فِي الصُّورَةِ التَّغَيُّرَ الْكَثِيرَ بِمُسْتَغْنًى عَنْهُ. (وَكَذَا) لَا يَضُرُّ (مُتَغَيِّرٌ بِمُجَاوِرٍ) طَاهِرٍ (كَعُودٍ وَدُهْنٍ) مُطَيَّبَيْنِ أَوْ لَا (أَوْ بِتُرَابٍ طُرِحَ فِيهِ فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّ تَغَيُّرَهُ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ فِي الْأَوَّلِ تَرَوُّحًا وَفِي الثَّانِي كُدُورَةً لَا يَمْنَعُ إطْلَاقَ الِاسْمِ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي يَضُرُّ كَالْمُتَغَيِّرِ بِنَجَسٍ مُجَاوِرٍ فِي الْأَوَّلِ وَبِزَعْفَرَانٍ فِي الثَّانِي، وَفَرْقُ الْأَوَّلِ بِغِلَظِ أَمْرِ النَّجَسِ وَبِطَهُورِيَّةِ التُّرَابِ، بِخِلَافِ الزَّعْفَرَانِ وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا، لِأَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي حَدَثٍ وَلَا نَجَسٍ، أَمَّا الْمُتَغَيِّرُ بِتُرَابٍ تَهُبُّ بِهِ الرِّيحُ فَلَا يَضُرُّ جَزْمًا وَضُبِطَ الْمُجَاوِرُ بِمَا يُمْكِنُ فَصْلُهُ وَالْمُخَالِطُ بِمَا لَا يُمْكِنُ فَصْلُهُ
(وَيُكْرَهُ الْمُشَمَّسُ) أَيْ مَا سَخَّنَتْهُ الشَّمْسُ فِي الْبَدَنِ خَوْفَ الْبَرَصِ بِأَنْ يَكُونَ بِقُطْرٍ حَارٍّ كَالْحِجَازِ فِي إنَاءٍ مُنْطَبِعٍ كَالْحَدِيدِ لِأَنَّ الشَّمْسَ بِحِدَّتِهَا تَفْصِلُ مِنْهُ زُهُومَةً تَعْلُو الْمَاءَ، فَإِذَا لَاقَتْ الْبَدَنَ بِسُخُونَتِهَا خِيفَ أَنْ تَقْبِضَ عَلَيْهِ، فَتَحْبِسَ الدَّمَ، فَيَحْصُلَ الْبَرَصُ، بِخِلَافِ الْمُسَخَّنِ بِالنَّارِ، فَلَا يُكْرَهُ، لِذَهَابِ الزُّهُومَةِ بِهَا
(وَالْمُسْتَعْمَلُ فِي فَرْضِ الطَّهَارَةِ) عَنْ الْحَدَثِ كَالْغَسْلَةِ الْأُولَى فِيهِ (قِيلَ وَنَفْلِهَا) كَالْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَالْوُضُوءُ الْمُجَدَّدُ وَالْغَسْلُ الْمَسْنُونُ
ـــــــــــــــــــــــــــــSفَهُوَ مُجَاوِرٌ، وَكَذَا غَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (مُطَيَّبَيْنِ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ الْمُشَدَّدَةِ أَوْلَى مِنْ كَسْرِهَا لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَضُرَّ الْمَصْنُوعُ فَالْخِلْقِيُّ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (بِتُرَابٍ) أَيْ وَلَوْ مُسْتَعْمَلًا وَالْمُرَادُ تُرَابٌ مُفَتَّتٌ وَإِلَّا فَهُوَ مُجَاوِرٌ فَلَا يَضُرُّ قَطْعًا كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (طُرِحَ) وَلَوْ مِنْ عَاقِلٍ قَصْدًا، وَمِثْلُهُ الْمِلْحُ الْمَائِيُّ وَالنَّطْرُونُ الْمَائِيُّ إلَّا إنْ كَانَ مُنْعَقِدًا مِنْ مَاءٍ مُسْتَعْمَلٍ.
قَوْلُهُ: (فِي الْأَظْهَرِ) قَدْ ضَعَّفَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ كَوْنَ الْخِلَافِ قَوْلَيْنِ، وَرَجَّحَ أَنَّهُ وَجْهَانِ، وَعَلَى كُلٍّ فَهُوَ ضَعِيفٌ، فَكَانَ الْأَنْسَبُ التَّعْبِيرَ بِالْمَشْهُورِ أَوْ الصَّحِيحِ. قَوْلُهُ: (تَرَوُّحًا) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُجَاوِرَ لَا يُغَيِّرُ إلَّا بِالرِّيحِ وَلَيْسَ قَيْدًا، بَلْ الطَّعْمُ وَاللَّوْنُ كَذَلِكَ إنْ وُجِدَا، وَلَوْ شَكَّ فِي أَنَّهُ مُجَاوِرٌ أَوْ مُخَالِطٌ فَلَهُ حُكْمُ الْمُجَاوِرِ، كَذَا قِيلَ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ أَنْ يَكُونَ مُتَمَيِّزًا وَغَيْرَ مُتَمَيِّزٍ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَفِي الثَّانِي كُدُورَةً) هُوَ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلتُّرَابِ إلَّا لَوْنٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ لَوْ وُجِدَ لَهُ طَعْمٌ أَوْ رِيحٌ كَانَ كَذَلِكَ.
(تَنْبِيهٌ) جَوَازُ اسْتِعْمَالِ الْمُتَغَيِّرِ بِمَا لَا يَضُرُّ إمَّا لِكَوْنِهِ مِنْ الْمُطْلَقِ كَمَا مَرَّ أَوْ تَسْهِيلًا عَلَى الْعِبَادِ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ بُدٌّ، وَالْأَوَّلُ أَشْهُرُ، وَالثَّانِي أَقْعَدُ. قَوْلُهُ: (بِطَهُورِيَّةِ التُّرَابِ) أَيْ بِحَسَبِ أَصْلِهِ. قَوْلُهُ: (وَضُبِطَ الْمُجَاوِرُ بِمَا يُمْكِنُ فَصْلُهُ) وَهُوَ الْأَرْجَحُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَوْ بِمَا يَتَمَيَّزُ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ كَالتُّرَابِ، وَعَكْسُهُ الْمُخَالِطُ، وَيُمْكِنُ رَدُّ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَكُونُ مُجَاوِرًا ابْتِدَاءً وَدَوَامًا كَالْأَحْجَارِ أَوْ دَوَامًا كَالتُّرَابِ أَوْ ابْتِدَاءً كَالْأَشْجَارِ.
قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ الْمُشَمَّسُ مِنْ الْمَاءِ) وَكَذَا الْمَائِعُ، وَهُوَ اسْمُ مَفْعُولٍ وَفَاعِلُهُ الشَّمْسُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِعْلُ غَيْرِهَا، وَكَرَاهَتُهُ شَرْعِيَّةٌ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُهَا الطِّبُّ فَيُثَابُ تَارِكُهَا امْتِثَالًا، وَلِذَلِكَ حُرِّمَ عَلَى مَنْ ظَنَّ فِيهِ الضَّرَرَ بِعَدْلٍ، وَلَا يَنْتَظِرُ بُرُودَتَهُ لَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ بَلْ يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ ضَرَرَهُ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ اسْتِعْمَالُهُ بَلْ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي بِخِلَافِ مَنْ مَعَهُ مَاءٌ يَحْتَاجُ إلَى تَسْخِينِهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ، فَيَجِبُ الصَّبْرُ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ. قَوْلُهُ: (فِي الْبَدَنِ) وَلَوْ لِمَيِّتٍ أَوْ أَبْرَصَ، وَإِنْ اسْتَحْكَمَ بَرَصُهُ أَوْ لِنَحْوِ خَيْلٍ مِمَّا يَعْتَرِيهِ الْبَرَصُ، وَسَوَاءٌ دَاخِلُ الْبَدَنِ وَخَارِجُهُ. قَوْلُهُ: (خَوْفَ الْبَرَصِ) ابْتِدَاءً أَوْ دَوَامًا أَوْ تَعَبُّدًا كَالْمَيِّتِ. قَوْلُهُ: (بِقُطْرٍ حَارٍّ) فَالْمُعْتَبَرُ الْقُطْرُ إلَّا فِي بَلَدٍ خَالَفَتْ طَبْعَهُ أَصَالَةً كَالطَّائِفِ بِمَكَّةَ فَلَا يُكْرَهُ فِيهِ، وَكَحَرَّانَ بِالشَّامِّ فَيُكْرَهُ فِيهَا. قَوْلُهُ: (إنَاءٍ مُنْطَبِعٍ) أَيْ مُنْطَرِقٍ، أَيْ شَأْنُهُ ذَلِكَ إلَّا النَّقْدَيْنِ، وَالْعِبْرَةُ فِي الْمُمَوَّهِ بِمَا لَاقَى الْمَاءَ إنْ حَصَلَ بِعَرْضِهِ عَلَى النَّارِ شَيْءٌ. قَوْلُهُ: (تَفْصِلُ مِنْهُ زُهُومَةً) فَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ انْتِقَالِهِ إلَى السُّخُونَةِ.
قَوْلُهُ: (تَعْلُو) أَيْ تَظْهَرُ فِي عُلُوِّهِ وَإِلَّا فَهِيَ مُنْبَثَّةٌ فِي كُلِّهِ. قَوْلُهُ: (بِسُخُونَتِهَا) فَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ إذَا اُسْتُعْمِلَ حَالَ حَرَارَتِهِ، وَتَرَدَّدَ الْعَبَّادِيُّ فِي اعْتِبَارِ وَقْتِ الْحَرِّ، فَإِنْ بَرَدَ زَالَتْ الْكَرَاهَةُ، وَإِنْ سُخِّنَ بِالنَّارِ بَعْدَهَا بِخِلَافِ تَسْخِينِهِ بِالنَّارِ قَبْلَ تَبْرِيدِهِ. فَلَا تَزُولُ بِهِ الْكَرَاهَةُ، أَوْ طُبِخَ بِهِ طَعَامٌ مَائِعٌ كَذَلِكَ.
(تَنْبِيهٌ) يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ الشَّدِيدَةِ الْبُرُودَةِ أَوْ السُّخُونَةِ لِمَنْعِهِ الْإِسْبَاغَ، وَيُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ كُلِّ مَاءٍ أَوْ تُرَابٍ مَغْضُوبٍ عَلَى أَهْلِهِ كَدِيَارِ ثَمُودَ غَيْرِ بِئْرِ النَّاقَةِ، وَدِيَارِ قَوْمِ لُوطٍ، وَبِئْرِ بَرَهُوتَ، وَبِئْرِ ذَرْوَانَ مَحَلِّ سِحْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَرْضِ بَابِلَ.
قَوْلُهُ: (وَالْمُسْتَعْمَلُ إلَخْ) هُوَ خَارِجٌ بِمُطْلَقٍ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمُتَغَيِّرِ بِمُسْتَغْنًى عَنْهُ إلَخْ، وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِ بَعْضِهِمْ وَإِنَّمَا جَعَلَهُ جُمْلَةً مُسْتَقِلَّةً لِأَجْلِ الْخِلَافِ الْآتِي فِي أَنَّهُ مُطْلَقٌ أَوْ لَا. قَوْلُهُ: (عَنْ الْحَدَثِ) وَكَذَا عَنْ الْخَبَثِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ وَتَخْصِيصُ الْأَوَّلِ لِكَوْنِ الْكَلَامِ فِيهِ، وَهُوَ مَحَلُّ الدَّلِيلِ، وَسَيَأْتِي الْآخَرُ فِي بَابِهِ. قَوْلُهُ: (كَالْغَسْلَةِ الْأُولَى) أَيْ بَعْدَ انْفِصَالِهَا عَنْ الْعُضْوِ لِأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَائِدَةٌ) جَزَمَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالْمُحَرَّرِ بِأَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ مُطْلَقٌ مُنِعَ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ تَعَبُّدًا.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ: