاتِ الْكَلْبِ.
(فَرْعٌ) لَوْ انْغَمَسَ جُنُبٌ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ وَنَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ، وَلَوْ قَبْلَ تَمَامِ انْغِمَاسِهِ ارْتَفَعَ حَدَثُهُ عَنْ جَمِيعِ بَدَنِهِ بِتَمَامِ انْغِمَاسِهِ، فَإِنْ طَرَأَ لَهُ حَدَثٌ آخَرُ وَنَوَاهُ قَبْلَ انْفِصَالِ شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهِ ارْتَفَعَ أَيْضًا، وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ انْغَمَسَ جُنُبَانِ فِي ذَلِكَ فَإِنْ نَوَيَا مَعًا بَعْدَ تَمَامِ انْغِمَاسِهِمَا ارْتَفَعَ حَدَثُهُمَا، أَوْ قَبْلَهُ ارْتَفَعَ عَمَّا فِي الْمَاءِ مِنْهُمَا، أَوْ مُرَتَّبًا ارْتَفَعَ حَدَثُ السَّابِقِ مُطْلَقًا، وَإِنْ شَكَّا فَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ تَبَعًا لِبَسْطِ الْأَنْوَارِ إنَّهُ يَرْتَفِعُ حَدَثُهُمَا مَعًا نَظَرًا لِأَصْلِ طَهَارَةِ الْمَاءِ مَعَ عَدَمِ تَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا وَفِيهِ بَحْثٌ، وَالْوَجْهُ أَنَّهُ يَرْتَفِعُ حَدَثُ أَحَدِهِمَا مُبْهَمًا فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَجْمَعُوا الْمُسْتَعْمَلَ) أَيْ مَا رَفَعَ الْمَانِعَ وَهُوَ الْغَسْلَةُ الْأُولَى لِاقْتِصَارِهِمْ عَلَيْهَا لِقِلَّةِ الْمَاءِ أَوْ مُطْلَقًا كَالْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ لِاخْتِلَاطِ مَائِهِمَا بِمَاءِ الْأُولَى غَالِبًا، وَتَكْلِيفُ تَنْشِيفِ الْأَعْضَاءِ بَعْدَ الْأُولَى فِيهِ مَشَقَّةٌ، أَوْ لِأَنَّ الْمَاءَ فِيهِمَا تَافِهٌ. قَوْلُهُ (وَالْقَدِيمُ أَنَّهُ طَهُورٌ) .
قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ لِقَذَارَتِهِ. قَوْلُهُ: (وَشَمِلَتْ الْعِبَارَةُ إلَخْ) فِي شُمُولِهَا نَظَرٌ مَعَ ذِكْرِ الْخِلَافِ بَعْدَهُ لِأَنَّ شُمُولَهَا لَهَا يَقْتَضِي الْجَزْمَ فِيهَا إلَّا أَنْ يُرَادَ شُمُولُهَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِطَرِيقَةِ الشَّارِحِ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (الذِّمِّيَّةُ) أَوْ غَيْرُهَا مِنْ الْكُفَّارِ وَالْمُسْلِمَةُ الْمَجْنُونَةُ أَوْ الْمُمْتَنِعَةُ وَغَسَّلَهَا زَوْجُهَا، وَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فِي الْجَمِيعِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهَا لِأَجْلِ مَا بَعْدَهَا. قَوْلُهُ: (لِتَحِلَّ لِزَوْجِهَا الْمُسْلِمِ) هَذَا مَا اعْتَمَدَهُ الْخَطِيبُ، وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا أَنَّ قَصْدَ الْحِلِّ كَافٍ وَإِنْ كَانَ حَلِيلُهَا صَغِيرًا، أَوْ كَافِرًا، أَوْ لَمْ يَكُنْ يَرَى تَوَقُّفَ الْحِلِّ عَلَى الْغُسْلِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَلِيلٌ أَصْلًا، أَوْ قَصَدَتْ الْحِلَّ لَك نَعَمْ لَوْ قَصَدَتْ حَنَفِيَّةٌ حِلَّ وَطْءِ حَنَفِيٍّ يَرَى حِلَّهُ مِنْ غَيْرِ غُسْلٍ لَمْ يَكُنْ مَاؤُهَا مُسْتَعْمَلًا، وَلَا يَصِحُّ غُسْلُهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ رَفْعُ مَانِعٍ شَرْعًا، وَبِذَلِكَ فَارَقَتْ الْكَافِرَةُ لِلْكَافِرِ. قَوْلُهُ: (لَيْسَ بِعِبَادَةٍ) أَيْ فَلَيْسَ مِنْ فَرْضِ الطَّهَارَةِ. قَوْلُهُ: (وَمَا تَوَضَّأَ بِهِ الصَّبِيُّ) لَوْ قَالَ: وَمَاءُ وُضُوءِ الصَّبِيِّ كَانَ أَوْلَى لِيَدْخُلَ مَاءُ وُضُوءِ غَيْرِ مُمَيِّزٍ وَضَّأَهُ وَلِيُّهُ فِي الْحَجِّ.
قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: وَلَهُ إذَا مَيَّزَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ، وَفِيهِ بَحْثٌ دَقِيقٌ. قَوْلُهُ: (مَا لَا بُدَّ مِنْهُ) أَيْ مَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّةُ الْعِبَادَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْ الْفَاعِلِ وَلَوْ بِحَسَبِ الْأَصْلِ، كَالْخَبَثِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ كَمَا مَرَّ، فَخَرَجَ بِذَلِكَ مَاءُ غُسْلِ الرَّجُلِ أَوْ الرَّجُلَيْنِ فِي الْخُفِّ بَعْدَ مَسْحِهِمَا، فَهُوَ طَهُورٌ لِأَنَّ الْمُدَّةَ بَاقِيَةٌ مُقَيَّدَةٌ بِالْمَسْحِ، وَهُوَ بَاقٍ، وَأَمَّا غَسْلُ أَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ مِمَّنْ تَوَضَّأَ بَعْدَ التَّيَمُّمِ لِعُذْرٍ، فَإِنْ بَطَلَ التَّيَمُّمُ بِالْغَسْلِ فَالْمَاءُ مُسْتَعْمَلٌ وَإِلَّا فَلَا، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْخُفِّ مَا يُفِيدُ بَقَاءَ تَيَمُّمِهِ مَا دَامَ الْعُذْرُ. قَوْلُهُ: (وَسَيَأْتِي إلَخْ) هُوَ مَفْهُومُ التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ: عَنْ الْحَدَثِ، كَمَا تَقَدَّمَ.
قَوْلُهُ: (فَبَلَغَ قُلَّتَيْنِ) أَيْ لَوْ احْتِمَالًا وَلَا يَضُرُّ تَفْرِيقُهُ بَعْدَ الْجَمْعِ. قَوْلُهُ: (وَالْفَرْقُ إلَخْ) هُوَ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ الْوَصْفَ بِالنَّجَاسَةِ وَالِاسْتِعْمَالِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّهُ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، لَكِنْ صَحَّحَ فِي التَّحْقِيقِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَالْفَتَاوَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمُطْلَقٍ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَسَيَأْتِي الْمُسْتَعْمَلُ فِي النَّجَاسَةِ فِي بَابِهَا) أَيْ هُنَاكَ يُبَيَّنُ أَنَّهُ نَجِسٌ أَوْ طَاهِرٌ أَوْ طَهُورٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْآتِيَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَا تَنْجُسُ قُلَّتَا الْمَاءِ) لَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ جَامِدَةً فَهَلْ يَجِبُ التَّبَاعُدُ عَنْهَا قَدْرَ قُلَّتَيْنِ أَوْ لَا؟ الْجَدِيدُ نَعَمْ، وَالْفَتْوَى عَلَى خِلَافِهِ، فَلَوْ فُرِضَ أَنَّ الْمَاءَ قُلَّتَانِ فَقَطْ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ الِاغْتِرَافُ مِنْهُ، وَعَلَى الثَّانِي يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي يَنْجُسُ بِالِانْفِصَالِ، وَقِيلَ لَا، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ.
(فَائِدَةٌ) نَقَلَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَصَّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ التَّبَاعُدِ فِي اخْتِلَافٍ فَيَكُونُ الْفَتْوَى عَلَى الْجَدِيدِ