ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالذَّنُوبُ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الدَّلْوُ الْمَمْلُوءُ. وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ. وَالْمَاءُ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُطْلَقِ لِتَبَادُرِهِ إلَى الْأَذْهَانِ. فَلَوْ رَفَعَ مَائِعٌ غَيْرُهُ مَا وَجَبَ غَسْلُ الْبَوْلِ بِهِ وَلَا التَّيَمُّمُ عِنْدَ فَقْدِهِ. وَيُشْتَرَطُ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ أَيْضًا فِي غُسْلِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَالْغُسْلِ الْمَسْنُونِ وَالْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَلَا النَّجَسَ كَالْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ فِيهِمَا.
(فَالْمُتَغَيِّرُ بِمُسْتَغْنًى عَنْهُ) مُخَالِطٍ طَاهِرٍ (كَزَعْفَرَانٍ تَغَيُّرًا يَمْنَعُ إطْلَاقَ اسْمِ الْمَاءِ) لِكَثْرَتِهِ (غَيْرُ طَهُورٍ) كَمَا أَنَّهُ غَيْرُ مُطْلَقٍ إذْ مَا صَدَقُ الطَّهُورِ وَالْمُطْلَقِ وَاحِدٌ (وَلَا يَضُرُّ) فِي الطَّهَارَةِ (تَغَيُّرٌ لَا يَمْنَعُ الِاسْمَ) لِقِلَّتِهِ (وَلَا مُتَغَيِّرٌ بِمُكْثٍ وَطِينٍ وَطُحْلُبٍ وَمَا فِي مَقَرِّهِ وَمَمَرِّهِ) كَكِبْرِيتٍ وَزَرْنِيخٍ لِتَعَذُّرِ صَوْنِ الْمَاءِ عَمَّا ذُكِرَ، فَلَا يَمْنَعُ التَّغَيُّرُ بِهِ إطْلَاقَ الِاسْمِ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَشْبَهَ التَّغَيُّرُ بِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSجَوْهَرٌ لَطِيفٌ سَيَّالٌ شَفَّافٌ يَتَلَوَّنُ بِلَوْنِ إنَائِهِ، فَهُوَ لَا لَوْنَ لَهُ.
قَوْلُهُ: (الْأَعْرَابِيُّ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَهُوَ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ التَّمِيمِيُّ، وَاسْمُهُ حُرْقُوصٌ، وَهُوَ أَبُو أَصْلِ الْخَوَارِجِ، كَذَا فِي ابْنِ حَجَرٍ، وَفِي الْقَامُوسِ أَنَّ الَّذِي بَالَ فِي الْمَسْجِدِ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ الْيَمَانِيُّ، وَهُوَ مُسْلِمٌ صَحَابِيٌّ فَلْيُرَاجَعْ. قَوْلُهُ: (ذَنُوبًا) أَيْ مَظْرُوفَ ذُنُوبٍ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِلدَّلْوِ الْمُمْتَلِئَةِ مَاءً أَوْ قَرِيبَةِ الِامْتِلَاءِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ " مِنْ مَاءٍ ".
قَوْلُهُ: (وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ) أَيْ فِي الْحَدِيثِ. قَوْلُهُ: (وَالْمَاءُ) فِي الْآيَةِ، وَالْحَدِيثِ أَوْ فِي الْحَدِيثِ بِمَعُونَةِ الْآيَةِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (لِمَا وَجَبَ إلَخْ) لِأَنَّ ذِكْرَ الْمَاءِ بَعْدَ ذَنُوبٍ الْمُقَيَّدِ بِهِ دَلِيلٌ عَلَى تَعْيِينِهِ فِي إسْقَاطِ الْوَاجِبِ، وَلِئَلَّا يَفُوتَ الِامْتِنَانُ بِهِ الْمَفْهُومُ مِنْ الْمَقَامِ الْمُقْتَضِي لِتَعْظِيمِ الْمِنَّةِ فِيهِ الْمُنْتَفِيَةِ فِي مُشَارَكَةِ غَيْرِهِ لَهُ. قَوْلُهُ: (وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَطَهَارَةِ دَائِمِ الْحَدَثِ وَكَغُسْلِ الذِّمِّيَّةِ أَوْ الْمَجْنُونَةِ إذَا غَسَّلَهَا حَلِيلُهَا.
قَوْلُهُ: (فَالْمُتَغَيِّرُ) هُوَ مَفْهُومٌ مُطْلَقٌ أَوْ بِلَا قَيْدٍ إذْ هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ. قَوْلُهُ: (بِمُسْتَغْنًى عَنْهُ) مِنْهُ مَاءٌ مُتَغَيِّرٌ بِمَا لَا يَضُرُّ أَوْ ثَمَرُ أَشْجَارٍ وَنَحْوِهَا وَلَوْ وَرَقًا كَوِرْدٍ لَا بِوَرَقِهَا وَلَوْ رَبِيعِيًّا. قَوْلُهُ: (كَزَعْفَرَانٍ) جَمْعُهُ زَعَافِرُ كَتُرْجُمَانٍ وَتَرَاجِمَ. قَوْلُهُ: (غَيْرِ طَهُورٍ) فَإِنْ زَالَ تَغَيُّرُهُ رَجَعَ إلَى طَهُورِيَّتِهِ قِيلَ وَلَمْ يَقُلْ غَيْرَ مُطْلَقٍ لِلْخِلَافِ الَّذِي عِنْدَ الرَّافِعِيِّ بِقَوْلِهِ: إنَّ مَفْهُومَ الْمُطْلَقِ أَعَمُّ لِشُمُولِهِ الْمُسْتَعْمَلَ، وَلِمَا زَادَهُ الشَّارِحُ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (إذَا مَاصَدَق) هُوَ مُرَكَّبٌ مَزْجِيٌّ بِضَمِّ الْقَافِ، وَخَبَرُهُ وَاحِدٌ، وَمَفْهُومُهُمَا مُخْتَلِفٌ، فَإِنَّ مَفْهُومَ الْمُطْلَقِ مَا يُسَمَّى مَاءٌ بِلَا قَيْدٍ، وَمَفْهُومَ الطَّهُورِ مَا يَرْفَعُ وَيُزِيلُ، وَبِذَلِكَ رُدَّ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ فِيمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (فِي الطَّهَارَةِ) أَيْ الرَّفْعِ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ لَا فِي الطَّهُورِ الْمُحْوِجِ إلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ قَبْلَ مُتَغَيِّرٍ، كَذَا قِيلَ، وَالْوَجْهُ تَقْدِيرُ الْمُضَافِ وَمَا فِي شَرْحِ شَيْخِنَا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، وَإِنَّمَا قَالَ فِي الطَّهَارَةِ، وَلَمْ يَقُلْ فِي الْإِطْلَاقِ الَّذِي هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِتَهَافُتِ الْعِبَارَةِ إذْ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ، وَلَا يَضُرُّ فِي الْإِطْلَاقِ الْإِطْلَاقُ.
(تَنْبِيهٌ) شَمِلَ مَا ذُكِرَ التَّغَيُّرَ التَّقْدِيرِيَّ كَأَنْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ مَا يُوَافِقُهُ فِي صِفَاتِهِ مِنْ الطِّهَارَاتِ، فَيُقَدَّرُ مُخَالِفًا لَهُ وَسْطًا فِيهَا كَطَعْمِ الرُّمَّانِ وَلَوْنِ عَصِيرِهِ وَرِيحِ اللَّاذَنِ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، قَالُوا: وَلَا بُدَّ مِنْ عَرْضِ الصِّفَاتِ الثَّلَاثَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْوَاقِعِ إلَّا صِفَةٌ وَاحِدَةٌ فَمَتَى لَمْ يَتَغَيَّرْ فِي وَاحِدَةٍ فَهُوَ طَهُورٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَحَيْثُ خَرَجَ عَنْ اسْمِ الْمَاءِ فِي أَحَدِ التَّغَيُّرَيْنِ فَلَا يَحْنَثُ بِهِ مَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً، لِعَدَمِ وُجُودِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فِي الْوَاقِعِ عُرْفًا. قَوْلُهُ: (لِكَثْرَتِهِ) أَيْ يَقِينًا فَلَوْ شَكَّ فِيهَا ابْتِدَاءً أَوْ انْتِهَاءً، فَهُوَ طَهُورٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (وَطُحْلُبٍ) أَيْ لَمْ يُفَتَّتْ وَيُطْرَحْ فِيهِ وَيُخَالِطْهُ بَعْدَ طَرْحِهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
قَوْلُهُ: (كَكِبْرِيتٍ) وَلَوْ مَصْنُوعًا لِإِصْلَاحِ الْمَقَرِّ لَا لِإِصْلَاحِ الْمَاءِ وَلَا عَبَثًا، وَمِنْهُ الْجِبْسُ وَالْجِصُّ وَالْقَطِرَانُ الْمُخَالِطُ، أَمَّا الْمُجَاوِرُ فَلَا يَضُرُّ مُطْلَقًا. وَالْمُرَادُ الْكِبْرِيتُ الْمُفَتَّتُ، وَإِلَّا
ـــــــــــــــــــــــــــــQمُقَيَّدًا. قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَيُشْتَرَطُ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ أَيْضًا فِي غُسْلِ الْمُسْتَحَاضَةِ) لَوْ قَالَ: فِي وُضُوءِ الْمُسْتَحَاضَةِ لَكَانَ أَوْلَى
قَوْلُ الشَّارِحِ: (إذْ مَا صَدَقُ الطَّهُورِ وَالْمُطْلَقِ وَاحِدٌ) هُوَ بِالرَّفْعِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَا يَضُرُّ تَغَيُّرٌ لَا يَمْنَعُ الِاسْمَ) دَلِيلُهُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اغْتَسَلَ هُوَ وَمَيْمُونَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ فِيهِ أَثَرُ الْعَجِينِ» . قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَطُحْلُبٍ) يُشْتَرَطُ عَدَمُ الطَّرْحِ فِي الطُّحْلُبِ وَنَحْوِهِ دُونَ الطِّينِ فَفِيهِ خِلَافُ التُّرَابِ الْآتِي، ثُمَّ الْمُرَادُ هُنَا بِالْمَذْكُورَاتِ أَعَمُّ مِنْ الْمُفَتَّتِ الْمُخَالِطِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (فَلَا يَمْنَعُ التَّغَيُّرُ بِهِ إطْلَاقَ الِاسْمِ) كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ حَيْثُ قَالَ: لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ عَدَمُ إمْكَانِ الِاحْتِرَازِ مُسَوِّغًا لِلْإِطْلَاقِ عِنْدَ أَهْلِ الْعُرْفِ وَاللِّسَانِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (أَوْ بِتُرَابٍ) أَيْ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ كَالنُّورَةِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (قِيلَ وَنَفْلُهَا) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: لَيْسَ مَعْنَاهُ النَّفَلَ دُونَ الْفَرْضِ إذْ لَا قَائِلَ بِهِ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ النَّفَلَ فِي ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَالْفَرْضِ. فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ عَلَى الْأَوَّلِ الْفَرْضَ، وَعَلَى الثَّانِي أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ، فَيَنْتِجُ أَنَّ غُسْلَ الذِّمِّيَّةِ لَيْسَ بِطَهُورٍ قَطْعًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَكَانَ الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ: قِيلَ بَلْ عِبَادَتُهَا
قَوْلُ الْمَتْنِ: (غَيْرُ طَهُورٍ فِي الْجَدِيدِ) الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ تَرْجِيحُ طَرِيقِ الْقَطْعِ بِذَلِكَ.